الأنباط -
حُكماً نستطيع القول ، أن الإصلاح الإداري والحوكمة الإقتصادية هما ، البوابة العريضة والحقيقية الى طريق التنمية المنشودة ، وأن الإصلاحات الجريئة والشاملة وحدها ستحقِّق مكاسب تنمية إقتصادية كبيرة . بات من الواضح بمكان أهمية تكامُل سياسات الإصلاح الإداري كمَدخَل إجباري لتحقيق الإصلاح الإقتصادي والإجتماعي ومن ثم تطوير سياسات الإستثمار، تستكمل الحلقة في تحديث وإعتماد ضوابط الحوكمة ومعايير الإنضباط المؤسسي ، فيما يخص محافظة وإلتزام حوكمة المؤسسات الإقتصادية والشركات العامة على نزاهة المعاملات التجارية والإستثمارية ، كما أنها تدعم مفاهيم رئيسيّة في عملية الإصلاح الإقتصادي مثل سيادة القانون والحُكم الديموقراطي.
الحوكمة مفهوم وتطبيق يحتوي على سُبل فعّالة لمعالجة الفساد الوقائية ، بما فيه من رسم حدود للحقوق الخاصة والمصالح العامة. الحوكمة فى جوهرها لا ترسُم فقط خريطة للعلاقات بين المستثمرين ومجلس الإدارة والمديرين والأطراف الأخرى ذات المصلحة وإنما تمتد في التطبيق إلى أكثر من ذلك الى المجتمع ، نحو إشاعة جو من الطمأنينة وتوفير الضمانات لحماية الإستثمارات وحقوق المستثمرين بما فيهم حقوق الأقلية من المساهمين والأفراد.
إن عملية التطوير والتحديث المؤسسي عملية مستمرة مع الزمن ، حالياً تقتضي إقرار مجموعة الضوابط والمعايير والإجراءات التي تُحقّق الإنضباط المؤسسي في إدارة المؤسسات والهيئات العامة وفقاً للمعايير والأساليب العالمية وذلك من خلال تحديد مسؤوليات وواجبات أعضاء مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية ، تأخذ في الإعتبار حماية حقوق المساهمين وأصحاب المصالح وضع الضوابط التي تُمكِّن الموظّفين والجمهور ذوي العلاقة من الإبلاغ عن أية مخالفات محتملة في سيرورة العمل وكذلك التقارير المالية أو الرقابة الداخلية أو غيرها من المسائل بشكل سرّي والخطوات الكفيلة بإجراء تحقيقات مستقلة وعادلة لتلك المخالفات ، وتعمل على تطبيق سياسة بيئية إستثمارية وإجتماعية تجاه المجتمع المحلي.
نطاق تطبيق أحكام الإنضباط المؤسسي للشركات المساهمة العامة ، يُناط بهيئة الأوراق المالية ودائرة مراقبة الشركات الإشراف والرقابة والتحقُّق من إلتزام الشركات بالقواعد والأحكام والقوانين العامة ، مع ضياع نقاط التماس في المسؤوليات والواجبات ، التجربة تقول إن آليات التنسيق غير كافية وليست مجدية ولم تنتج أي تحسُّن في الإمتثال لمراعاة تطبيق القوانين من جميع الأطراف المتشابكة في المسؤولية ، إن عدم تصويب أوضاع بعض الشركات المساهمة العامة مثالاً ، وكذلك تجاهُل محاسبة أعضاء مجلس الإدارة عن الخسائر المُتراكمة ، واللُّجوء الى إطفاء الخسائر وإخفاء الفشل الإداري ، مثلبة تحتاج الى تصويب قانوني وإداري ، وخسائر صناديق التعاضُد والتعاقد في النقابات أيضاً وإدارة المؤسسات المستقلة في مكان آمن بعيد عن المناقشة والمسائلة.
تعزيز قيم وُجوب ، إفصاح الأطراف ذات العلاقة ، إذا كان لأحد الأطراف ذات العلاقة مصلحة أو منفعة سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، في أي تعامل تم أو من المقرر أن يتم مع المؤسسات والهيئات الحكومية أو الشركة الأم أو أي من شركاتها التابعة أو الشقيقة، وكانت تلك المصلحة أو المنفعة التي تتعارض أو قد تتعارض مع مصالح العامة ، تعين على ذلك الطرف ذو العلاقة الإفصاح بموجب كتاب يُوجَّه لجهة الإختصاص عن طبيعة ومدى مصلحته أو منفعته وذلك خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أيام عمل تبدأ من اليوم الذي عَلم فيه الطرف ذو العلاقة بتعارُض المصالح التي تستدعي الإفصاح، كما يستوجب إدراج تفاصيل هذا التعارض في التقرير المالي وإنعكاسه على المركز القانوني والمالي للمؤسسة أو الهيئة. هذا الأمر يحتاج الى مزيد من الضوابط وتحسين حالة الإمتثال للقوانين من خلال إصدار تشريع خاص بشمول هذه المؤسسات لضوابط الإمتثال العامة .
قواعد السلوك المهني وتحديد الواجبات والمسؤوليات لموظفي الهيئات العامة والمؤسسات الرقابيّة الحكوميّة ، مع ضروره إلغاء مسمَّى ووظيفة مفوَّض الحكومة وتسميتهم أعضاء مجلس إدارة المؤسسة أو الهيئة ، كَوْن مفوَّض الحكومة خارج المسائلة القضائية المباشرة لأعمال وظيفته بالفعل المباشر أو بالمسؤولية التقصيرية ، على أن تلتزم المؤسسات والهيئات الحكومية بإعتماد قواعد السلوك المهني وغيرها من السياسات الداخلية والمبادئ بما ينسجم مع أغراض وأهداف أعمال الوظيفة والتقيُّد بالقوانين والأنظمة المعمول بها ، وتسري هذه القواعد على أعضاء مجلس الإدارة والمدراء والموظفين في أدائهم لواجباتهم.
تعزيز ضوابط إمتثال الهيئات والمؤسسات الشركات العامة بتقديم التقرير السنوي حول الحوكمة المُوقَّع من قِبل رئيس وأعضاء مجلس الإدارة أو رئيس الهيئة والمقدَّم إلى مرجعيات المؤسسة أو الهيئة القانونية سنوياً والذي يجب أن يتضمن كافة البيانات والمعلومات وبشكل خاص حول متطلبات ومبادئ إستكمال نظام الحوكمة بصورة إلزامية وِفق القانون وليست كونها قواعد استرشادية فقط ، وكيفية تطبيقها ، وبيان توضيحي للمخالفات المرتكبة خلال السنة المالية وبيان أسبابها وآثرها المالي والقانوني ، وكيفية معالجتها وتجنب تكرارها مستقبلاً ، على مجلس الإدارة الإفصاح عن الأحداث الجوهرية والقرارات الهامة والمعلومات الإيضاحيـة التي تتعلق بأوضاع الهيئة وأنشطتها، وعلى المجلس وضع سياسة واضحة بشأن توزيع الوِفر المالي وتعليل أسباب العجز إن وُجد وإتخاذ الإجراءات التصحيحية لتفادي تراكم العجز في الوقت المناسب ، هذا على سبيل المثال لا الحصر.
الملك عبدالله الثاني حفظه الله ، إنتقد عدداً من المؤسسات في عام 2016 ، خلال حفل توزيع جوائز الملك عبد الله الثاني للتميز وجَّه لوماً للمؤسسات التي لا تزال تسجِّل أداء ضعيف في عملية التطوير والتحسين، معتبراً ذلك بأنه شيء مؤسف، فيما أكد إعتزازه بالمؤسسات والأفراد المتميزين من مختلف القطاعات ، أنه من الصالح العام شُمول وتوحيد مسار تطبيق المعايير وضوابط الحوكمة ، مما يقتضي ضرورة تعزيز دور الرقابة المالية والإدارية وكذلك تحديد مهام ونطاق شُمول تطبيق أحكام وقواعد الحوكمة والإنضباط المُؤسسي على جميع شركات إدارة الإستثمارات والمساهمات الحكومية والمؤسسات المستقلة والمناطق التنموية من الأمور التي تحتاج الى مراجعة وإستدراك .
الرئيس التنفيذي / مرصد مؤشر المستقبل الإقتصادي
anwar.aak@gmail.com