ملص كان راتبه لا يتجاوز 300 دينار
العقبة – طلال الكباريتي
لم يكن الشاب في مقتبل العمر محمد ملص على يقين أن "مع المحنة منحة" و "لن تنال المجد حتى تلعق الصبر" حينما استغنى أبوه عن خدماته كمسؤولا في مطعم "قصر الشام" قبل سبع سنوات وبراتب لا يزيد عن 300 دينار شهريا .
المعاناة التي استمرت لأكثر من سنتين في قراره بالاعتماد على نفسه، وصنع حياته الخاصة بعد استغناء ابيه عنه، بالشراكة مع صديقه التاجر محمد رمضان الرياطي، لم يدركها من قبل أيضا والتي فسرتها مقولة " رب ضارة نافعة " .
التساؤلات التي تثيرها هذه القصة، كيف مر بمراحله برفقة شريكه الرياطي، فمن موظف في مطعم براتب زهيد، لا يكاد كافيا لإطعام عائلته، ثم إلى لا شيء، ثم إلى تاجر ومستثمر ؟
الشاب ملص يروي قصة نجاح مشاريع محلاته الثلاثة بعد معاناة استمرت لسنتين من الذل وقهر النفس، ومواصلة الليل مع النهار، برفقة شريكه التاجر محمد رمضان الرياطي .
يقول الشاب التاجر محمد حسني ملص 36 عاما أن قصة نجاحه بدأت بعد أن استغنى أبوه عن خدماته في مطعمه "قصر الشام" حينما كان يعمل فيه كمسؤول عن 19 موظف فيه .
وبرر ملص طرد أبيه له ليرى فيه الإبداع، والاستقلالية، وليصنع لنفسه اسما ومجدا ، بعد أن رآه مكافحا ويحب التعب والمشقة مشيرا الى أنه كان شهد أياما كثيرة كان يواصل العمل في محل أبيه لأكثر من 15 ساعة .
وروى أن قصة التحدي مع أبيه، بدأت بعد رجوعه من عمله إلى بيته مشيا، في وقت الذي لم يكن في جيبه دينارا واحدا أجرة لتكسي ينقله، وظل قابعا في بيت أبيه لا يخرج منه نحو ثلاثة أيام وكان يحصل على ثمن علبة سجائره من والدته .
وذكر أنه قرر وقتها الخروج من ضنك قلة والمال والعزلة الى الأسواق، والاتصال مع أصدقائه ومعارفه، ليحظى بفرصة عمل، فقرر بعدها أن يستأجر محلا بالضمان في شارع البيتزا (السعادة)، بعد أن أرشده صديقه عن مكان المحل .
وتابع أنه اتفق وقتها مع مستأجر المحل المغلق منذ فترة، بأن لا يتدخل في عمله، وبدفع أجرة قيمتها 700 دينارا شهريا، تتضمن 300 دينار لصاحب المحل، و 400 دينار شهريا لمالكه .
وزاد أنه بعد أن وقع عقد الإيجار، استدان من صديقه 5 آلاف دينار، ليتمكن من شراء عدة لمطعمه الجديد "شاورما بنت الريم" .
ولفت إلى أن أول سنتين من بدء مشاريعه كانتا من أصعب السنين التي مرت عليه، للديون التي بلغت قيمتها نحو 45 ألف دينار تكبدها خلال بداية مسيرته في المطعم ودفع آلاف الدنانير خلو للمستأجر الأصلي .
وروى أن أبرز مشاهد قصة الفقر المدقع التي مر بها خلال تلك الشهور، أنه اضطر لنقل خليجيا مخمورا عبر سيارته، من العقبة الى العاصمة عمان، لعدم قدرة الخليجي على القيادة، مقابل الحصول على 50 دينارا .
وأضاف أن هذه القصة بدأت حينما حضر خليجي إلى جاره يسأله عن سائق يوصله بسيارته الى العاصمة، واستدعاه جاره، وأوصله، ليحظى بتلك الدنانير .
وزاد أنه اضطر وقتها لإغلاق محله، مضيفا أنه تمكن وقتها من شراء الخضراوات لأولاده واللحوم بعدما كان يفتقدها أهل بيته .
وذكر أن رغم تراكم ديونه، أصر على المسير قدما، فاضطر وقتها لإنهاء عمل موظفيه، والعمل مكانهم لنحو 18 ساعة يوميا، ويحدد لنفسه 4 ساعات للنوم في مطبخ المطعم، وفي الشتاء بالتحديد قرب موتور الثلاجة الساخن ليشعر بالدفء .
وبرر عدم اختيار بيت أبيه مكانا للنوم فيه لعدة شهور، منعا من الشعور بالراحة التامة وخوفا من نسيان هدفه وتحقيق حلمه بالتفوق في عمله، فقرر وقتها خيارين إما النجاح أو الموت مستبعدا خيار الفشل .
وأضاف أن بعد تلك الخسائر التي شهدها ومعاناته، أكمل مسيرته مع شريكه "محمد رمضان الرياطي"، الذي أحيا في قلبه الأمل، في مواجهة الفشل بمحاولات جديدة، أقرا بعد تفكير عميق بفتح محل جديد "فلافل وبس" .
وأشار الى أنهما باشرا في العمل سوية، بالشراكة في محل الشاورما وفتح محل جديد بنفس الأسلوب، بالاستدانة، لشراء لعدة محل يختص ببيع سندويشات الفلافل .
ولفت إلى أن التخطيط لفتح المحل استمر لأيام، مع شريكه الرياطي، تضمنت بيع المنتج بإضافات لم تكن موجودة وقتها في المدينة، كوضع الطحينية بدلا من الحمص وإضافات عدة كالجزر، واعتماد أربع أنواع من الخبز .
وأما سر نجاحه فقد كشف ملص أن أبرزها يتمثل في بيع منتجه بأعلى درجات الجودة وبربح قليل ليكسب زبائنه، وجهده وسهره لليال مضت، ودعم شريكه المادي والمعنوي، بالإضافة إلى طرده من أبيه ليعتد بنفسه كان التحدي الأبرز .
وأما عن محلهما الثالث "بابا زعتر" الذي كان بجوارهما ومغلقا فقد كشف التاجر ملص أن استئجاره كان باقتراح وتحفيز ودعم من شريكه الرياطي، بعده قررا استئجاره و لم يكن بحوزتهما سوى ألفي دينار .
وعن أسرار نجاح هذا المحل، فقد ذكر أنه يتمثل بالصبر و يدعمه المحلان اللذان بجواره، مشيرا أن انتاج المحل اقتصر وقتها على عمل أنواع قليلة من المعجنات مؤكدا أن الجودة العالية في منتجه والاقتصار على الربح القليل ساهم في نجاحه .
وكشف أن أبرز أسباب نجاح أي مشروع استثماري مهما كان حجمه، الحصول أولا على رضا الوالدين، وقدرة صاحب المشروع على تحمل التعب والمشقة والتضحية، وتحدي النفس والعناد والإصرار على الاتجاه إلى الأمام .
ووجه التاجر ملص رسالة الى أبناء العقبة تحمل في طياتها العتب والتوجيه، موضحا أن شباب العقبة يغلب عليهم طابع اللامبالاة، والاتكال على الغير بدعمه ماديا .
وأما عن رسالته التي حملت النصح والتوجيه فقد حث التاجر ملص الى التفكير مع النفس، لدراسة المجالات التي يبدع فيها، وتعلمها، والاتجاه إليها، والعناد في الحياة لأجل تحقيق الذات .
وفيما يتعلق بطموحه فقد أفاد أنه يقتصر على شراء بيت خاص لعدد من أفراد عائلته، مؤكدا على أن أبرز طموح له تحقق بفتح محلات بفترة لا تتجاوز الثلاث سنوات، في الوقت الذي كان يقتصر طموحه على فتح محل واحد .
ووجه التاجر ملص رسالة شكر حملت في طياتها عرفان لأبيه منوها أنه ساعده على الانطلاق في الحياة وتحفيزه ليتحدى نفسه والاعتماد على نفسه، وجهود جريدة الأنباط لتسليطها الضوء على الإيجابيات و النجاحات في العقبة .
كما ثمن جهود أصدقائه ومعارفه الذين ساندوه لينجح مشروعه أبرزهم التاجر جمال أبو العدس، و التاجر في ملحمة الكايد ابراهيم روحي، و التاجر عثمان الكباريتي، لدعمه بالبضائع والصبر عليه الى وقت السداد، ودعم التاجر بلال أبو حدايد، وتحفيز شريكه محمد الرياطي على الاستمرار ومحاربة الفشل .
وبخصوص تفعيل الاستثمار والسياحة في العقبة ناشد رئيس المفوضية ناصر الشريدة على تفعيل الاستثمار في العقبة، مشيرا الى أن العقبة ينقصها الكثير من المشاريع كمدينة ملاهي، و منطقة ألعاب مائية، و ميدان لسباق سيارات السرعة، منوها أنها تساعد على تفعيل السياحة الداخلية .