في محطة الوقود: فاتن قندح تعلن القطيعة مع مفهوم العيب السائد
عمان – بترا
تخطت الاربعينية فاتن قندح اسوار السائد وثقافته، حين اختارت احدى محطات الوقود في عمان لتشكل "محطة فارقة" في حياتها كعاملة مضخة بنزين, رغم انها حاصلة على شهادة البكالوريوس في المحاسبة والقانون التجاري من الجامعة الهاشمية.
ولا تجد قندح التي تقدم يوميا من محافظة الزرقاء الى عمان، أي حرج في تعبئة البنزين لقاصدي المحطة، فرغم علامات الاستغراب والريبة التي تغلف نظرة البعض لعمل سيدة في محطة بنزين الا أنها تجد التقدير والاعجاب من آخرين وهو ما يشكل دافعية لها واصرارا على مواصلة عملها دون الالتفات لأي انتقاد او تعليق.
تقول قندح ان عملها في محطة البنزين اعاد لها الكثير من الثقة بالنفس وعزز من وضعها الاقتصادي، اذ انها المرة الاولى التي تتقاضى بها راتبا "مجزيا" - كما تقول – مقداره 350 دينارا، وهو اعلى راتب تتقاضاه منذ أن بدأت تعمل منذ حوالي 20 عاما، مضيفة ان "اوضاعها الاقتصادية التي لطالما كانت متعثرة، علمتها ان الارادة يجب ان لا تهزم، فمنذ سنوات وأنا اتنقل بين عمل وآخر، حيث عملت في دار لرعاية الاطفال، ثم أنشأت مشروعا لإعادة تدوير الفوط الصحية والمحارم الورقية تعثر بعد بداية بدت جيدة، ولكني لم افقد الامل وكرست حياتي في العمل بمعزل عن طبيعته، لتربية ابنتي سالي (21 عاما) وابني سيف 17 عاما ".
وواصلت أم سيف رسالتها في العمل متنقلة بين مخازن لبيع المواد التموينية ومحاسبة لأكثر من مرة، معربة عن فخرها بمساندة من زوجها في مواجهة مصاعب الحياة لاسيما وانه في مرحلة التقاعد من وظيفته، اضافة الى انه خضع لعملية جراحية كبرى في القلب.
وتوضح أن زوجها لا يعارض عملها في محطة الوقود بل يشجعها, وهي في المقابل تشاطره الحياة حلوها ومرها وتتقاسم معه اعباءها الاقتصادية بين مصروف البيت ومتطلبات الاولاد، واضطرارها لاستئجار بيت بـ 240 دينارا, رغم أنها تمتلك بيتا في حي شعبي بالزرقاء الا انها قامت بتأجيره وانتقلت لحي آخر لأسباب خاصة, وليس حبا في التغيير فحسب على حد تعبيرها.
تبدأ فاتن رحلتها المهنية منذ التاسعة صباحا وحتى الرابعة عصرا، وهي ملتزمة بساعات الدوام، مشيرة الى ان عملها يعج بالزبائن وفي فضاء مفتوح ويتيح لها الكثير من الحرية المسؤولة، ويشي لها بالانطلاق، مفضلة عملها هذا على العمل المكتبي المحصور في نطاق محدود، ورغم انها تعمل في ظروف جوية مختلفة يتقلب بين البرد القارس والحر الشديد، الا أنها لا تكترث كثيرا لهذا بل تعبر عن سعادتها الغامرة في هذا العمل وتتمنى استدامته لتكمل مسيرتها في تحمل مسؤولية البيت والعائلة.
وتؤكد أن عملها في المحطة عزز من شخصيتها وقدرتها على مواجهة الحياة، معربة عن رضاها عن واقعها , كونها "غير مضطرة لطلب المعونة من احد"، لافتة الى ان ثقافة العمل الشريف بمعزل عن مضمونه تكرست لدى المرأة الاردنية المثابرة حيث نجدها فاعلة ومتميزة في مختلف القطاعات.
وتمثل حالة ام سيف أنموذجا يحتذى في المجتمع الاردني، بحسب الاستاذ في علم الاجتماع في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين ، كما تمثل تقبلا مجتمعيا وتقديرا له بعيدا عن مفاهيم "الجندر"، الامر الذي يعزز من التركيز على الكفاءة والانجاز بعيدا عن النوع الاجتماعي.
وتشير قصة ام سيف كما ينوه محادين، الى التحولات في السوق الاردني، كما توحي القصة بتأثر تلك التحولات "بالسوق العولمي" الذي يركز على سرعة الانجاز وجودته قبل اي عنصر اخر.
ويرى الدكتور محادين الذي يترأس كذلك اللجنة الثقافية في مجلس محافظة الكرك اللامركزية ان السيدة قندح وبتحديها لنظرة المجتمع واصرارها على الانتاجية واعتمادها على نفسها "تمثل قدوة حسنة لنظيراتها وتسهم في تعزيز القيم الفردية في المجتمع الاردني، وتسمح بشيوع دخول المرأة لقطاعات مهنية مختلفة كانت حتى عهد قريب حكرا على الرجال فقط".
ويرى المتخصص في علم الاجتماع الدكتور مراد المواجدة ان التغلب على ثقافة العيب لتحقيق غايات انسانية نبيلة كتربية الابناء وتعزيز الذات هو اهم ما يستشف من قصة نجاح قندح، التي يجب النظر لعملها بتقدير عال، لافتا الى انه رصد ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي قبولا من المجتمع لأشكال جديدة من عمل المرأة كسائقة تاكسي، ومدربة قيادة سيارات ومراقبة سير وغيرها من المهن كانت تحسب فقط للرجال.
ويضيف، ان ما يسمى بثقافة العيب في طريقه الى التلاشي، بسبب ضغوطات الحياة وسعي الناس للكسب الحلال، لافتا الى ان العمل قيمة سامية حتى وان كانت العوائد المادية قليلة ويظل افضل من الاتكالية او سؤال الناس أو التذلل للغير.
ويلفت الدكتور المواجدة الى ان ما قامت به ام سيف من شأنه "نشر العدوى" الايجابية ودفع الكثير من النساء المترددات الى العمل ليس بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي فحسب بل والتميز والريادية والفعالية والمساهمة في التخفيف من مشكلتي الفقر والبطالة، مؤكدا انه امر طبيعي ان تعمل السيدة قندح في محطة وقود، وهو ما يخلق شكلا من اشكال التضامن الاجتماعي، بمعنى ان الناس سيقدمون على التزود بالوقود من المحطة التي تعمل بها تعبيرا عن تقديرهم لها وتضامنهم مع قصة كفاحها.
وتشير دائرة الاحصاءات العامة الى ان معدل البطالة في المملكة بلغ 5ر18 بالمئة خلال الربع الثالث من عام 2017، بواقع 4ر15 بالمئة للرجال و 30 بالمئة للإناث، فيما ارتفع معدل البطالة للربع الثالث من العام نفسه بمقدار 5ر0 نقطة مئوية.