ابرم الاردن سلسلة طويلة من اتفاقيات التجارة الثنائية والمتعددة الاطراف بدءا من الشراكة الاردنية الاوروبية منتصف تسعينيات القرن الماضي ومن نتائجها المباشرة انخفاض الصادرات الاردنية الى دول الاتحاد الى النصف تقريبا، اما اتفاقية التجارة الحرة من امريكا كانت الغالبية العظمى من صادراتنا الى الاسواق الامريكية من المناطق المؤهلة التي لاتقدم قيمة مضافة لا تتعدى 5 %، اما اتفاقيات التجارة الحرة مع كل من المكسيك وسنغافورة والنافتا وغيرها كانت ولا زالت مجرد حبر على ورق، ومع ذلك لم تقم اي من الحكومات المتعاقبة وهيئات القطاع الخاص المطالبة بإجراء إعادة النظر بهذه الاتفاقيات وغيرها، اما اتفاقية التجارة مع تركيا التي لها وما عليها تم الاسراع الى الغائها دون ان نعيد دراسة الاتفاقية خصوصا تأثيراتها على القطاع التجاري ووضع خطة للانسحاب المتدرج من الاتفاقية تلافيا لالحاق اضرار بقائمة طويلة من التجار.
اي اتفاقية تجارة لا تشجع الصادرات الوطنية لا مبرر لها، والافضل الابقاء على دعم الصناعة وفرض رسوم جمركية حسب القوانين والانظمة السارية، فالمفروض ان تسمح الحكومة للقطاع التجاري فترة زمنية للتأقلم وعدم إيرام تعاقدات تجارية تمهيدا لالغاء الاتفاقية مع تركيا، الا ان ما حدث غير ذلك فقد تم الغاء الاتفاقية بشكل الفوري، ومن نتائج ذلك الحاق خسائر كبيرة باعداد لايستهان بها من التجار.
من حق المتابع ان يطرح اكثر من سؤال في مقدمتها ما هي صادراتنا الوطنية الى المكسيك وسنغافورة؟ وكم تبلغ قيمتها؟، والى اي مدى سمحت الاتفاقية بإغراق الاسواق المحلية بمستوردات دون ان تسجل صادراتنا اي تقدم حقيقي لهاتين الدولتين؟، والجواب بالتأكيد مخيب للآمال، فهذه الاسواق تستند الى اقتصادات متنوعة وبمعدلات انتاجية تمكنها من المنافسة بشكل عام؟
الاسواق المحلية تنغمس في ظاهرة استهلاك كبير شديد التنوع وسط تشوهات اثقلت الصناعات الاردنية وجمهور المستهلكين، وهذا الاستهلاك يضغط على الرصيد الجاهز من العملات الاجنبية، ويبدد تدريجبا مقبوضاتنا من العملات الاجنبية من السياحة وتحويلات المغتربين ويؤثر سلبيا على منتجاتنا الوطنية التي تعاني من ارتفاع التكاليف سواء مدخلات انتاج الاولية، او/ وتكاليف الاموال ( جراء ارتفاع هياكل اسعار الفوائد المصرفية على التسهيلات المقومة بالدينار ) وهذه الصورة انعكاس طبيعي لحالة تباطؤ تطور القطاع الصناعي الاردني خلال العقود الماضية.
مجددا المصلحة الاقتصادية العليا تستدعي إعادة النظر في كافة اتفاقيات التجارة التي ابرمها الاردن مع دول العالم، بحيث يتم الابقاء على المفيدة والغاء الضار منها واعتماد التدرج في حال الالغاء .. فالاردن والاردنيون يستحقون الافضل.