بلال العبويني
لا يكاد قطاع من قطاعات العمل والانتاج في المملكة إلا ويشتكي، بل ويحذر العاملون فيه من خسائر متراكمة قد تنتهي بالإنهيار، أو مغادرة السوق المحلي على أقل تقدير.
فبعد كل تلك التحذيرات والمناشدات، لم تجد غالبية القطاعات الاقتصادية من الحكومة إلا أذنا صماء، ما جعلها تلجأ إلى الخيار الأخير بالاعتصام في الشوارع أو الإضراب المفتوح عن العمل، أملا في أن تجد من يستمع لمطالبها وتحذيراتها قبل أن تقضي قرارات الحكومة على قطاعات استراتيجية مهمة بناها أصحابها بعد كدّ وشقاء.
وبالتالي فإن ما بُني عبر عقود من قطاعات تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني وإيراد أموال كضرائب للخزينة وتشغيل عاملين أردنيين قد يصبح ذكر بعد أثر نتيجة قرارات يقول مختصون إن بعضها خاطئ.
فلسفة تلك القرارات ومبرراتها هو مدّ الخزينة بما تحتاجه من أموال، في ظل تراجع مستوى المساعدات، بيد أن النتيجة جاءت عكسية بما تعانيه اليوم الأسواق من كساد وبما تعانيه قطاعات من خسائر وبما يعانيه المواطن من ضعف في قدراته الشرائية حتى بات دخله لا يكفيه لتغطية التزاماته الأكثر إلحاحا.
لذلك، فإن أول الخاسرين من تلك القرارات هي الحكومة التي لم تسهم قرارتها في حصولها على ما تحتاج من أموال متأتية من الضرائب نتيجة تراجع حركة الشراء لدى المواطنين.
اليوم، يقول عاملون في قطاع المجوهرات، ويقول بذلك العاملون في القطاع الزراعي، ويقول مثل ذلك الكلام العاملون في قطاع الإسكان، وأيضا يتحدث بذلك العاملون في قطاع المواد الغذائية وقطاع السيارات وغيرهم الكثير من القطاعات.
والسؤال بعد ذلك، ما الذي تنتظره الحكومة للتراجع عن قراراتها والبحث عن بدائل أكثر ملائمة وأكثر حصافة تساهم في الحفاظ على ما هو قائم من قطاعات استثمارية محلية تورد الكثير من الأموال للخزينة وتشغل الكثير من الأردنيين في منشآتها؟.
مشكلة الأردن الاقتصادية، ليست في قلة الموارد فحسب، وليست في تقلص حجم المساعدات فحسب، بل مشكلة الاقتصاد الأردني أن طريقة التفكير مازالت خاطئة باعتراف مختصين كثر، والذين يؤشرون أن ليس هناك تفكيرا اقتصاديا علميا بل ما هو موجود تفكير مالي مُحاسبي يبحث وراء الأرقام دون دراسات أثر جادة لها، وهو ما يؤدي إلى ما نحن أمامه اليوم من أزمة اقتصادية خانقة.
اليوم، يكاد من الصعب أن تعثر على قطاع اقتصادي لا يئن، ومن المستحيل أن تجد مواطنا مهما اختلفت مصادر دخله، وبالتالي لنا نحن أكثر المتضررين من سياسات الحكومة أن نسألها، إلى أين تسيرون بنا؟، ولماذا لا تبحثوا عن بدائل بعد أن أثبتت التجربة فشل النهج الذي تسيرون فيه؟، بل ولماذا المكابرة والاستمرار في قرارات بدل ما تكون سببا في التعمير باتت معولا في هدم قطاعات تم بناؤها عبر عقود من عرق ودم.
هل يحتاج قطاع السيارات، مثلا، إلى معادلات كميائية وفيزيائية معقدة للاستدلال على أن ما اتخذ من قرارات بحقه ساهم في تدميره وسبب خسائر للحكومة ذاتها قبل أن يتسبب في خسائر للمستثمرين في القطاع؟.