بلال العبويني
في غمرة التوجس مما يُحضر للقضية الفلسطينية من خطط قد تنتهي بمزيد من التنازل عن حقوق الفلسطينيين التي كفلتها المواثيق الدولية في العودة والتعويض والقدس وخلاف ذلك، ثمة من يقول إن أحدا، قيادات أو أحزابا أو دولا، ليس بمقدوره التفاوض بديلا عن الفلسطينيين أو أن يقرر التنازل عن حق من حقوقهم.
قبل التوقيع على اتفاقية أوسلو العام 1993، كان الحديث في ذات السياق عن أنه ليس بمقدور أحد إلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني أو تقديم تنازلات عن حق الفلسطينيين في العودة إلى الأرض المحتلة عام 1948، أو حقهم في القدس عاصمة أبدية لفلسطين.
بيد أن الذي حصل أن هناك من قرر وفاوض وتنازل دون أن يستأذن الشعب الفلسطيني ودون أن يسأل نفسه إن كان ما يفعله حق مكفول له يخوله في عدم الرجوع إلى الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل أو في الشتات.
منذ العام 1993، لم تقدّم المفاوضات مع الاحتلال شيئا، سوى أنه تحت غطائها توسّع الاحتلال في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، ومع ذلك لم يسأل أحد الشعب الفلسطيني عن رضاه أو عدم رضاه عن سير المفاوضات، وعن مدى أهمية الاستمرار بها رغم اليقين أنها لن تُفضي إلى ما فيه مصلحة للفلسطينيين.
على العموم، الحالة الفلسطينية اليوم أضعف من أن تصمد أمام ما قد يُمارس عليها من ضغوطات للقبول بما يُطرح عليها من خطط أو مشاريع، وذلك بسبب:
أولا: القيادات الفلسطينية اليوم، ليست بتلك القيادات الثورية القادرة على الصمود أمام الضغوطات والتمسك بالثوابت الوطنية، ذلك أنه يحكمها قضايا عدة ليست مرتبطة بالضرورة بالهم الفلسطيني العام.
ثانيا: ليس بيد الفلسطينيين اليوم وسائل ضغط، بعد أن اندثر الفعل المقاوم لدى التنظيمات الفلسطينية.
ثالثا: العمق العربي، بات اليوم أضعف من أن يُمارس ضغوطات على المجتمع الدولي للتمسك بالحق الفلسطيني الذي كفلته المواثيق الدولية، أو بما اتفقوا عليه في العام 2002، فلم يعد غير الأردن يؤكد على ذلك ويتبناه واقعيا وعمليا.
رابعا: لم تعد القضية الفلسطينية، هي القضية الأولى لدى الكثير من دول العرب التي باتت اليوم تحاول جاهدة الخروج سالمة من ما تواجهه من أزمات على صعيدها الداخلي أو الخارجي.
بالتالي، وفي غمرة بحث بعض دول المنطقة عن طوق نجاة مما تواجهه من أزمات؛ فمن الممكن جدا أن تدخل على الخط لممارسة الضغوط على الفلسطينيين للقبول بما هو مطروح أمامهم من مشاريع سياسية.
عند ذلك، لن يكون هناك قيمة للقول إنه ليس من حق أحد التقرير نيابة عن الشعب الفلسطيني، لأن أحدا لم يستأذنهم من قبل، وبالتالي لن يستأذنهم في المستقبل، حالهم في ذلك كحال شعوب المنطقة التي لم يستأذنها أحد فيما تعرضت له من حروب وأزمات.
في الغرب تُرسم الخطط، ومن ثم تُهيأ الظروف المناسبة لتنفيذها، والخشية كلها تكمن في أن يكون ما تتعرض له دول في المنطقة من أزمات هي بمثابة الظروف التي تتهيأ لتمرير مشروع سياسي كبير يأتي على حساب الفلسطينيين بالدرجة الأولى.//