التقى قداسة البابا فرنسيس في الفاتيكان وأجرى مباحثات مع الرئيس الفرنسي في باريس
نقدر دعم فرنسا لنا لمواجهة التحديات الاقتصادية التي نمر بها
جلالته وماكرون: القضية الفلسطينية ما تزال القضية الأكثر أهمية في المنطقة والقدس هي مفتاح حل التحديات الماثلة أمامنا
وضع القدس يجب تسويته ضمن إطار حل شامل يحقق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية
الأردن سيواصل دوره التاريخي والديني في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف
الفاتيكان وباريس – جهينة نيوز
ركز لقاء الملك عبدالله الثاني مع قداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، أمس، على التطورات المتعلقة بمدينة القدس في أعقاب قرار الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها.
وتناول اللقاء، الذي حضره سمو الأمير غازي بن محمد، كبير مستشاري جلالة الملك للشؤون الدينية والثقافية، المبعوث الشخصي لجلالته، تبعات القرار الأمريكي، وما نتج عنه من استفزاز لمشاعر المسلمين والمسيحيين في المنطقة والعالم.
وأكد جلالة الملك ضرورة احترام الوضع القانوني والتاريخي القائم في مدينة القدس، وعدم المساس به، حيث شدد جلالته على أن الأردن سيواصل دوره التاريخي والديني في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، من منطلق الوصاية الهاشمية على هذه المقدسات، وبما يحافظ على هوية مدينة القدس كرمز للسلام.
كما شدد جلالته على ضرورة تكثيف الجهود لحماية حقوق الفلسطينيين والمسلمين والمسيحيين في مدينة القدس، التي تمثل مفتاح تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
وأكد جلالته ان القرار الأمريكي الأخير يشكل خرقا للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، حيث أن وضع القدس يجب تسويته ضمن إطار حل شامل يحقق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل.
من جانبه، أكد قداسة البابا فرنسيس، الذي كان أعرب عن قلقه إزاء القرار الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أن القدس هي مدينة فريدة ومقدسة لأتباع الديانات الثلاث.
ودعا قداسة البابا، خلال اللقاء، إلى احترام الوضع القائم في القدس، تماشيا مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وبما يسهم في تجنب المزيد من العنف والتوتر.
وأشار قداسة البابا فرنسيس إلى دور جلالة الملك عبدالله الثاني المحوري في حماية المقدسات في القدس، مشيدا بالتزام الأردن بتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة والعالم.
كما التقى جلالة الملك، بحضور سمو الأمير غازي بن محمد، مع أمين سر الكرسي الرسولي الكاردينال بيترو بارولين، حيث جرى بحث التطورات الإقليمية، وسبل تعزيز التعاون بين الأردن وحاضرة الفاتيكان.
وحضر اللقاءين وزير الخارجية وشؤون المغتربين، ووزير خارجية الكرسي الرسولي المطران بول ريتشارد غالاغير.
وفي سياق منفصل أجرى الملك عبدالله الثاني والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مباحثات، في باريس أمس، ركزت على التطورات الإقليمية الراهنة، خصوصا تلك المتعلقة بمدينة القدس بعد القرار الأمريكي الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل.
وخلال المباحثات الموسعة التي جرت في قصر الإليزيه بحضور عدد من كبار المسؤولين في البلدين، تم التأكيد على أهمية مواصلة التشاور والتنسيق بين الأردن وفرنسا تجاه مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، والارتقاء بمستويات التعاون في المجالات الاقتصادية والعسكرية والأمنية.
وأدلى جلالة الملك والرئيس الفرنسي بتصريحات صحفية مشتركة عقب المباحثات الثنائية والموسعة، أعرب جلالته خلالها عن تقديره للدور البناء للرئيس الفرنسي في الشرق الأوسط، وحرص الأردن على العمل مع فرنسا من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
وتاليا نص التصريحات الصحفية لجلالة الملك:
" فخامة الرئيس، أشكركم على حسن الاستقبال.
إنه لمن دواعي سروري أن أكون معكم في فرنسا مرة أخرى هذا العام.
أود أيضا أن أشيد بالدور القيادي الكبير الذي تبذلونه إزاء التحديات الصعبة التي نواجهها في منطقتنا، حيث تنادون بقيم الأمل والعقلانية للتحديات التي نواجهها.
بقينا على اتصال وثيق على مدى تصدينا لمختلف التحديات التي نواجهها. وأظهر بلدانا قدرا كبيرا من الشراكة القوية والمستمرة في التطور في الاتجاه الصحيح.
إن الأردن وفرنسا كما ذكرتم فخامة الرئيس يعتزون بمستوى العلاقات المتقدم الذي يجمعهما في المجالين العسكري والأمني.
كما نقدر دعم فرنسا لنا لمواجهة التحديات الاقتصادية التي نمر بها، وللتبادل الثقافي الوثيق التي أشرتم إليه للتو.
اليوم، تبادلنا الآراء حول كيفية تمتين العلاقات بين بلدينا، وكيفية التعامل مع التطورات الملحة الأخيرة.
لقد أشرتم فخامة الرئيس إلى أن القضية الفلسطينية ما تزال القضية الأكثر أهمية في المنطقة. وكما نعلم جميعا فإن القدس هي مفتاح الحل للتحديات الماثلة أمامنا.
وفي هذا الشأن، فإن قرار الولايات المتحدة الأحادي الجانب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يخالف – من وجهة نظرنا – القانون الدولي.
لقد اتفقنا، كلانا، على أنه لا بديل لحل الدولتين، وأنه لا يوجد حل بدون القدس.
إن مسألة القدس يجب تسويتها ضمن إطار الحل النهائي واتفاق سلام عادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يستند إلى حل الدولتين.
ومثل هذا الاتفاق يجب أن يمكِّن الفلسطينيين من إقامة دولتهم المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش إلى جانب إسرائيل.
والتحدي الماثل أمامنا جميعا هو أن حقوق المسلمين والمسيحيين في القدس لا يمكن إنكارها، إذ يجمعنا تاريخ حافل، وقد تم التعبير عن ذلك بشكل واضح من قبل القيادات المسيحية والإسلامية الذين التقيتهم في الأردن قبل يومين، وأيضا خلال لقائي مع قداسة البابا فرنسيس صباح هذا اليوم.
ومن منطلق الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، سيستمر الأردن بتحمل مسؤولياته الدينية والتاريخية تجاه المسجد الأقصى/ الحرم القدسي الشريف.
وفي هذه المرحلة، علينا الحرص على العمل معا، وهنا أتفق مع الرؤى والأفكار التي طرحتها فخامة الرئيس بهدف الوصول إلى حل دائم لهذا الصراع طويل الأمد.
نحن مستعدون للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني والرئيس محمود عباس، في دعم جهودهم مع المجتمع الدولي لتحقيق السلام.
وقد بحثنا أيضا، كما أشرتم فخامة الرئيس، التطورات في سوريا، حيث شكلت الحرب على الإرهاب أولويتنا الأولى، وقد تم تحقيق تقدم كبير في الحرب على الجماعات الإرهابية ميدانيا. والآن، هناك حاجة إلى المزيد من الجهود للبناء على محادثات استانا – كما ذكرتم – للوصول إلى حل سياسي بالشكل الصحيح، وبما يضمن – في نهاية المطاف – استقرار ووحدة ومستقبل سوريا.
وكصديق وأخ لكم، فخامة الرئيس، فإنني أؤكد أننا في الأردن سنقف إلى جانبكم، ونتطلع قدما إلى الكثير من المبادرات التي ستقدمها فرنسا والتي من شأنها أن تضعنا في الاتجاه الصحيح.
وأقدر عالياً النقاشات المهمة التي جمعتنا اليوم، وستمكننا من أن نجعل من العام 2018 عاماً أفضل.
أشكركم مرة أخرى، فخامة الرئيس، على ترحيبكم الحار، وآمل أن نستضيفكم في الأردن قريبا. شكرا جزيلاً".
بدوره، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال التصريحات الصحفية المشتركة، عمق العلاقات التي تربط بين الأردن وفرنسا، وأهمية مواصلة التنسيق بينهما حيال مختلف القضايا.
وتاليا نص التصريحات الصحفية للرئيس الفرنسي: "جلالة الملك، بعد الزيارة الأولى لجلالتكم في شهر حزيران الماضي، فإنه يشرفنا الآن عودتكم إلى باريس، وأود أن أشكركم بكل صدق على ذلك، وأن أعرب لكم عن مدى سعادتي بالترحيب بكم ثانية هنا، وأن أثمن عاليا هذا النقاش الذي دار بيننا.
لقد تباحثنا في مواضيع ثنائية مهمة للطرفين، وكنا قد حددناها معا كأولويات في شهر حزيران الماضي، وسأقوم بزيارة إلى الأردن كما ذكرت في ربيع أو صيف 2018، ونحن نأمل أن يكون هناك تقدم ملموس في المواضيع ذات الاهتمام المشترك لبلدينا.
فعلى المستوى العسكري تعاوننا يعود إلى زمن قديم، ونود من الطرفين تطويره وتعميقه من خلال مشاريع على أرض الواقع. من الناحية الاقتصادية، تود فرنسا دعم مسيرة الأردن في التقدم والازدهار الاقتصادي، وآمل أن تستطيع الشركات الفرنسية متابعة استثماراتها في الأردن وبالذات في قطاع المياه والطاقة، ولدينا عزيمة حقيقية في كل هذه المواضيع، وأيضا أن نتابع الاستثمار معا في مواضيع ثقافية وتعليم اللغة فهي من أولوياتنا أيضا، وناقشنا كذلك مواضيع أخرى ذات اهتمام مشترك في المنطقة، وخاصة أن هذه الزيارة الودية وزيارة العمل تأتي بعد عدة أيام من تبادلنا مكالمة هاتفية جاءت على إثر الإعلان الأمريكي الخاص بالقدس.
وتأتي هذه الزيارة في سياق حرج جدا بالنسبة للمنطقة بأكملها. إذا ناقشنا مواضيع إقليمية بعمق، وأولها القضية الفلسطينية الإسرائيلية، وتلاها الوضع في سوريا.
مسألة وضع القدس بالدرجة الأولى، هي أساسية بالنسبة لبلدينا، ولذلك كان من الطبيعي أن نتعاون وأن ننسق معا في هذا الموضوع. فالأردن هو القائم على حماية الأماكن المقدسة في مدينة القدس، وهو شريك أساسي بالنسبة لنا في هذا الأمر.
معروف عن جلالتكم انحيازكم الدائم نحو التهدئة، وهنا أود أن أعبر عن إعجابي وأثني على القرار الحكيم الذي اتخذتموه، وهو قرار السلام.
هذه المحادثات سمحت لنا التوصل إلى حقيقتين، الأولى: هي أننا سنتشارك في التمسك بالإبقاء على نفس الوضع فيما يخص الأماكن المقدسة في مدينة القدس، والثانية: هي أننا نتشارك في الاعتقاد والجزم بأنه لا يمكن فصل وضع القدس عن الحل الشامل للمسألة الفلسطينية – الإسرائيلية، وهذا الحل يجب أن يسمح بإرساء سلام دائم وعادل وهو أساسي لهذا الاستقرار. وهذا السلام لا يمكن أن يتم إلا من خلال التفاوض بين الطرفين، الذي يمكن أن نلعب فيه دور الميسر والداعم، ولكن ليس أكثر من ذلك. وبالتالي، سنلعب دورا في هذه العملية السياسية. بالنسبة لي، يعتبر الأردن شريكا استراتيجيا في هذا الموضوع، واتفقنا مع جلالة الملك عبدالله الثاني على متابعة الجهود في الطرح السياسي الصادق والعودة إلى عملية السلام.
بعد موضوع القدس ونتائج القرار الأمريكي، ناقشنا مواضيع أخرى ذات اهتمام مشترك، وبالتحديد محاربة داعش والأزمة في سوريا. وفي هذا الخصوص، نحن كلانا مقتنعان بأن داعش وكل الحركات الإرهابية في هذه المنطقة هم الأعداء الأساسيون.
داعش الآن في طور القضاء عليها عمليا ولكن يبقى التهديد قائما، وقلت مرارا أن محاربتها مستمرة في المنطقة وفي قارتنا خلال الأشهر القادمة.
وأود هنا أن أركز على أهمية الأردن، فهو يستضيف جزءا من قواتنا، وكان دائما شريكا مهما جدا في العمليات العسكرية. والأردن شريك أساسي لفرنسا، وهنا أود أن أؤكد مرة ثانية على التزامنا الكامل تجاهه.
وأيضا، ناقشنا اليوم الوضع ما بعد الأزمة في سوريا، والدور الذي يجب أن نلعبه في عملية إرساء السلام، السلام المستدام في سوريا. أعتقد أننا نتشارك معا في الإرادة للوصول إلى حل سياسي شامل في سوريا يضمن إمكانية تمثيل جميع الأطراف وضمان سلامة الأراضي السورية.
وأود هنا أن أحيي الدور الذي لعبه الأردن على الساحة الدولية في هذا المجال، من خلال تنظيم اجتماعات العقبة التي أصبحت ملتقى مهما. لقد نظمتم في أوائل شهر كانون الأول جلسة عن الإرهاب في غرب إفريقيا، وهي كما تعلمون إحدى أهم أولوياتنا وكان الوزير الفرنسي حاضرا آنذاك، وأستطيع القول إنه لدينا نفس الآراء والإرادة المشتركة.
فيما يخص الموضوع السوري ومكافحة الإرهاب، اتفقنا على التنسيق معا من أجل رؤية مشتركة في الأسابيع والأشهر القادمة للتوصل إلى نتائج دبلوماسية ملموسة. الربع الأول من العام القادم سيكون مهما للمنطقة فيما يخص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والأزمة السورية أيضا. في هذا السياق، تنوي فرنسا الاضطلاع بدورها كاملا، والشراكة مع الأردن هي شراكة أساسية بهذا الخصوص. أود أن أتقدم بالشكر الجزيل لجلالتكم وأكرر ترحيبي بكم في باريس".
وفي رد على سؤال حول المسار الدبلوماسي الذي سيتخذه جلالة الملك بالتعاون مع الرئيس الفرنسي فيما يخص القدس، خاصة بعد لقاء جلالته مع رؤساء كنائس القدس وقداسة البابا فرنسيس، قال جلالة الملك إن القدس هي عاصمة أبدية للمسلمين والمسيحيين. وعليه، فإن القدس مهمة للمسلمين والمسيحيين في كل العالم. وبالنسبة للمسلمين والمسيحيين في القدس والضفة الغربية والأردن، فإن التحدي يتمثل في التغييرات التي تقوم بها إسرائيل على أرض الواقع، وهذا من شأنه أن يترك أثراً عميقاً على مستقبل المسلمين والمسيحيين.
وأضاف جلالته "ينبغي علينا أن ندرك أن أقدم مجتمعات المسيحية العربية في العالم هي من منطقتنا. فالمسيحية، والمسيحية العربية بالتحديد، هي جزء أصيل من ماضينا وحاضرنا ويجب أن يكونوا جزءاً من مستقبلنا، ولهذا السبب يجب أن ننظر بعمق إلى كيفية حماية حقوق المسيحيين والمسلمين في القدس، وهذا هو السبيل الوحيد للمضي قدما نحو المستقبل".
وأكد جلالته أنه "مهما كان مضمون النقاشات الدائرة، وبانتظار طرح الولايات المتحدة خطتها، ستبقى القدس المدينة التي توحدنا جميعا، فهي تجمع الأديان السماوية الثلاث، ولا مجال لانتهاكات تقوض هذا المبدأ".
وقال جلالته" لقد التقيت قيادات مسيحية في الأردن، وقد عبروا عن قلقهم من القرار الأمريكي الذي يؤثر على مستقبلهم ومستقبلنا. ومجدداً السؤال هو: كيف يمكننا إنقاذ عملية السلام حتى نتمكن من أن نمضي بالاتجاه الصحيح، لتكون القدس منارة للأمل، ومدينة تجمع لا تفرق".
وتابع جلالته قائلا "قادة الكنائس طالبوا الأردن بأن يتحرك باسمهم في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. وعلينا أن نتذكر أن الحل في نهاية المطاف يكمن في جمع الفلسطينيين والإسرائيليين على طاولة المفاوضات لتحقيق حل الدولتين، وهو الذي يضعنا في موقع أقرب لما ننشده للقدس، المدينة الخالدة. وهذا هو التحدي أمامنا على مدار الأشهر القادمة".
وفي رده على سؤال يتعلق بالخشية من الأسوأ في حال عدم التزام إسرائيل بحل الدولتين وبالقدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين، قال جلالته "لقد عبر العرب والمسلمون بمنتهى الوضوح في اجتماع ]منظمة التعاون الإسلامي[ في اسطنبول أنه لا بد أن نعطي السلام والأمل فرصة. وهذه هي الرسالة الأساسية التي حرصنا على توجيهها أملين بأن يتم إحراز تقدم".
وأضاف جلالته "إننا حاليا في انتظار إعلان الخطة "الأمريكية" وما سينتج عنها، ونحن نأمل أن تتمكن الولايات المتحدة من بلورة خطة للمرحلة المقبلة تعالج التحدي الراهن. وعليه، فإننا لن نخوض في مسائل معينة إلا حين طرحها. وفي نهاية المطاف فإنه لا بد من العمل معا لتحقيق السلام بدلا من حالة الإحباط وانعدام الثقة".
وفي معرض رد الرئيس ماكرون على سؤال حول حديثه عن محادثات مع الرئيس الأسد لإرساء السلام في سوريا، قال "فيما يخص سوريا الوضع معقد ولكن ليس عقيما، وأعتقد أنه يجب أن نكون حذرين من الذين يعتقدون بأنه بإمكاننا اختراق حل سياسي من الخارج للبلد رغم عنه "في إِشارة إلى الأسد" وضده كما فعلنا في الماضي في العراق وليبيا".
وتساءل الرئيس ماكرون: هل بشار الأسد صديقا لفرنسا؟، كلا، هل بشار الأسد عدونا الأساسي على الأراضي السورية، كلا، إنها داعش، وقال "بشار الأسد وقلتها مرارا هو عدو الشعب السوري، فهو الذي تسبب بالوضع الذي نعلمه جميعا، وتسبب بوجود ملايين اللاجئين الموجودين أساسا في الأردن ولبنان وتركيا وأيضا في أوروبا وكندا والولايات المتحدة. بشار الأسد هو السلطة الحاكمة الآن في سوريا، هل نستطيع تجاهله في المرحلة الانتقالية، يجب أن نكون واقعيين، ما أريد تجنبه هو أن يكون هناك حالة بعد الخروج من الحرب، وهي حرب سوف ننتصر فيها على داعش بحلول شباط من العام القادم، بحيث تفرز وضعا قائما، فهناك قوى لديها مصلحة بأن يبقى بشار الأسد رغما عن شعبه".
وأضاف "حين أتكلم عن إرساء السلام أتكلم عن مبادرة دبلوماسية جماعية أدعمها منذ عدة شهر، وتكلمت بذلك أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أيلول الماضي، من أجل العمل سويا لجمع مختلف الأطراف رغم اختلاف أفكارهم من أجل التوصل إلى حل في سوريا، يتضمن التعامل مع بشار الأسد لأنه يمثل النظام القائم، لكنه يتضمن أيضا إطلاق عملية تضمن سلامة الأراضي السورية واستقرارها السياسي بشكل مستدام والتعددية الدينية والسياسية بما يضمن التمثيل العادل لكافة الأطياف السورية بما فيها قوى المعارضة غير المتواجدة حاليا على الأراضي السورية، وذلك بحيث نضمن تمثيل جميع الأطراف السورية".
وتابع الرئيس ماكرون "يجب أن نطلق هذه العملية السياسية والتي تتطلب منا الحوار مع ممثلي بشار الأسد بصفته رأس النظام القائم لأنه يمثل قوة سياسية حاضرة، دون أن نحصر علاقتنا به ومن دون أن ننفي مسؤوليته عما حدث. هذا ما نسميه بالواقعية مع التمسك بقيمنا ومبادئنا. أنا لا أؤمن بأي مبدأ يفرز نتائج مأساوية ولا يتيح لنا إحراز تقدم".
وردا على سؤال حول إمكانية طرح مبادرة فرنسية أمام الأمم المتحدة تستند إلى المبادرة العربية للسلام التي أطلقت في العام 2002، قال الرئيس ماكرون "في هذا السياق كان هناك مبادرة وحيدة مصدرها الولايات المتحدة، لقد أبديت رأيي بها وأريد هنا التأكيد على الموقف الفرنسي، فنحن لا نتفق مع المقترح الأحادي الأمريكي، لأنه يخالف القانون الدولي ويخالف مواقفنا التاريخية، لكني أنتظر أن يتم طرح المبادرة الأمريكية بالكامل، وأعتقد أن هذه المبادرة الأمريكية لا يمكن فصلها عن بقية المشروع، لكنني أرغب باستمرار الحضور الفرنسي بالمنطقة وأن نتحاور مع جميع أصدقائنا. وحوارنا اليوم مهم جدا نظرا للدور الخاص الذي يضطلع به ملك الأردن بصفته وصيا على الأماكن المقدسة كما أشرنا إلى ذلك، ونظرا لتمسكنا باستقرار المنطقة، وتمسكنا بحل الدولتين، بحيث تكون القدس عاصمة لكلتيهما، بحدود معترف بها ضمن حل سلمي".
وأضاف "سنساهم إذا في أي حل ناجع، ولا أعتقد أنه من المناسب الآن طرح أي مبادرة فرنسية من خلال الأمم المتحدة، يجب أن نبقى على اتصال مع مختلف شركائنا الإقليميين، وأن نحافظ على علاقاتنا الطيبة مع الأردن، ونحن نتفهم كل ما يشغل الأردن ومصادر قلقه، ولدينا رغبة أيضا بالحوار مع الطرفين المعنيين بالسلام. لقد استقبلت رئيس الوزراء الإسرائيلي وسأستقبل محمود عباس خلال هذا الأسبوع، لأنني أود الاستمرار في الحوار مع الطرفين اللذين سيتمكنان دون غيرهما من العودة إلى عملية السلام. سيكون من الخطأ التفكير بإعادة إطلاق عملية السلام في أي هيئة دولية كانت بالرغم عن طرفي النزاع أو بالنيابة عنهما. إذا تنطلق رؤيتي من منطلق إرساء السلام والحوار".
وفي سؤال للرئيس ماكرون عن الظروف التي تساهم في إعادة فتح السفارة الفرنسية في سوريا، وإمكانية التعاون الأمني مع الأجهزة السورية بخصوص محاربة الإرهاب، قال "فعلا قلت مساء الأحد أنه حين يطرح الموضوع سأعلم الجميع به، لكن الظروف غير مواتية اليوم. اليوم أولويتنا هي إطلاق عملية تقود لإفراز سلطة سياسية مستقرة ضمن دولة تتمتع بسلامة جميع أراضيها وهذا غير متوفر حاليا. إذا اليوم لا يمكننا طرح إعادة فتح السفارة في دمشق، وأنا حذر جدا تجاه جميع مشاريع التعاون مع النظام السياسي الذي يتصف بالصفات التي ذكرتها للتو. ولن أتراجع عن إدانة فرنسا للهجمات الكيميائية التي ارتكبها النظام". وتابع "إذا نحن بحاجة لإطلاق عملية سياسية بحضور ممثلين عن بشار الأسد لأنه يمثل النظام القائم من أجل التوصل إلى حل كامل، لكن هذا لا يعني أننا سنسنى كل ما حصل خلال السنوات الماضية، وأعتقد أن هذا لن يغير من طبيعة نظام بشار الأسد والأعمال التي ارتكبها. لكن ما تغير وأقول هذا بوضوح، هو أن الجهود الدبلوماسية التي أطلقها وزير الخارجية هو أننا لم نعد نجعل من إقصاء بشار الأسد شرطا أساسيا للتعاون. لقد أعدنا ترتيب أولوياتنا بحيث أننا قلنا أن اولويتنا الأولى هي محاربة داعش، ومن ثم قمنا بإطلاق مجموعة الاتصال والتي تشكل طريقا يجب أن نبني عليها والذي يبني على عملية جنيف واستانا وسوتشي، ويطلق ديناميكية مهمة بحضور ممثلين عن بشار الأسد ويجب أن نعترف بهم سياسيا، ولكن هذا لا يعني بأن فرنسا ستعيد فتح سفارتها في دمشق وستعيد إطلاق علاقات استراتيجية وأمنية مع النظام، وأن فرنسا ستنسى جرائم استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل نظام بشار الأسد". وتناولت المباحثات آليات تعزيز التعاون وتبادل الخبرات في عدد من القطاعات الحيوية، خصوصا التجارية والعلمية والدفاعية والتنموية منها.
وأعرب جلالته، في هذا السياق، عن تقدير الأردن للمساعدات الاقتصادية التي تقدمها فرنسا للمملكة لتمكينها من تنفيذ برامجها وخططها التنموية، ومساعدتها على تحمل أعباء أزمة اللجوء السوري.
المباحثات تطرقت ايضاً، إلى مجمل القضايا والأزمات في المنطقة، ومساعي التوصل إلى حلول سياسية لها، كما جرى بحث الجهود الإقليمية والدولية في الحرب على الإرهاب، ضمن استراتيجية شمولية.
وحضر المباحثات: وزير الخارجية وشؤون المغتربين، والسفير الأردني في فرنسا، فيما حضرها عن الجانب الفرنسي: وزير أوروبا والشؤون الخارجية، وعدد من كبار المسؤولين، والسفير الفرنسي في عمان.
وكان في مقدمة مستقبلي جلالة الملك عبدالله الثاني لدى وصوله قصر الإليزيه، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.