في يوم البيئة
الأنباط - العقبة - د. نهاية القاسم
ما نعرف فإن معظم بلدان العالم العربي تصنف ضمن خانة البلدان السائرة نحو النمو، وهو مصطلح غربي شائع أطلق على هذه البلدان كبديل لمصطلح البلدان المتخلفة في إطار العولمة التي أصبحت تعم مختلف بقاع العالم. وعموما فمختلف هذه البلدان قد عرفت قفزة نوعية في صناعاتها وأنشطتها ومختلف فروعها الاقتصادية كما أن لكل دولة عربية أولويات وركائز اقتصادية تعتمد عليها بلدان عربية متعددة، ولا تزال الزراعة هي الركيزة الأساسية لاقتصاد هذه البلدان، بينما ، هناك بلدان عربية تعاني من قلة الأراضي الصالحة للزراعة بالإضافة إلى ندرة المياه لكنها تعتمد في اقتصادها على ركائز أخرى، وهي تتمثل في الركيزة الصناعية وهكذا... فلكل دولة ركيزتها الاقتصادية التي تعتمد عليها.
لكن الجدير بالذكر هنا هو ما ينتج عن هذه الركائز الاقتصادية من ضرر في الأنظمة والمكونات البيئية فجل القطاعات الاقتصادية لها تدخلات خطيرة تمس البيئة بشكل عام، ومن هنا أصبحنا نفرق بين أنواع التلوث فهناك تلوث الماء الذي قد يكون للمصانع دخل مباشر فيه، تلوث الأراضي والتربة والفرشات المائية الناتج عن استخدام المبيدات والأسمدة الكيماوية ... وغيرها من أنواع التلوث. ومن هنا كثر الإهتمام بمختلف القضايا البيئية وأصبحنا نلاحظ في الآونة الأخيرة أن كل دولة أرادت أن تتقدم في أي مجال إلا وان تأخذ البعد البيئي كأداة ووسيلة أساسية للتكور والتقدم. ومن هنا اجتمعت مختلف الدول العربية وأسست اليوم العربي للبيئة وأصبحت كلمة البيئة تتلازم مع التنمية.
متى ولدت فكرة الاحتفال بيوم البيئة العربي؟
أصبح العالم العربي يحتفل سنويا في كل يوم 14 من شهر أكتوبر بيوم البيئة العربي، ولقد كان هذا اليوم تخليدا لمناسبة انعقاد المؤتمر الوزاري الأول لوزراء ومسؤولي البيئة بالدول العربية وفي دولة تونس المستضيفة للمؤتمر الأول سنة 1986. ولقد انتهى هذا المؤتمر بصدور قرارات بخصوص هذا اليوم الذي تم تأسيسه بتاريخ 14 / 10 / 1986 ومن هنا تبنت جامعة الدول العربية هذا اليوم، وفي كل عام تضع شعارا بيئيا مختلفا من أجل تركيز الاهتمام عليه، وحتى يشعر كل إنسان في الأرض العربية أنه ينتمي إلى بيئة واحدة ، وما يمكن القول عن شعار يوم البيئة العربي، فهو يحمل نفس مواصفات شعار اليوم العالمي للبيئة.
نحن كشعوب عربية نعيش وسط عالم تحيط به وتحاصره مختلف المشكلات والاختلالات البيئية في كل الجوانب، فكما نعرف جميعا؛ البيئة في نظر البعض تعتبر مشكلة لا بد من إيجاد حلول لها من أجل إنقاذها، كما أن هناك من ينظر للبيئة بأنها تلك الطبيعة التي يجب على كل الشعوب الحفاظ عليها وحمايتها، وبعض الأشخاص يعتبرون البيئة بأنها وسط ومحيط حياتي تتربى فيه مختلف الأجيال. لكن هناك رأي لا يمكن إغفاله أبدا أو تجاهله مهما حصل من تطوراته داخل مختلف البلدان وهو رأي البعض بأن البيئة هي مصدر لتحقيق الأرباح وجمع الثروة من خلال الاستغلال الهدمي لها. ومن هنا يمكن الخروج بفكرة عامة حول الرأي العام العربي ونقول بأن البيئة هي عبارة عن أنظمة طبيعية واقتصادية واجتماعية يعيش فيها الإنسان والحيوان والنبات ولكل واحد من هذه المخلوقات دور ونظرة في البيئة وخصوصا نظرة الكائن البشري الذي يختلف من شخص لآخر عكس الحيوانات والنباتات التي لها نظرة واحدة واتجاه واحد وهو مساهمتها الكبيرة في الحفاظ على الموروث البيئي منذ مختلف الأزمنة إلى يومنا هذا.
استغلال البيئة العربية
إذا كان الهدف من تهيئة وإعداد المجال هو الاستعمال الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية، وتوزيعها مجاليا واجتماعيا بشكل متوازن وعادل بغية الوصول إلى إنتاج ومردودية مرتفعين؛ فإن وثير استغلال الإنسان العربي والغربي داخل الأرض العربية لهذه الموارد ولمختلف مكونات البيئة العربية؛ قد أدت إلى إفقار الحياة على الأرض العربية وأحدثت اختلالات في الموازين الدقيقة للبنية الطبيعية والبيئية. وهي الطبع وضعية سلبية أثرت سلبيا على النمو الاقتصادي داخل هذه البلدان العربية. من هنا أصبح الإدراك المتزايد لدى الدول العربية باستحالة الفصل بين قضايا التهيئة والتنمية الاقتصادية من جهة وبين قضايا البيئة من جهة ثانية.
فالتدهور أصبح عاملا معرقلا للتنمية الاقتصادية لبلداننا العربية، أي أصبح الاقتصاد والبيئة أكثر التصاقا وارتباطا سواء على المستوى المحلي أو الوطني أو الدولي بل حتى العالمي في شبكة متداخلة الأسباب والنتائج. من هنا كانت ضرورة إعادة النظر في العلاقة بين التنمية والتهيئة والموارد لكي تواصل التنمية دون تخريب الوسط الطبيعي والبيئي لبلداننا وحتى نبلغ مستوى التنمية المستديمة.
مظاهر الاختلالات البيئة في العالم العربي
تتعدد مظاهر الاختلالات البيئية في بلداننا العربية، لكن يمكن اجمالها على النحو الآتي:
أولا: تلوث المصادر المائية: وهذا عن طريق الإفراط في استعمال الأسمدة والمبيدات، وتوجيه مجاري الصرف الصحي بالمدن ونفاياتها الكيماوية نحو الأنهار أو نحو مناطق زراعية.
ثانيا: تلوث البحار والمحيطات: عدد كبير من البحار والمحيطات التي تطل عليها معظم الدول العربية بلغت مستوى مهول من التلوث بسبب ما تخلفه كما لا ننسى دور البلدان الغربية في هذه العملية، فناقلات البترول الضخمة تنقل مواد ملوثة إلى مياه البحر أو المحيط عن طريق غسل خزاناتها أو إثر تعرضها لحوادث طارئة، بالإضافة إلى المخلفات الصناعية والكيماوية والغذائية لمختلف المصانع.
ثالثا: زيادة حرارة الأرض وتغير المناخ: بحيث يعرف العالم العربي منافسة وحشية من طرف البلدان الغربية التي تستثمر وتقوم بإنتاج بعض المواد والمنتوجات الاقتصادية نحو السوق التجارية، ولقد أدى الاستهلاك المبالغ فيه لمصادر الطاقة ونفث الغازات السامة في الجو إلى عملية التسخين الأرضي.
رابعا: مشاكل النفايات بكل أنواعها: سواء النفايات المنزلية أو السامة أو المشعة.
خامسا: اجتثاث الغابات وانجراف التربة: وهذه المشكلة أدت إلى بروز اختلالات بيئية تتمثل في توالي الفيضانات المدمرة نتيجة قطع الغابات من على السفوح الجبلية فخربت بجرفها للتربة إرثا عقاريا ثمينا.
سادسا: مشكلة التصحر وتزايد حدة الجفاف: وهذه المشكلة بدورها أدت إلى التصحر المتواصل وانجراف التربة.
سابعا: فقر التنوع البيولوجي فوق الأراضي العربية، بعد أن كانت غنية قديما بأنواع متعددة ونادرة من الأحياء البرية والبحرية والطيور.
ثامنا: صعوبة التحكم في تزايد السكان المهول خاصة في داخل المدن العربية.
وقد شهدت العصور الحديثة تقدُّماً علمياً هائلاً في جميع المجالات أدّت لأساليب عيشٍ تمتاز بالمرونة والرفاهية، وإلى جانب هذه الإيجابيات فقد جلبت معها أيضاً العديد من المخاطر التي تؤثّر على حياة الكائنات الحية والإنسان، فقد أدّى التطور الصناعي إلى تراكم النفايات الصناعية والغازات السامة والمواد الكيميائية الناتجة عن هذه الصناعات الضخمة، وبالتالي فإنّ ذلك يُسبّب خللاً واضحاً في التسلسل البيئي الذي بدوره يودي بحياة الكائنات الحية والإنسان إلى التّهلُكة.
قواعد للحفاظ على البيئة
إنّ المحافظة على البيئة احد أهم الأهداف التي تطمح حكومات الدول لتحقيقها، ولتجنُّب بيئة مليئة بالمخلفات والفضلات، هنالك بعض الطرق الممكن اتّبعاها، ومن هذه الطرق ما يلي:
أولا: تجنُّب حرق القمامة؛ لأنّ الدخان والغازات الناتجة تؤثّر بشكل كبير على الغلاف الجوي والهواء. ثانيا: تجنُّب رمي المخلفات في أماكن عشوائية، بل يجب وضعها في المكان المخصص لذلك.
ثانيا: تجنُّب استخدام الغاز البترولي والتعويض عنه ببدائل صديقة للبيئة كالفحم.
ثالثا: تجنُّب تشغيل الأجهزة الكهربائية غير المستخدمة؛ لما لذلك من دور في توفير الطاقة.
رابعا: إعادة التدوير؛ حيثُ أصبحت هذه الصناعة منتشرة حالياً في جميع البلدان، وهي من أفضل الوسائل لاستغلال المُخلّفات وإعادة صنعها مرة أخرى.
مفاهيم بيئية البيئة
هي الوسط الذي يُحيط بالإنسان والكائنات الحية والجمادات؛ إذ إنّ للإنسان دوراً كبيراً في هذه البيئة، فهو يُؤثّر ويتأثر بما حوله سواء أكان ذلك بشكل إيجابي أو سلبي، وتحتوي البيئة على عناصر مهمة لا يمكن الاستغناء عنها، فهي أساسيات ضرورية للحياة، فمثلاً التربة هي إحدى أهم عناصر البيئة التي لا يمكن الاستغناء عنها، فبها تحيا النباتات وتنمو؛ وذلك لاحتوائها على الماء والأملاح المهمة لحياة النباتات، كذلك الهواء، فمنه يُستمَدّ غاز الأكسجين لتنفس الإنسان والحيوان، وغاز ثاني أكسيد الكربون للنباتات، وغيرها من الغازات كالنيتروجين وغيرها، أما الماء فهو أساس كل شيء؛ حيث لا استمرارية للحياة من غير وجوده، وكل هذه العناصر وغيرها تتحرّك مع بعضها لتُشكّل توازن بيئي.
النظام البيئي: هو عبارة عن تفاعل دوري بين جميع الكائنات الحية (الإنسان، الحيوانات، النباتات، الجمادات) لتُشكّل نظاماً متوازناً بين جميع العناصر. مكونات النظام البيئي إنّ للنظام البيئي مجموعة من العناصر التي ترتبط فيما بينها بشكل مُتسلسِل لتشكل النظام البيئي.
بعض العناصر المُكوّنة للنظام البيئي
أولا: العناصر غير الحية: وهي الهواء والضوء والحرارة والتربة والمعادن. العناصر المُنتِجَة: وهي النباتات؛ حيثُ إنّها تبني غذاءها بشكل ذاتي، فهي تأخذ ثاني أكسيد الكربون من الهواء، والماء من التربة، والضوء من أشعة الشمس؛ لتصنع بهذه المكونات غذاءها الذي يساعدها في النمو.
ثانيا: العناصر المستهلكة: وهي الكائنات التي لا تبني غذاءها بنفسها، بل إنّها تستهلك الغذاء باعتمادها على غيرها، كآكلات الأعشاب التي تتغذى على النباتات والأعشاب مثل المواشي، وآكلات اللحوم التي يُعتبَر غذاءها الرئيسي اللحوم كالحيوانات المفترسة، والكائنات الحية التي تأكل كلا النوعين (اللحوم والأعشاب) مثل الإنسان.
ثالثا: المُحلِّلات: وهي الكائنات الحية القادرة على التّأقلم بأي بيئة حتى لو كانت تخلو من الأكسجين؛ حيثُ تستمدّ غذاءها من التحلُّل الذي يحدث للكائنات الحية بعد موتها، مثل البكتيريا والفطريات.
أما التلوث فهو إحداث خلل واضطرابات ضخمة في التوازن الموجود بين عناصر النظام البيئي، ونتيجة لهذه التغيرات الهائلة والسلبية، فقد تعجز العناصر البيئية من تغطية هذا الخلل لأنّه يفوق مدى طاقتها على تحمل التغيرات؛ ممّا يؤثر بشكل سلبي على حياة الإنسان والكائنات الحية، فهو من أشد المخاطر التي تؤثّر على المدى البعيد، كما وأنّ للإنسان دوراً كبيراً في إحداث هذا الخلل، فتصرّفاته غير العقلانية مع البيئة قد يُفقِدها توازنها، ومن بعض الأساليب الخاطئة للإنسان: الرعي الجائر، وقطع الأشجار، وتجفيف البحيرات، وغيرها من التصرفات السلبية التي ثؤثّر في النظام البيئي. أسباب ازدياد مشكلة التلوث البيئي إنّ اختلال التوازن البيئي وملوثات البيئة في ازدياد، وذلك يعود لعدة عوامل وأسباب، منها ما يلي: الكثافة السكانية الهائلة، وبالأخص في الدول النامية وغير المنتجة؛ ممّا يؤدّي إلى حدوث خلل بين بين أعداد السكان والموارد الطبيعية غير القادرة على تلبية احتياجاتهم.
التطور الصناعي الذي أدّى بدوره لاستخدام طاقات هائلة تستنزف البيئة، كما أدت إلى إنتاج مواد صعبة التركيب لا تتحلّل ببساطة. الكوارث التي تُسبّبها ناقلات النفط سواء أكان ذلك بتسرب النفط الذي يؤدي إلى قتل الكائنات البحرية، أو بالأشعة الضارة التي تخترق الغلاف الجوي وتؤثّر عليه بشكل سلبي. المبيدات الكيميائية والأسمدة غير الطبيعية (الكيميائية)؛ حيثُ تُستخدَم لتحسين الإنتاجية الزراعية، لكن في حال استُخدِمَت بكميات تفوق الحد الطبيعي وبشكل غير صحيح، فإنّ ذلك يؤدي إلى إتلاف المزورعات. عدم التخلُّص من المُخلّفات الصناعية بشكل صحيح ومدروس؛ ممّا يؤدي إلى زيادة مشكلة التلوث بشكل مُضاعَف. دور مؤسسات المجتمع في الحفاظ على البيئة لقد أصبحت قضية التلوث البيئي أمراً يؤرّق العالم بأكمله؛ لما لها من تبعات على المدى القريب والبعيد، لذلك؛ على جميع المؤسسات التكاتف للحد من هذا التلوث وتوعية الناس لمدى خطورة هذا الأمر.
دور بعض هذه المؤسسات في نشر الوعي البيئي لدى الناس:
دور مراكز الأبحاث : يجب أن يكون لهذه المراكز دور مهم في تقديم الأبحاث التي تصب في صالح البيئة، ويكون ذلك بوضع طرق بديلة عن المواد الضارة بالبيئة بمواد أخرى تكون صديقة للبيئة.
دور الهيئات الإعلامية: ويكمن دور الإعلام في توعية الناس لمضار التلوث البيئي وخطورته على الصحة، وعرض برامج توعوية يعي من خلالها الناس كيفية التعامل مع البيئة بشكل صحيح، وكيفية التخلص من المخلفات وإعادة تدويرها.
دور المؤسسات التعليمية: بما فيها المدارس والجامعات والكليات؛ حيثُ يُترجَم دورها بمواد تُدرّس عن مفهوم البيئة وكيفية المحافظة عليها، وغيرها من الأنشطة المنهجية واللامنهجية التي تزيد من وعيهم ومسؤوليتهم اتجاه البيئة.
دور الجهات الإدارية: وهو دور كافة المؤسسات الإدارية بما فيها الحكومات؛ وذلك بوضع قوانين صارمة ونظام مراقبة لطبيعة المواد الكيميائية المُستخدَمة في الصناعات، كما هو الحال في الدّول المتقدمة التي تُشرّع قوانين بمنع استعمال المواد الكيميائية السامة التي تؤثّر سلباً على الإنسان والكائنات الحية.//