ذهب رؤساء مجالس النقابات الطبية إلى دار رئاسة الوزراء، أول من أمس، حاملين معهم حزمة من القضايا المطلبية، كانوا قد نفذوا وقفة احتجاجية أولى لتلبيتها وهددوا بمزيد من التصعيد في الأيام المقبلة.
رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز لم يردهم خائبين، فقد استجاب تقريبا لكل مطالبهم في اجتماع لم يدم أكثر من ساعتين. أوعز بزيادة حوافز الأطباء الشهرية، وإلحاق 400 طبيب ببرنامج الإقامة قبل انتهاء المدة القانونية للالتحاق، وزيادة التعيينات بدل انفكاك جميع المقيمين مهما كان عددهم، وزيادة مخصصات البعثات لأطباء وزارة الصحة، وحل مشكلة الأطباء المقيمين ممن لم يجتازوا امتحان 'البورد'، لمعالجة النقص في الكوادر الطبية.
وفي شأن بالغ الأهمية، أكد رئيس الوزراء مقترح النقابات الصحية بالعودة لتجربة المؤسسة الطبية العلاجية المثيرة للجدل، والتي أطلقها في تسعينيات القرن الماضي رئيس الوزراء الأسبق عبد السلام المجالي، ولم يكتب لها الحياة فيما بعد. وأكثر من ذلك، أوعز الرزاز بوضع خطة استراتيجية جديدة للقطاع الصحي، بمشاركة النقابات المعنية قبل بداية العام المقبل.
فعل الرزاز الأمر ذاته مع ممثلي قطاعات أخرى حضروا لمكتبه حاملين هموما ومطالب متراكمة منذ سنوات، فتكفل بتسويتها بزمن قياسي، وهو ما دفع بأحد الأصدقاء للتعليق مازحا: 'يبدو أن لا مستحيل مع الرزاز'.
يتساءل المرء وهو يتابع أسلوب الرزاز في العمل، إذا كان حل المشكلات وتلبية القضايا المطلبية ممكنا بهذه السرعة، فلماذا تراكمت طوال هذه السنين؟
هل لأن الحكومات السابقة كسولة وعاجزة عن اتخاذ القرارات بالسرعة المطلوبة، أم لانعدام قدرتها على توفير المخصصات لتلبية الاستحقاقات المترتبة على تلك المطالب؟
الإشكالية في اعتقاد بعض خبراء العمل الوزاري، هي فجوة العلاقة بين الرئيس ووزرائه، ففي عديد الحكومات السابقة كان رؤساء الحكومات يتركون الجمل بما حمل للوزير لكي يدير شؤون وزارته، من دون متابعة من رئيس الوزراء.
الرزاز، على ما يبدو، مختلف عن بعض سابقيه، فما من أزمة تصاعدت في قطاع من القطاعات الأساسية، إلا وتدخل لإدارتها والتعامل معها بشكل مباشر وسريع.
هناك بالطبع من يختلف مع الرزاز في أسلوبه ويأخذ عليه المركزية المفرطة في القرار، والاستغراق في تفاصيل عمل الوزارات، ويتنبؤون بأن الرزاز سيشعر بعد وقت بالإرهاق من العمل في التفاصيل، ويفقد التركيز بالمسائل الاستراتيجية
والسياسات الكلية للحكومة.
لغاية الآن، نهج الرزاز في العمل والإدارة يلقى ارتياحا عاما، وينعكس بشكل إيجابي على مكانة الحكومة لدى المواطنين. لكن التحدي الأكبر يكمن في قدرة الرزاز على ترجمة وعوده والتزاماته لقرارات نافذة وخطوات ملموسة، وفي الاستجابة بالمستوى نفسه لتحديات ومشكلات مماثلة في قطاعات أخرى، يغريها كرم الرئيس وحسن نواياه.
سياسة الرزاز في هذه المرحلة صائبة، من وجهة نظري، فهو يسعى لتخفيف الأعباء الاقتصادية والمعيشية على قطاعات اجتماعية واسعة، باعتباره الخيار الوحيد المتاح في ظل عدم قدرة الحكومات على تحسين مستوى مداخيل الناس وزيادة رواتبهم.
بيد أن التسويات للأزمات والمشاكل اليومية للمواطنين على أهميتها لا تغني عن العمل الذي لا بد منه لإصلاحات جوهرية في القطاعات الأساسية؛ إصلاحات تدوم لأجيال مقبلة، لا تضطر معها حكومات المستقبل لتحمل أكلاف المشكلات المتراكمة.
الغد