وليد حسني
في سنة 1980 اصدر د. عبد الله عزام كتابه السرطان الأحمر في عمان وكان لا يزال استاذا للعقيدة في كلية الشريعة في الجامعة الأردنية، واحتفل الإخوان المسلمون به أيما احتفال فقد جاء الكتاب في وقته وتوقيته وقد بدأت اسطوانة واشنطن في صناعة الاسلام الجهادي في افغانستان لمواجهة الإحتلال السوفييتي لكابول تأخذ مداها..
لم يكن د. عزام قد اقترب في ذلك الوقت من حلقات الجهاد، إلا أن الدعاية الإخوانية كانت قد ملأت آفاق الأردن في المساجد والجامعات، لكن وبخلاف دول عربية أخرى فلم يتم تحشيد المتطوعين في الأردن للقتال في افغانستان في تلك الفترة.
كنت وعشرات الزملاء الطلاب في المدرسة آنذاك منخرطين في عضوية الجماعة، وكان لزاما علينا قراءة كتاب السرطان الأحمر، وكالعادة فنحن لم نتعرف مباشرة على الماركسية إلا من خلال عيون وعقول الشيوخ وما تم ضخه من دعايات خرافية عن الشيوعية والشيوعيين باعتبارهم كفارا ملاحدة مصيرهم الى جهنم، وكان ذلك بدعم حكومي سلطوي عربي مباشر وبدعم لامحدود من المال السعودي والأمريكي حتى قبل ان تتحول واشنطن لللمساهمة في تمويل الجهاد الأفغاني بأموال عوائد تجارة المخدرات..
تتلمذت كثيرا على يدي د. عبد الله عزام، وكنت اقضي معظم وقتي في الجامعة الأردنية وتحديدا في كلية الشريعة تاركا مدرستي في مخيم البقعة، وتاركا اساتذتي يتحمسون لإحصاء غياباتي..
لن اطيل فالقصة أطول مما يحتمله المقام هنا،، لكنني في تلك الفترة قرأت كتابين أثرا فيَّ كثيرا الأول كان كتاب ماركس" بؤس الفلسفة" بغلافه الأسود وبترجمة د. محمد مستجير مصطفى، والثاني الإنجيل بعد أن حصلت على اول نسخة منه مجانية..
كان الكتابان بالنسبة لي مغامرة مدهشة فهي المرة الأولى في حياتي التي أرى فيها كتابا اصيلا لماركس، ولأول مرة في حياتي أمسك فيها بالإنجيل وأراه وأقرأه..
المهم أنني كنت أصطحب الكتابين واقرأهما في غرفة القرآن في مسجد القدس في مخيم البقعة، وانتبه لي بعض الزملاء في الجماعة واعتبروني قد بدأت انخرط في طريق الضلال، وبدأ أمير اسرتي"الوحدة التنظيمية الصغرى في الجماعة "بتنبيهي إلى ضرورة عدم ادخال كتب ماركس الكافر والانجيل الى غرفة القرآن، وتمسكت باصراري على قراءتهما في غرفة القرآن، واستمر الجدل بيننا متبادلا هم ينبهونني إلى ضرورة تعديل سلوكي وافكاري والعودة لرشدي، وأنا أصر على احقيتي بقراءة الآخر والتعرف عليه بلسانه..
لم يطل الجدل بيننا طويلا فقد اعلنت انفصالي عن الجماعة وتمردي عليها وغادرتها غير اسف على ما فات، بعد أن كررت على مسامع أميري في اجتماعات الأسرة إن كان ثمة في الإسلام من هو أفضل من سيد قطب، وحسن البنا، وعبد القادر عودة، وكتبا أفضل من مجموعة رسائل الشهيد ومعالم في الطريق ..الخ.
كنت اطرح تلك الأسئلة بعقلي الطفل بعد أن أغرقت تماما بالاستشهاد بسيد قطب وحسن البنا، وبتكفير الآخر القومي والبعثي والشيوعي والعلماني، فيما يغيب النبي عليه الصلاة والسلام.
كانت سنواتي الستة عشر لم تكتمل بعد، وبالرغم من أنني لم افهم اية كلمة مما قاله ماركس في"بؤس الفلسفة" فقد شعرت أنني أمام عقل مختلف تعرفت عليه لاحقا وقرأت ما تيسر من تراثه شراء واستعارة حتى اليوم.
أما نصوص الأنجيل وآياته فقد بدت بالنسبة لي في ذلك الوقت أشبه بما نقرأه في القرآن الكريم، وكنت أسأل نفسي" أين الكفر في هذا؟؟؟؟".
وحتى هذه اللحظة، لست ماركسيا جيدا، ولست قوميا جيدا، ولست مسيحيا جيدا، ولست مسلما جيدا..//