مصطلح الأحزاب يحمل جرساً تهكمياً مريراً في عالمنا العربي على وجه الاجمال, وله ظلال قاتمة وحزينة يتم توارثها عبر الأجيال, وكثير من أصحاب التجارب الحزبية السابقين يعملون جاهدين على عدم توريث تجربتهم لأبنائهم ويودون لو أن أبناءهم لا يقلدون آباءهم في هذه المسألة على وجه التحديد، من أجل الانطلاق في الحياة بعيداً عن قيود الأحزاب ولعنتها.
ولكن وجدنا مؤخراً افساح المجال في كثير من الدول العربية ومنها الأردن أمام تشكيل الأحزاب السياسية, وتم إصدار قانون جديد يسهّل عملية تشكيل الحزب بحيث لو أن (150) شخصاً أرادوا إنشاء حزب فلهم ذلك, مما يعني أن العائلة الممتدة تستطيع تشكيل حزب خاص بها, ورأس الدولة أعلن صراحة للجمهور رغبته بتشجيع الناس والطلاب إلى الانخراط في الأحزاب, ولكن على أرض الواقع ما زالت الأحزاب غير فاعلة وغير مؤثرة وغير قادرة على القيام بدورها المأمول، وهناك تساؤلات كثيرة وأصوات عديدة تنتقد دور الأحزاب في الحياة السياسية وتنتقد قدرتها على تغيير الظروف القائمة ومواجهتها.
الحوار الذي يجري حول الأحزاب السياسية ليس سلمياً ولا علمياً ولا موضوعياً, ويمكن وصفه بأنه حوار طرشان, لأنّ النخب الحاكمة ليست صديقة للأحزاب ولا تريدها أن تكون قوية ولا فاعلة, وتعمل بطرق مباشرة وغير مباشرة على عدم تمكين الأحزاب لتصبح هي أداة العمل السياسي القائم حقيقةً وواقعاً, لأنها سوف تنافسها على مصالحها المكتسبة, وسوف تعمل على تغيير طريقة المشاركة في الفعل السياسي وصياغة القرار السياسي والمشاركة في إدارة الموارد والمقدرات أيضاً وهو الأكثر أهمية, والجمهور أيضاً ما زال غير مُقبل على الأحزاب وغير مقتنع بجدية الدولة نحو الأحزاب، وما زالت تنظر إليها بعين الريبة والشك والخوف والتردد.
القضية الأكثر أهمية في هذا السياق أن العمل السياسي من خلال الأحزاب ينبغي أن يكون توجهاً عاماً للدولة ويمثل إرادة القمة والقاعدة معاً, بحيث يتم التوافق على تأطير العمل السياسي ليكون هو الأداة المعتمدة في الانتخابات وتشكيل المجالس البرلمانية والمجالس البلدية, والطريقة المعتمدة في تشكيل الحكومات وإفراز السلطة التنفيذية, فإذا حسم هذا التوجه يصبح مسؤوليتنا جميعاً انجاح هذا التوجه والسعي بكل السبل لاعتماده في التشريع والأنظمة والتطبيق والإدارة, بمعنى أن المجتمع كله يتحمل مسؤولية إيجاد الأحزاب الناجحة.
الأحزاب السياسية تعمل من خلال الدولة والنظام السياسي, وتعمل من خلال السلطة ومواقع القرار التنظيمية، وليست أجساماً خارج الدولة , وليست أطرافاً سياسية تابعة لدول وجهات خارجية, وهي ليست جمعيات خيرية تقدم المعونات الاجتماعية للمواطنين, وهذا يحتم علينا أن تكون الانتخابات البرلمانية محصورة حكماً في الأطر السياسية المرخصة وعبر البرامج القادرة على إدارة الدولة, وينبغي أن لا تكون الانتخابات عبر الأطر الاجتماعية والعشائرية, ولا تحمل معنى الأطر الهلامية الشكلية وهنا مربط الفرس.
الدستور