وليد حسني
تمر اليوم ذكرى احتلال بغداد، فمنذ التاسع من نيسان سنة 2003 وعلى مدى خمسة عشر عاما لا تزال بغداد في كامل استدارة عيني محتلة، ومستباحة، يقتلها الطائفي، وتخنقها سياسات الاقصاء والتقاسم المصلحي، والغلبة السياسية والطائفية، والتزوير القاتل للهوية العراقية.
ثمة أطياف تستل نفسها من تلافيف التذكر والذكرى، في ذلك اليوم تحديدا بدا الكون سيئا الى أبعد حدود السوء، ويتيما، وقاتلا، وفي تلك اللحظة الفاصلة التي وقف فيها الجندي الأمريكي على تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس وغطاه بالعلم الأمريكي ونحن نتوه في عالم الآخر، وفي تاريخ فارق.
في التاسع من نيسان صار للعرب في مطالع قرنهم الواحد والعشرين تاريخا فاصلا يقيسون به خيباتهم، ومآسيهم المتواصلة والمتلاحقة، وكما كانت حادثة 11 سبتمبر 2001 علامة فارقة في تاريخ أمريكا والعالم، فان التاسع من نيسان يوم احتلال بغداد ودخولنا مع العراق في الفوضى كان هو الاخر تاريخا فارقا لنا في مطالع القرن الجديد.
ومنذ التاسع من نيسان 2003 وحتى هذه اللحظة والإقليم يعيش حالة انكسار سياسي حقيقية، وحالة من التحولات الجذرية لا تزال تضرب في عمق النظام السياسي والإجتماعي والإقتصادي العربي، ولننظر جيدا الى الواقع العراقي الان، أين كان وإلى أين انتهى.
ومنذ التاسع من نيسان والعراق يبتعد عنا اكثر مما يجب، وفي كل سنة تمر نفتقد العراق العروبي، العراق الموحد، حاجز الصد التاريخي لطموحات فارس في التمدد نحو البوابة الشرقية للأمة العربية، والتوغل قدما في كوننا العربي.
وفي التاسع من نيسان وحتى اليوم تحول العراق الى مجتمع طائفي بامتياز، تتقاسمه الدكاكين السياسية والطائفية والحوزات والمرجعيات، ودافعي الخمس وقابضيها، والمشكلة الأخطر أن المجتمع وعلى مدى الخمسة عشر سنة الماضية صار اكثر ذوبانا في هذه التوليفة الغريبة من نظم بناء الدول وإدارتها، وفقد العراق سيطرته على نفسه وصار أكثر ارتهانا للذين لا يزالون يبكون على الحسين ويقتلون العراق.
اليوم وذكرى احتلال بغداد تلطم وجوهنا فان كشف حسابنا في رصيدنا العربي اليوم يكشف لنا عن احتلال عاصمتين هما القدس وبغداد، ناهيك عن حجم الفوضى التي تعيشها ثلاث عواصم اخرى هي صنعاء وسوريا وطرابلس الغرب..
وفي هذا اليوم لم تزل بغداد عندي زاوية القيمة، نقطة الوداد العربي بين حدين متحاربين، شهقة النعناع تحت رذاذ المطر، ورحلة غريبين في رافدين يلتقيان دوما في شط العرب..