بهدوء
عمر كلاب
طوال عقود خمسة لم استشعر يوما انني اقل من اي احد سواء على المستوى الرسمي او المستوى الشخصي , لا بحكم مسقط الرأس او غيره من التصنيفات , واعتز اكثر بانني نشأت بين السلطية وتطبعت بطباعهم حتى كرويا , ولا اعاني من اي حساسية عن ذكر كرام عشائرنا , بل انني مؤمن بيقين ان العشيرة الاردنية هي حاملة طائرات وأهم للدولة الوطنية , وربما يعلم الجميع انني اتشرف بأن مسقط رأسي مدينة رفح في قطاع غزة , ودرست في مدارس الوكالة وعشت طفولتي في مخيم حنيكين وشبابي في جبل النصر .
طوال تلك العقود كانت سياسة الحكومات الاردنية واستنادا الى قرار سيادي تدعم وتعمل على فكرة اردنة الدولة , بعد قرار جامعة الدول العربية في قمة الرباط , الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني , وكما اسلفت هي سياسة رسمية , لكنها لم تصل لان تكون استراتيجية الدولة الاردنية , وثمة وجهة نظر في ذلك , تقوم على قاعدة نصف الدولة , والدولة ونصف , اي اذا قامت دولة فلسطينية فهي خالصة لاهلها من الفلسطينيين , في حين ان الدولة الاردنية نصف سكانها من اصول فلسطينية , وهذه الفزاعة هي التي يجري استنهاضها كلما احتاجها شخص للحصول على منصب او مكافأة وكلما احتاجتها دولة ايضا للضغط على الاردن الرسمي .
فزّاعة الدولة ونصف ونصف دولة , جرى السكوت عنها من الجميع , ولم تخضع لمبضع الحوار الوطني العميق , بل بقيت حاضرة في النميمة السياسية ولا اظن سياسيا واحدا تعامل معها بجدية وعلنية غير عبد الرؤوف الروابدة , الذي لم يقم بتعميق الحوار حولها ايضا ولا تثقيف الفكرة ووضعها على طاولة التشريح والتدقيق , بصوابية الفكرة وعدالتها , فربما تكون الفكرة صائبة عمليا لكنها ليست عادلة , فمعظم ابناء المهاجرين صحيح ان جذورهم فلسطينية , لكنهم اردنيون بالكامل , نهجا ومنهجا , وتعاطفهم مع فلسطين لا يتعدى تعاطف اي اردني اخر .
تأصيل فكرة الدولة ونصف ونصف دولة , عند طبقة سياسية استثمرت في ضيق الحالة الاقتصادية بحيث بات لها اتباع ومريدون , بحيث باتت تلك الطبقة تنشط بين قطاعات مهمة وتحديدا قطاع المتقاعدين , فاعادت احياء فكرة الاردني الاصلي والاردني التايواني , حسب سوق قطع غيار السيارات والبشر ايضا , ورأينا كيف ينتقد متقاعد نائب رئيس الوزراء الذي اعتدى على حقوق الاردني – الاردني , وباتت الاوصاف تتردد كثيرا في منشورات التواصل الاجتماعي , وباتت هناك رموز اردنية اقرب الى القداسة تحديدا اذا ما لامسها احد من غير الاصليين , اما اذا انتقدها الاصلي فهذه حقه .
اليوم نحن امام خطر داهم , لن يفرق بين اردني واردني , كما يجري الحديث في ديوانيات الخليج التي باتت تسأل اردني اردني ام اردني فلسطيني , ولن يمنحنا الحل القادم رفاه التفكير والتعبير , فكل ما يجرى اليوم من ضغوط وتراض وترضيات , من اجل وضعنا جميعا في خلاط المولينكس , كي يتم طحننا لنفقد خواصنا الوطنية , ونفقد سعينا نحو دولة المواطنة التي تحترم مواطنيها , وتكون بداية النهضة الحقيقية لاستعادة فلسطين وتقوية جهاز المناعة الاردني , فكل الناعقين باصوات اقليمية لن ينجحوا في ثني الكابتن الدعجة وملايين غيره عن اقامة وليمة افطار لجرحى غزة , ولن يمنعوني ان اقول بكل قوة الارض انني اردني .//
omarkallab@yahoo.com