عواصم - وكالات - الانباط - مامون العمري
انطلقت الاجتماعات التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني السوري اليوم في مدينة سوتشي الروسية الذي تقاطعه الهيئة العليا للمفاوضات لقوى الثورة والمعارضة، وهو ما قللت موسكو من شأنه وقالت إنه لن يمثل انتكاسة خطيرة للمؤتمر.
وبينما أفادت مصادر لـقناة الجزيرة الفضائية بامتناع نحو خمسين شخصية من معارضة شمال سوريا عن الحضور، تشارك وفود وشخصيات سورية أخرى يمثل بعضها معارضة الداخل.
الانباط تفرد في هذا العدد مآلات الأمور وسط التطورات على الأرض في أكثر من محور ،والتطورات السياسية التي تأخذ منحى الطريق المسدود أن بقيت الأطراف تتعامل في عقلية القلعة التي تثبت انها على حساب الشعب السوري اولا والدولة السورية والمنطقة أجمع
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف في مؤتمر صحفي إنه "من غير المحتمل أن تؤدي عدم مشاركة بعض الممثلين عن العمليات الجارية حاليا في سوريا إلى منع هذا المؤتمر من المضي قدما، ولا يمكن أن تؤدي إلى تخريبه".
ورغم استبعاده أن يحقق "سوتشي" اختراقا سريعا في مسألة التسوية السياسية للأزمة السورية، فإن بيسكوف شدد على أن المؤتمر سيسمح بإطلاق العمل لتحقيق هذه التسوية.
في السياق ذاته، أكد مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف أن عددا من ممثلي الهيئة السورية سيشارك في المؤتمر بصورة فردية.
دعوة قائمة
وقال المبعوث الروسي إن بلاده تعول على تغيير المعارضة لموقفها، مشيرا إلى أن دعوة الهيئة إلى حضور المؤتمر لا تزال قائمة.
وأكد لافرينتييف أن نتائج سوتشي ستقدم إلى الأمم المتحدة لتطوير وتطبيق عملية جنيف تحت رعايتها.
ودعت روسيا أكثر من 1500 شخصية لحضور المؤتمر، وقد بدأت بعض الوفود المشاركة بالوصول إلى سوتشي.
العدد النهائي للشخصيات الحاضرة يقارب ثلاثمئة موزعة بين أنقرة (ما بين خمسين وسبعين شخصية) وجنيف (خمسين شخصية) والقاهرة (29 شخصية) ودمشق (44 شخصية من معارضة الداخل بالإضافة إلى عدد آخر يمثل مقربين من النظام).
إلا أن قرار عدم مشاركة بالمؤتمر لنحو خمسين شخصية -تمثل جانبا من معارضة الشمال- يرجع لعدم الاستجابة لمطالب مقدمة إلى الجانب الروسي.
واشترطت هذه المعارضة وقف القصف على إدلب وذلك خلال اجتماع عقد أمس الأحد في أنقرة، وضم شخصيات سياسية وعسكرية برعاية تركية للبحث في تفاصيل المشاركة بالمؤتمر.
وأعطت تركيا تطمينات للمعارضة بأنها لن تمارس أي ضغوط عليها في المؤتمر، وأبلغت وفد المعارضة بأن روسيا وافقت على مطالبته بتغيير شعار المؤتمر الذي كان يضم علم النظام السوري فقط.
دستور جديد
ووصل المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا ستفان دي ميستورا الاثنين إلى سوتشي للمشاركة في أشغال الحوار الوطني السوري.
وقالت وكالة إنترفاكس الروسية -نقلا عن وثائق رسمية- إن دي ميستورا سيرأس لجنة ستتشكل خلال المؤتمر لوضع مسودة دستور جديد لسوريا.
وعُقدت الأحد في عدد من المحافظات السورية مؤتمرات متزامنة رافضة لمؤتمر الحوار الذي دعت له موسكو، حيث أكد المجتمعون مقاطعتهم للمؤتمر ورفضهم التام لمخرجاته.
على صعيد متصل، تعقد الدول الضامنة لمسار أستانا (تركيا وروسيا وإيران) اليوم اجتماعات تقنيا تحضيريا، في مستهل مؤتمر الحوار السوري في سوتشي.
وتعقد الدول الضامنة اجتماعها التقني قبل انطلاق مؤتمر الحوار السوري، ومن المنتظر أن تكون الفعاليات الأساسية للحوار اليوم الثلاثاء.
تستعد روسيا لاختبار مقاربتها للحل السياسي في سوريا مع بدء أشغال مؤتمر سوتشي للحوار الوطني السوري، وفي وقت لا توجد فيه مؤشرات كبيرة على تحقيق النجاح الذي تأمله موسكو يدخل المؤتمر كعنوان آخر بارز لمسارات الحل لأزمة سوريا.
وقد عملت موسكو منذ فترة على حشد الجهود لإنجاح المؤتمر الذي تعول فيه على التنسيق مع إيران وتركيا (شريكيها في مسار أستانا) من خلال تفاهمات وترتيبات طالت -وفق بعض المحللين والمراقبين- الوضع الحالي في عفرين وعملية "غصن الزيتون".
والحضور التركي في موسكو -وفقا للمقاربة الروسية- يعادل أو يفوق حضور المعارضة السورية ذاتها، وذلك باعتبار الأوراق التي تحملها أنقرة في الملف السوري ودورها في إضفاء الشرعية على المؤتمر بقطع النظر عن نتائجه ومقرراته.
وتعول موسكو كثيرا على خارطة الحضور والغياب سواء على الصعيد المحلي السوري أو الدولي، باعتبار أن نجاح المؤتمر في فرض نفسه يستند إلى مدى قوة تمثيل هذه الأطراف وحجمها وفاعليتها في الملف السوري.
وبينما أكد منظمو مؤتمر الحوار الوطني أن المدعوين للمؤتمر يبلغ عددهم أكثر من 1600 شخصية يمثلون أحزابا ومكونات من المجتمع السوري وشخصيات وبعض الممثلين عن الفصائل المسلحة والشخصيات والأحزاب المعارضة، قررت الهيئة العليا للمفاوضات لقوى الثورة والمعارضة وقوى أخرى معارضة عدم المشاركة، وكذلك الإدارة الذاتية الكردية شمالي سوريا بسبب الهجوم التركي على منطقة عفرين.
شكوك مزمنة
ويأتي مؤتمر سوتشي بعد أيام من مؤتمر فيينا (جنيف 9) الذي لم يخرج بأي نتيجة، ورفض النظام الوثيقة الخماسية التي قدمتها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمملكة السعودية والأردن للحل، معتبرا على لسان رئيس وفده أنها "لا تساوي الحبر الذي كتبت به".
ورغم عدم تجاهل المعارضة (الائتلاف السوري والهيئة العليا للمفاوضات) لدور موسكو، فإنها تشكك منذ البداية في النوايا الروسية الهادفة إلى إبقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة والالتفاف على مؤتمر جنيف والقرارات الدولية خاصة القرار رقم 2254 .
ويقول رئيس دائرة الإعلام بالائتلاف أحمد رمضان إن روسيا تحاول فرض حل أحادي في سوتشي، وإنه "لا يمكن تمرير هذه الصفقة الروسية في سوتشي أو غيرها من خلال سحب البساط السياسي من جنيف إلى هناك" مشيرا إلى أن "موسكو تضع حلولا بالاستناد إلى مفهوم المنتصر والمهزوم في ظل غياب مشاريع دولية للحل السياسي".
ورغم تأكيدات دائمة لمسؤولين روس بأن سوتشي لن يكون بديلا لجنيف، يمكن قراءة الموقف الروسي من خلال التصريحات الأخيرة لمبعوث الكرملين إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف، وقوله إنه "لا مكان في سوتشي لمن يعارض بقاء الأسد في الحكم، وإن إعلان المعارضة الامتناع عن حضور المؤتمر ستكون له تبعات كثيرة على الأرض".
وذهبت المعارضة إلى أن المؤتمر الروسي لن يكون في غيابها سوى "كرنفال" للتسويق الدولي، رغم تخوفها من مشاركة المبعوث الأممي لسوريا ستفان دي ميستورا، حيث قال المعارض خالد خوجة إن هذه المشاركة ستفتح الباب أمام بوتين لفرض مفهومه للحل السياسي عبر تبني الأمم المتحدة لمقاربته.
ويشير معارضون آخرون إلى أن هذه المشاركة "الواسعة" من الأطراف السورية -رغم أن معظمها صنيعة النظام أو موال له وفق تقديرهم- ستكون لها تبعاتها المستقبلية في إدراج هذه الأطراف ضمن مخرجات الحل السياسي، وبالتالي تمييع الجسم الرئيسي للمعارضة.
الرهان الروسي
ورغم بحث موسكو عن حضور أكبر للمعارضة في سوتشي، فقد أكد الكرملين في بيان أن غياب "بعض عناصر المعارضة السورية" عن المؤتمر لن يقوض على الأرجح أهمية المؤتمر أو أعماله.
ويشير البيان بوضوح إلى أن موسكو تعتبر هيئة التفاوض مجرد جزء من المعارضة السورية، بما يشير إلى أن سوتشي ستكون بوابة لأطياف أخرى من المعارضة للولوج إلى عملية التسوية وتشكيل لجنة لإعداد الدستور، باعتباره أحد أهم أوراق المؤتمر.
ويشير مراقبون إلى أن روسيا كانت متحسبة لغياب المعارضة عن سوتشي، لكنها تعول على جمود المسارات الأخرى -وخصوصا جنيف- في دفع المعارضة إلى مقاربتها للحل، خصوصا وأن المؤتمر يتم برعاية أممية وبحضور دي ميستورا.
وترى موسكو أن دخول سوتشي ومقرراته على خط مسارات الحل السياسي للأزمة السورية يعد نجاحا في حد ذاته، كما أن الأطراف الحاضرة واللجان التي ستتشكل -ومعظمها مقرب من روسيا- ستكون الحامل الأساسي للمقاربة الروسية في الاستحقاقات القادمة.
وإضافة إلى تحقيق أهدافها في توسيع الجسم السوري المعارض ليشمل أطيافا متنوعة ومختلفة وبعضها لا وزن له -كما يقول مراقبون- بهدف تغييب المطالب الأساسية للشعب السوري وبينها رحيل النظام، تعمل روسيا على إحداث انقسامات في صفوف المعارضة ككيان أو شخصيات.
ويقول عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة فؤاد عليكو إن سوتشي قد يؤدي فعلا إلى إحداث شرخ في صفوف المعارضة، معتبرا أن موسكو تشترط على المعارضة تخليها عن مطلب رحيل الأسد مقابل إشراكها.
وهذا الرهان الروسي على انعقاد المؤتمر بقطع النظر عن نجاحه من عدمه يضع سوتشي -كما جنيف وفيينا والرياض وأستانا- ضمن وجهات المفاوضات والحوار في سياق الأزمة السورية، ويكرسه مسارا جديدا قد تطول رحلته، كما يقول متابعون.