المهندس عامر الحباشنة
في مناسبة وطنية عامة حضرها جمع كبير وكنت احدهم وكانت تحت رعاية الرجل الثاني في الوزارة معالي جمال الصرايرة، تحدث المتحدثون تباعا بكلمات فيها من طيب الكلام وعمق الولاء وروحية عالية من الانتماء ، تخللها فقرات فنية لفتية وأطفال ينشدون للوطن وباسمه بنفس الروحية.
تابعت الكلمات والفقرات والأناشيد والتكريم وهي مركز الحدث ومشهده الأصيل، لكني لم أستطع رغم اني حاولت ان ازيل نظري وشرودي عن ظاهرة لم تكن من البرنامج ولم تذكر في فقراته المعدة بإتقان،
ظاهرة اصبحت متكررة بما يلفت الانتباه، وهي أولئك الرجال والنساء البسطاء ممن استغلوا اللحظة والحفل ووجود راعي الحفل كمسؤول لتقديم الاستدعاءات والعرائض الخاصة المتعلقة بهموم ومشاكل حياتهم اليومية، ومع أني لا أعرف مضمونها ولا اجزم بصوابيتها ككل، إلا أن عدد المتقدمين والمتقدمات ومعظمهم من كبار السن ممن تبدو على محياهم الحاجة والفاقة واللهفة لاقتناص الفرصة جعلت مني اقرب كثيرا لتصديق التماسهم وحاجتهم وما هم فيه من حال اضطرهم لهذا الفعل.
في البدء هم لا يلامون ولاعتب عليهم لأنهم لو وجدوا طريقا لمسؤول يسمع منهم ويساعدهم ما اضطروا لهذا السبيل، وهم بذلك يمثلون شريحة اصبحت تكبر ممن لا صوت ولا طريق لهم، وهم كمن تقطعت بهم السبل يهيمون بين دوائر المؤسسات حيث لا ملاذ مما يدفعهم للتعلق بالأمل عبر لقاء المسؤول خاصة ان علت درجته.
هولاء هم من لا يملكون ترف الكتابة والتواصل الإجتماعي ولا سماع الخطابات ولا الحديث عن الإنجازات ولا الجلوس في الندوات او حتى الوقوف في الساحات للاحتجاج، حيث لا يملكون وقتا لكل ذلك لأن وقتهم مستهلك في متابعة عيشهم ومن يعيلون، باحثون عن إعفاء طبي وتأمين وعن مساعدة لطالب وعن وظيفة تحفظ كرامتهم.
وكذلك لست في مجال لوم ذلك المسؤول الذي تلقفوه ولاكثر من سبب، لأنه مسؤول ولأنه يأملون به شيئا من أمل، فذاك المسؤول لن يستطيع حل مشاكلهم بهذه الطريقة وليس هو او غيره قادر، فالمشاكل والحاجات حالة تراكمية بدأت منذ عقود وتفاقمت في السنوات الأخيرة بفعل وضع اقتصادي واجتماعي ثقيل وتحتاج لمنهج وعمل مؤسسي للحلول.
المهم هنا، ان هذه الظاهرة متكررة في كل او معظم اللقاءات وحيثما كان الأمر متاحا وتنسحب على كافة المستويات بدءا من رأس الدولة والسلطة التنفيذية والتشريعية وغيرها حتى أدنى مستوى تنفيذي .. لذلك يبقى الحديث عن الإنجازات والخطط مجتزأ ما لم يحل مشاكل الناس اليومية، وما لم يتلمسها واقعيا ،وما لم يشعر المسؤول أن أمانة المسؤولية تتطلب استدارة باتجاه تفاصيل وتحديات المواطن المسحوق والمثقل بتفاصيل الحياة اليومية، فهم أهم من حديث النخب، ومن حديث الموالاة والمعارضة، فهؤلاء هم ذخيرة الوطن وهم البيئة الحاضنة للانتماء بلا ثمن وبلا حدود.
فهل تستطيع حكومتنا حيث فشلت حكوماتنا السابقة في الوصول لنبض الناس وهمسهم وبالحد الأدنى لكرامتهم وإلا فغير ذلك فنحن ندور في حلقة مفرغة من تدوير الدوائر وتغيير الطواقي. فللمواطن حقوق مثلما عليه واجبات وإذا اردتم منه واجبات فله عليكم حقوق وليس استجداء ومنحا.
ختاما، النجاح الإقتصادي والتنموي والمجتمعي الحقيقي يكمن بالقدر الذي يتم به الوصول لوسائل وبرامج مؤسسية تحل وتواجه حاجات الناس الحقيقية. وهذه أساس وجود الدولة وأدواتها من سلطات.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.//