المخفي والمعلن في قضيه الغوطه
كنت قد كتبت في مقالات سابقه عن احداث منطقه الغوطه الشرقيه وعن هجوم قوات النظام بدعم حلفائه على تنظيمات المعارضه فيها وخروج معظم التنظيمات منها مع من رغب بالمغادره من ذويهم بأتجاه عفرين في الشمال . وبقي جيش الاسلام يفاوض الوسيط الغير وسيط روسيا على الخروج من منطقه الغوطه وبعد ان تم التوصل الى اتفاق بين الطرفين على ذلك وغادرت الدفعه الاولى من المقاتلين وذويهم منطقه الغوطه انقلبت الأمور رأساً على عقب . واعلن غالبيه جيش الاسلام رفضه الانسحاب الا بمفاوضات ومباحثات اضافيه . الا انه وفي اليوم التالي الموافق ٨/٧/ ٢٠١٨ تم الاعلان عن حصول هجوم كيماوي على بلده دوما وسقوط عدد كبير من القتلى والمصابين . ونتيجه لذلك تم تبادل التهم ما بين النظام والمعارضه حول المسؤوليه عن هذا الهجوم فيما دانت الولايات المتحده الاميركيه الهجموم ونسبت مسؤوليته للنظام وروسيا . وتعهدت بردع هذا النظام نتيجه هذه الممارسات حتى لو كان ذلك خارج مجلس الامن وساندتها في ذلك كلٍ من بريطانيا وفرنسا . فيما اعلنت روسيا عدم مسؤوليه النظام عن الهجوم الكيماوي بل حتى الى نفي حدوثه واعتباره مشهداً تمثيلياً قامت به قوى المعارضه . واعلنت انها سوف تتصدى لأي هجوم على سوريه وانها نشرت شبكه صواريخ من منظومه اس ٤ و اس ٦ المتطوره جداً والكافيه لتدمير جميع الصواريخ الغربيه فيما اذا اطلقت على دمشق او اماكن تواجد القوات الروسيه وتدمير مصادر اطلاق هذه الصواريخ وتدمير منابع البترول في المنطقه وانها نشرت طائرات روسيه متطوره في قاعده حميم تتفوق على ما تملكه اميركا .
فيما توعدت الولايات المتحده الاميركيه وحليفتيها بأنها سوف تردع قوات النظام والقوات الروسيه ايضاً . وكما قدمت مشروع قرار لمجلس الامن لادانه النظام في سوريه وتحميله مسؤوليه هذا الحادث . وقد انقسمت مواقف الجماهير العربيه اذا ذلك بين من ينتظر هذه الضربه الغربيه للنظام ، وبين من ينتظر ذلك لكي يتم تدمير هذا الهجوم من قبل القوات الروسيه ولو ادى ذلك الى حرب كونيه ونوويه فوق الاراضي السوريه . وقلت انا ان الامور لن تصل الى هذه الحد وانه في اللحظات الاخيره سوف تتم تسويه ما بين روسيا وامريكا بحيث يظهر ان كلٍ منهما قد حقق نصره . وان ايٍ من الطرفين ليس في وارد الذهاب الى حرب عالميه بينهما من اجل عيون سوريه ولا حتى من اجل عيون العرب . وفي الايام التاليه تم التصويت على مشروع اميركي في مجلس الامن لأدانه النظام لم يكتب له النجاح نتيجه استخدام روسيا حق النقض الفيتو . كما فشل مشروع قرار روسي ينفي مسؤوليه النظام عن الحادث ويدعوا الى اجراء تفتيش دولي محايد في منطقه دوما وفيما اذا استخدم فيها سلاح كيماوي او غازي . وأعلنت اميركا وحليفتيها انهم سوف يوجهون ضربتهم الى سوريه بغض النظر عن رأي مجلس الامن .
تلى بعد ذلك بضعه ايام خفتت فيها حده التهديدات المتبادله حتى ان انصار كل فريق اعتقد ان فريقه قد تجنب المواجهه وان الامور عادت الى هدوئها . وانا كنت ارى عكس ذلك وان هذه التهدئه هي الدليل على اقتراب الضربه الغربيه الا ان صحونا صباح يوم الرابع عشر من نيسان عام ٢٠١٨ على خبر قيام القوات الاميركيه والبريطانيه والفرنسيه بهجوم جوي وصاروخي على مواقع متعدده في سوريه حيث اطلق ١٢٥صاروخ على مراكز أبحاث في منطقه البرزه وعلى ثلاثه مراكز للأبحاث العلميه في حمص ووحدات لانتاج السلاح الكيماوي وعلى كتيبه الحرس الجمهوري السوري ١٠٥ واللواء ٤١ قوات خاصه وعلى وحدات الدفاع الجوي للنظام في منطقه قاسيون وعلى مطار الشعيرات والمزه . فيما لم تتصدى القوات الروسيه لهذا الهجوم وليتبين انه من حيث الاساس لم يكن قد تم نصب منظومه صواريخ اس ٤٠٠ و٦٠٠ في سوريه وان كل الموجود هو منظومه صواريخ اس ٣٠٠ وهي في حوزه القوات الروسيه فقط . وان منظومه الصواريخ التي لدى النظام هي اس٢٠٠ القديمه والتي تعود للحقبة السوفياتيه والتي اخرجت من الخدمه منذ وقت طويل . الا ان المصادر الروسيه والسوريه اعلنت ان اكثر من خمسه وسبعين صاروخاً قد تم تدميرها قبل وصولها لأهدافها وان عدداً كبيراً منها تم اسقاطه في البحر بوسائل تشويش الكتروني روسي . وان هذا الهجوم لم يسفر الا عن جرح عنصرين من عناصر قوات النظام . ورغم نفي المصادر الغربيه لذلك الا ان الدلائل اثبتت ان نتائج هذه الغاره الهزيله هي اقرب للصحه وان الاضرار في المناطق التي تعرضت للقصف لا تتناسب مع حجم الضربه . حتى ان مطار الشعيرات العسكري الذي استُهدف بهذا الهجوم بدى في اليوم التالي بكامل جهوزيته وتم شن غارات جويه انطلاقاً منه على مواقع متعدده للمعارضه السوريه وخاصه في المناطق الجنوبه بالقرب من درعا .
اذاً ما ا الذي حدث وما هي الحقائق ؟
يقال والله اعلم انه عشيه الاتفاق على أجلاء قوات المعارضه من جيش الاسلام من مدينه دوما تم اكتشاف وجود عدد من الظباط الاميركان والبريطانيين والصهاينه وعدد من الظباط من دول عربيه متواجدين في مدينه دوما وكانوا يشرفون على العمليات العسكريه فيها وكان جيش الاسلام يحاول اخراج هذه العناصر مع قواته الا ان القوات الروسيه رفضت ذلك مما جعل قسماً من جيش الاسلام يعلن رفضه الانسحاب . وفي اليوم التالي مباشره حصل الحادث الكيماوي في دوما وقد يكون الهدف منه هو فتح المجال لتدخل غربي يتم من خلاله اخراج هذه العناصر من دوما او جعل مثل هذه العمليه وسيله للمفاوضه واخراجهم منها بطريقه سريه . ويقال والله اعلم وعلى لسان الرواه ان وزير خارجيه دوله عربيه لها ظباط في دوما قد قام بزياره الى دوله عربيه أخرى ليطلب منها التوسط لدى روسيا على حل هذه المسأله .
والاستنتاج الذي اخرج منه في حال صحت هذه الاخبار انه جرى من وراء الكواليس اتفاقاً أمريكياً روسياً بأن تقوم الدول الغربيه بشن هجمات محدوده وغير مباشره وغير فاعله على اهداف في سوريه . وان لا تشمل هذه الضربات مواقع القوات الروسيه وان لا تتصدى القوات الروسيه لها مقابل ان توافق روسيا على خروج الظباط الامريكيين والبريطانيين والصهاينه والعرب مع قوات جيش الاسلام ولعل هذا يفسر ما قاله المبعوث الاممي الى سوريه دي مستورا من ان التفاهم الروسي الامريكي في روسيا قد جنبها كوارث شديده . ولذا وفيما كان العالم يتوقع تدخلاً عسكرياً غربياً لصالح المعارضه في الغوطه وفي اليوم التالي للحادث الكيماوي تم الاعلان عن اتفاق على خروج عناصر جيش الاسلام وعائلاتهم من منطقه دوما الى شمال سوريه والامر الذي تم بسرعه وخلال يومين او ثلاثه وقد يكون خرج معهم الظباط الأجانب . وأعقب ذلك دخول الشرطه العسكريه الروسيه الى بلده دوما والتي يقال والله اعلم انها قد تمكنت من اعتقال عدد من الظباط الأجانب . واكثر من ذلك انها اكتشفت معامل لانتاج الاسلحه الكيماويه وعبوات من هذه الاسلحه من انتاح بريطاني حديث في اقبيه تحت الارض . ثم حصلت الضربه الغربيه التي لم ترضي عدو ولا صديق في سوريه وحيث أخذت عناصر المعارضه تلوم اميركا وتوجه لها التهم لعدم توجيهها ضربه قاضيه للنظام من الممكن ان تؤدي الى قتل عشرات الآلاف او اكثر من الشعب السوري والى احتمال حصول تسرب كيماوي من اماكن إنتاجه اوتخزينه المزعومه . ناهيك عن احتماله حدوث اشتباك أميركي روسي فوق سماء سىوريا وعلى ارضها .
بعد ذلك بدأت معركه اعلاميه أخرى بين الطرفين حول قيام لجنه دوليه بدخول الغوطه لفحص مكان الهجوم الكيماوي المزعوم فيها . حيث ادعى الجانب الروسي ان اللجنه التي حضرت لدخول الغوطه غير حياديه وانها لا تحمل تفويضاً من مجلس الامن وانه لابد من وضع بعض الترتيبات الامنيه قبل السماح لهذه اللجنه بالدخول وخاصه لتعرضها لإطلاق نار عليها لدى محاوله دخولها اول مره . فيما اتهم الطرف الثاني النظام وروسيا انهم يعطلون دخول اللجنه لغايه إزاله أيه مخلفات كيماويه او غازيه من مكان حدوثها . وقد قام الجانب الروسي ببث فيلم يثبت من وجهه نظرهم ان حادثه التفجير هي تمثيليه فيما رد الجانب الاميركي والمعارضه ان الفيديو المعروض مأخوذ من مشهد تمثيلي سوري قديم . كما أعلنت مصادر اللجنه ان مهمتها هي فقط التأكد من استخدام السلاح الكيماوي دون البحث عمن تسبب به بأعتبار ان قرار الحكم قد صدر من اميركا وتم تنفيذه قبل التأكد من الحادثه على الارض وسيكون محرجاً لها لو ثبت ان هذا السلاح استخدم من قبل المعارضه . وكما يبدو فأن الطرفان يعرقلان قيام اللجنه بأجراء البحث في وقت مبكّر فالجانب الروسي يخشى ان تكون هناك بقايا مواد كيماويه زرعتها المقاومه فيما يخشى الجانب الاميركي من ان تسفر نتيجه عمليات المسح عن عدم وجود مخلفات كيماويه مما يضعها في حرج شديد بعد ان وجهت ضربتها الصاروخيه . ولذا فهي تفضل قضاء المزيد من الوقت قبل الدخول ليسهل عليها القول ان آثار السلاح الكيماوي قد تمت ازالتها من قبل روسيا والنظام .
وماذا بعد ؟ لقد استطاعت القوات الروسيه تأمين خروج المعارضه السوريه التابعه لجيش الاسلام من مدينه الضمير بعد هذه الضربات . كما توصلت الى اتفاق مع قوات المعارضه في منطقه القلمو ن للانسحاب نحو أدلب الامر الذي بدأ اليوم . كما تم الإعلان عن الاتفاق على انسحاب عناصر داعش المتواجدين بالقرب من دمشق ( مخيم اليرموك وحي الحجر الأسود واجزاء من حي التضامن وحي العسلي ) الا انه يبدوا ان هذا الاتفاق قد تعثر في اللحظات الاخيره حيث يشن الجيش السوري حالياً هجوماً عنيفاً على منطقه الحجر الأسود والمناطق الاخرى التي تتواجد فيها داعش حول دمشق ويقوم بقصفها بشكل عنيف دون اعتراض من احد . فالقتل في سوريه مسموح به بجميع الاسلحه ومهما بلغ عدد الضحايا شريطه عدم استخدام السلاح الكيماوي حتى لو لم يتضرر منه احد . كما ان القوات النظاميه قد استكملت سيطرتها على منطقه الغوطه الغربيه حيث لم يبقى في يد المعارضه سوى مناطق محدده بسيطه سيتم إخلائها منها قريبا الى منطقه أدلب وعفرين والباب امتدادا الى منطقه جرابلس واعزاز على الحدود التركيه وامتداداً الى منطقه لواء الاسكندرون السوري المحتل من قبل تركيا وامتداداً للبحر الأبيض المتوسط . حيث تتواجد في تلك المنطقه تشكيلات واسعه من تنظيمات المعارضه على مختلف انتمائاتهم وخاصه التركيه مما يجعل من امكانيه اشتباك قوات النظام مع القوات التركيه فيما اذا حاولت اقتحامها وإخلاء قوى المعارضه السوريه منها أمراً وارداً ، بالاضافه لمعارضه القوات الروسيه لمثل هذا الإجراء . فهل هذا سيكون تمهيداً لإنشاء دويله صغيره للمعارضه في هذه المنطقه قد تضم ايضاً منطقه منبج وجميع الاراضي في شمال سوريه الواقعه غربي الفرات وتكون تحت حمايه تركيا ؟ وهل هذا ما كان يقصده وزير خارجيه روسيا لافروف عند قوله انه لا يضمن ان تبقى حدود الدوله السوريه على ما هي عليه في نهايه الصراع ؟
وبعد الضربه الاميركيه الفرنسيه البريطانيه المشتركه عاد ترامب ليلعب على وتر انسحاب القوات الاميركيه من مناطق الحسكة ودير الزُّور وبعض المناطق الحدودية مع العراق والأردن والذي يمثل تواجدها الرمزي رادعاً لعده أطراف طامعه فيها . وعاد الجدال بينه وبين القيادات العسكريه الاميركيه والتي تعارض هذا الانسحاب لنكتشف عن خطه بديله تحدث عنها وزير الخارجيه السعوديه تنص على ادخال قوات من التحالف العربي لهذه المناطق لحفظ الامن فيها مع ما قد يؤدي ذلك من اشتباك مع المليشيات الشيعيه وايران ومع القوى الكرديه المحليه التي من المؤكد انها سوف تعارض هذا التواجد ومع احتمال الصدام المسلح مع تركيا التي سوف تستغل انسحاب القوات الاميركيه لتوسع مناطق نفوذها في الشمال السوري على حساب التواجد الكردي وصولاً لإقليم كردستان العراق . ناهيك عن معارضه النظام لتواجد هذه القوات والذي يتهم دولها بتأجيج الصراع في سوريه . فهل هو فخ جديد يتم سوق القوات العربيه وخاصه الخليجيه اليه لأستنزافها سياسياً وعسكرياً ومالياً ؟ و ألا يكفيها تبعات تدخلها باليمن ؟ . أم ان الهدف هو تحصيل المزيد من الأموال من هذه الدول مقابل بقاء بضع مئات من الجيش الاميركي في سوريه والذي تقدر ان كلفتها ستكون حوالي اربعه مليارات دولار سنويا ؟
وأخيرا ماذا عن الجنوب السوري وهل سوف يسمح لقوات النظام ومليشياته وشيعته وقوات قاسم سليماني من الاقتراب من الحدود الاردنيه السوريه الاسرائيليه ؟ أم انه سيكون هناك دور كبير للقوات الصهيونيه للتدخل في هذه المنطقه لمنع هذه القوات من الاقتراب منها وسط موافقه ومباركة روسيه حتى لو تضمنت قصف معسكرات حليفتها قوات النظام ؟ . أم ان هذه المهمه ستوكل للأردن الذي أعلن عن قلقه اليوم من الخروقات التي تحصل في تلك المنطقه وعن اختراقها من قبل تنظيمات ارهابيه ومذهبيه ؟. هل هذا سيعني تشكيل كيان صغير في هذه المنطقه مدعوماً عالمياً واسرائيلياً ليشكل حاجزاً ما بين المليشيات الشيعيه التي أعلنت اليوم ان صواريخها جاهزه للانطلاق وبين دوله الصهاينه ؟ وهل سوف تتحول المعارك في سوريه من معارك بين القوى الدوليه بواسطة قوى سوريه محليه الى حرب مباشره بين هذه القوى على الاراضي السوريه .
قد يكون كثيراً من ذلك بعيد الاحتمال او من عالم الخيال ولكنه قد يكون حقيقه وواقع لما ستصبح عليه طبيعه الصراع في سوريه مستقبلا والتي لازال الوضع فيها مفتوحاً على كل الاحتمالات .