يركّز الكتاب الذي راجعه وحرّره الأكاديمي والباحث همام غصيب، على مخطوطات التراث في مجال الإنسانيات عبر تقديمه مقالات مكثّفة لمئة كتابٍ وكتاب، بلغةٍ سلسة تتناول مضامينها الأساسية والسياقات التاريخية التي أنتجتها، وأثرها في عصور لاحقة، لكنه يسجّل ملاحظات تحيل إلى قراءة متأنّية لأصحاب هذه الكتب ومشاريعهم الفكرية والأدبية.
من بين هذه الملاحظات، يشير أبو دية، عند قراءته كتابَي "البخلاء" و"البيان والتبيين" للجاحظ، إلى أن الأقاصيص الواردة فيهما كما في مؤلّفات أخرى له، يمكن أن تُعدّ بدايات فن المقامة؛ لأنها تقوم على شخصية المُكدي، وهو الرجل الخائب الذي افتقر بعد غِنى، ويتقن التمثيل والحيَل والخطابة، حيث استعارها بديع الزمان الهمذاني في مقاماته، موضّحاً أن شخصية المُكدي حلّت محلّ الأعرابي في المخيّلة الدينية العربية، التي ربما وجدت في سماتها تعبيرات مناسبة استجابت للتغيّرات الاجتماعية آنذاك طلباً للبقاء والاستدامة.
ويرى المؤلّف أن كتاب "عيون الأخبار" لابن قتيبة الدينوريّ يُضيء الكيفية التي يفهم فيها الإسلام خلال القرن التاسع الميلادي لما يشكّله من مصدر ثريّ لدراسات عادات الشعوب الإسلامية وتقاليدها، ويعكس تحرّر صاحبه في نظرته إلى الأخلاق بما تعنيه من صواب التدبير وحسن التقدير ورفق السياسة وعمارة الأرض طريقاً للوصول إلى الله.
وحول كتاب "بلاغات النساء" لابن طيفور، يشير أبو دية إلى أن نشْر نسخة محققة منه عام 1908 تزامن مع تحوّلات مهمّة طرأت على النظرة إلى المرأة في المجتمع العربي، متمثّلةً بكتابات قاسم أمين وزينب فوّاز وعائشة التيمورية، حيث يعظّم ابن طيفور من دور المرأة وإسهاماتها في الحياة الثقافية الفكرية العربية القديمة.
تتنوّع العناوين التي انتقاها المؤلّف لتغطّي حقبة امتدّت لثمانمئة عام في حقول متعدّدة مثل اللغة والتاريخ والفلسفة وأدب الرحلة وتراجم الأعلام، ومنها "آراء أهل المدينة الفاضلة" للفارابي، و"المقابسات" لأبي حيّان التوحيدي، و"تجارب الأمم وتعاقب الهِمم" لابن مسكويه، و"مشكاة الأنوار" للغزالي، و"المِلل والنِّحل" للشهرستاني، و"كليلة ودمنة" لابن المقفّع، و"الاعتبار" لأسامة بن منقذ، و"الصلة" لابن بشكوال، و"الكامل في التاريخ" لابن الأثير، و"فوات الوفيات" للكتبي.