الدبلوماسية الهادئة والصلابة في الدفاع عن الثوابت ميزة ملكية نادرة
حكمة القيادة تمثلت في القدرة على إقناع العالم بقضايانا العادلة
قيادة المملكة إلى بر الأمان رغم شراسة التحديات الأمنية لـ "الربيع العربي"
قيادات بالكونغرس تقر بتطلعها للاستفادة من حكمة الملك في التعامل مع قضية السلام
الأنباط – عمان – بلال العبويني
حافظ الأردن خلال العقدين الماضيين على مكانته العالمية التي رسمها الراحل الكبير الملك حسين رحمه الله ، لتظل دولة فاعلة تمتلك حظوة وتقديرا لدى الجميع رغم صغر المساحة الجغرافية، والتحديات والأزمات التي عانت منها المنطقة برمتها على امتداد التاريخ الحديث.
هذه المكانة، ساهم جلالة الملك عبدالله الثاني بحكمته وقيادته في تعزيزها وتطويرها لتصبح أهم ما يميز الأردن والدبلوماسية الأردنية لدى جميع الدول وتحديدا عواصم صنع القرار.
فمن راقب الحراك الملكي خلال العقدين الماضيين يدرك مدى ما حققته قيادة الملك عبدالله الحكيم ، الذي لا يجاريه أي قائد في المنطقة بطريقة مخاطبة الغرب لتصبح هذه الميزة من أهم الميز التنافسية التي تمتاز بها الأردن والتي تجعلها على الدوام محط أنظار الغرب، بل ومحجا لهم في الأزمات للنهل من حكمة القيادة في التعامل مع الأزمات والتحديات.
وحكمة الملك عبدالله الثاني في التعامل مع الأزمات والتحديات، ليست مفصولة عن صلابته في الدفاع عن ثوابت الأردن وقضاياه العادلة والقضية الفلسطينية والوصاية الهاشمية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة.
عندما أعلن الرئيس الأمريكي القدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي بعد نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، كان الموقف الملكي الأردني حازما باتجاه رفض القرار الأمريكي ، وقد ساهمت دبلوماسية الملك، وما يمتلك من حظوة وتقدير عالمي في جمع 128 دولة في العالم لتعلن موقفا رافضا للخطوة الأمريكية.
تلك الصلابة في الموقف وفي الدفاع عن الثوابت والمقدسات، بدت واضحة جلية في الموقف من كل ما يخطط للقدس والوصاية الهاشمية وللقضية الفلسطينية، والتي بدأت مشاريع التسوية التي حاولت الإدارة الأمريكية بتسويقها وفرضها على الفلسطينيين تتكسر أمام الصلابة الأردنية الرافضة لكل تلك المشاريع عبر التأكيد الملكي ألا حل أحادي الجانب للقضية الفلسطينية وأن لا حل دون تحقيق السلام الشامل والعادل على أرضية حل الدولتين.
هذا الحل الذي حاولت الإدارة الأمريكية الانقلاب عليه، غير أن الرؤية الملكية والصلابة في الدفاع عنها أثبتت صحتها واستطاعت المحافظة على الدعم الدولي في ألا حل إلا عبر تحقيقها وهو الرأي الذي تقتنع به قيادات مهمة في المؤسسات الرسمية الأمريكية مثل مؤسسة الكونغرس ومجلس النواب ، حيث أقرت قيادات أمريكية في الكونغرس أنهم يتطلعون للاستفادة من معرفة وحكمة الملك في السلام بالشرق الأوسط ، حسب وصف بعضا منهم خلال اللقاءات التي أجرها الملك في زياراته الأخيرة لواشنطن.
ما سبق كان واحدا من أبرز ما يميز السياسة الخارجية الأردنية التي يقودها جلالة الملك، والتي من نتيجتها قدرة الأردن على فرض احترامه على الجميع وفي استقطابهم للانحياز لقضايانا العدالة وإلى رؤيتنا لحل تلك القضايا والتي تعد القضية الفلسطينية أبرزها والتي نجح الأردن في إعادتها إلى موقع الصدارة بعد أن عانت من التهميش خلال السنوات العشر الماضية بفعل تحديات "الربيع العربي" عبر مؤتمر البحر الميت وما تلاه من تطورات لعل أبرزها "صفقة القرن".
أما على الصعيد الداخلي، فما تحقق على مدار العقدين الماضيين كثير من الانجازات ولعل أهمها ، الاستقرار والأمن الذي ينعم به الأردن رغم موقعه الجغرافي الذي يتوسط عين النار ، التي اجتاحت دولا في الإقليم خلال السنوات العشر الأخيرة تقريبا.
يدرك الجميع أنه ليس من السهل المحافظة على الأمن والسلام والاستقرار الداخلي ، رغم صعوبة المرحلة التي مرت بها المنطقة ورغم الإرهاب الذي ضرب المنطقة والمتمثل بالإرهاب الداعشي الشرس الذي كان حاضرا على حدودنا الشرقية والشمالية، دون أن يتمكن من اختراقنا إلا بعمليات إرهابية محدودة جدا ارتقى نتيجتها عدد قليل من أبناء الأردن وجنوده البواسل.
الأمن والاستقرار، يعد من أبرز النعم الذي ينعم بها الأردنيون، وذلك ما كان ليتحقق لولا القيادة الحكيمة التي أدركت مبكرا مكامن الخطر وكيفية التعامل معها للوصول بالأردن الوطن والأردنيين إلى بر الأمان.
تلك التحديات الأمنية، لم تكن وحدها التي مرت على الأردن خلال السنوات العشر الماضية على الأقل ، بل ترافقت مع تحديات اقتصادية كبيرة ما نزال نعاني من آثارها ، والتي ما كانت لتكون لولا التحديات الأمنية التي عانيناها بفعل تواترات المنطقة وموجات اللجوء ، لكن الحكمة الملكية في قيادة السفينة إلى بر الأمان هي العامل الحاسم الذي جعل من الأردن محط أنظار الجميع وصاحب وجهة نظر يستمع إليها العالم ويأخذ بها، ومن ذلك الموقف الأردني والملكي الذي ظل ثابتا على موقفه ألا حلا عسكريا للأزمة السورية بل الحل يجب أن يكون سياسيا، وأن مكافحة الإرهاب لا يكون إلا شاملا يشارك به الجميع.
تلك الرؤية تباناها العالم، وأثبت الوقت أنها الأدق والأصلح لحل الأزمة السورية ولحل معضلة الإرهاب الذي يتهدد العالم أجمع.
اليوم، يدرك الأردنيون أنهم يعانون من تحديات قد لا يكون الداخل الأردني مسؤولا عنها مسؤولية مطلقة، لكنهم يدركون أيضا أنهم ينعمون بالأمن والأمان والاستقرار، وأنهم ينامون الليل طويلا وهم آمنون على أنفسهم وأبنائهم، وأن وراءهم أجهزة أمنية تسهر الليل طويلا، وأن ذلك ما كان ليتحقق لولا حكمة الملك عبدالله في التعامل مع الظروف الصعبة وتوجيهاته للأجهزة الأمنية ومختلف المؤسسات للبقاء متيقظة للمحافظة على أمن الوطن واستقراره وسلامة الأردنيين.
ما سبق، ليست هي فقط الانجازات التي تحققت خلال العقدين الماضيين من جلوس جلالة الملك عبدالله الثاني على العرش، بل الانجازات كبيرة ومتعددة ومتنوعة، غير أننا في هذا المقام ركزنا على قيمتين نرى أنهما عظيمتان، وتتمثلان في نظرة الغرب للأردن ومكانته ومكامن قوته، وفيما تحقق داخليا من أمن واستقرار رغم صعوبة الرحلة التي مر بها الإقليم بعد موجات ما سمي بـ "الربيع العربي".