بهدوء
عمر كلاب
عانت الدولة المصرية بُعيد توقيع معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني من ظهور اسماء سياسية واقتصادية برزت على شكل نتوءات او ندب في الجسد المصري , سرعان ما تحولت هذه النتوءات والندب الى حالة جمعية تستأثر بالحضور والدور , وكان ابرز تعبيراتها ظاهرتا افلام المقاولات وثقافتها في المجتمع المصري وبروز طبقة سياسية من محدثي النعمة استحوذت على مفاصل مؤثرة لخدمة اغراضها ومصالحها التي كانت في مجملها – المصالح – غير نبيلة،ونهجت من اجل ذلك وبسعي محموم ومريض , للحطِّ من قيم الوطنية والنزاهة .
خلال عقد ونصف من تمكّن هذه الطبقة جرى تجريف المجتمع المصري وثقافته الوطنية وحصل التباين بين مفهوم الوطنية المصرية والمجتمع المصري الذي تفاعل وتعامل مع مقولة , الجمهور عايز كده , دون ادراك لنتائج هذه الظاهرة ومخرجاتها وبالتالي ارتدادها على الحياة السياسية والاجتماعية المصرية الى ان وصل المجتمع المصري الى هذا المستوى الشائن من التجريف الذي نلمحه في الحياة العامة وما تجود به علينا ادواته الاعلامية , مرورا بظاهرتي التطرف والارهاب ونشوء بيئة حاضنة لتلك الظواهر ما زال المجتمع المصري يعاني منها بعد فقدانه عوامل المنَعة الوطنية .
ما تشهده اللحظة الوطنية الآن , قريب من ذاك الذي حصل مع المجتمع المصري , فقد تكرر تقدم اصحاب المال وتحديدا محدثو النعمة في المواقع العامة وباتت الحركات الانتخابية محكومة بالمال , وللاسف استأنس الناخبون التقليديون والبسطاء هذه الظاهرة مع تواطؤ مجتمعي ورسمي معها , وحتى نقرأ الموضوع بدقة , فقد برزت هذه الظاهرة منذ انتخابات العام 2007 وتكرست في انتخابات 2013 وباتت سلوكا مقبولا في العام 2016 , اي ان طبقة المال نجحت في حصد اصوات الناخبين عبر ما اسمته الجهات الرقابية بالمال الاسود او المال السُحت واحيانا بإسم المال السياسي , والقارئ اليوم لمخرجات صناديق الاقتراع يدرك ويلمس ذلك بيسر ووضوح .
ارتداد التساهل مع هذه الظاهرة او هذه الطبقة لمسناه جيدا في اخر اربع دورات برلمانية , من تردي المخرجات التشريعية ومقدار التغيير على القوانين الذي بات عدم الثبات سمتها الرئيسة , فكل شريحة من تلك الطبقة تأتي لحماية مصالحها وتعكس اثرها وتأثيرها على المخرجات , وادى ذلك الى انحدار مستوى الثقة الوطنية بالعملية البرلمانية بشكل عام وتراجعت مناسيب الثقة بالسلوكيات والتصريحات الرسمية تبعا لذلك , وتعاني كل حكومة من هذه الازمة بأكثر من سابقتها وبات الترحم على السابق سلوكا دائما , مما يعني عدم الثقة والامان بالمستقبل وزرعنا في اذهان الاجيال الشابة ووعيها كل المفاهيم السلبية والعنف المجتمعي .
اليوم وبدون مواربة نعيش حالة تجريف في الوعي ونعاني من تدني نسبة الثقة في كل افعالنا الوطنية , وحجم الراغبين بالهجرة اعلى من حجم الراغبين في البقاء , وثمة فرصة لالتقاط الانفاس وتصويب الحالة او التقدم خطوة من اجل تصويبها مما يعني تكريس التجريف في الوعي ووصولنا الى مرحلة التصحر الوطني// .
omarkallab@yahoo.com