أنس الطراونه
يبدو أن فهم العقد الاجتماعي يتغير في جميع أنحاء العالم. لكن بالنسبة لروسيا، هذه الظاهرة مازالت غير مستقرة . فقد حاولت البلاد تغيير نمط العقد الاجتماعي على مدى أكثر من 1000 سنة من تاريخها . حيث لجأ القادة تقليديا إلى الحكم الاستبدادي للحفاظ على الأمة ، ومن ثم تقديم المؤسسات دورياً ، مثل قوات الشرطة السرية في عهد إيفان الرهيب والقيصر الكسندر الثالث، أو فترة الإصلاحات والتدبير في عهد الكسندر الثاني لتحرير العبيد للحفاظ على النظام .. بعد ذلك بدأت عقود اجتماعية جديدة واحدة تلو الأخرى - الثورة الروسية، والحرب الباردة , وانهيار النظام السوفياتي .
وبحلول أواخر الثمانينيات، استنفدت الحكومة السوفييتية عقدها الاجتماعي. حيث قدم ميخائيل غورباتشوف، الزعيم الأخير للاتحاد السوفياتي، سياسات التحرير من البيريسترويكا و غلاسنوست في محاولة أخيرة للحفاظ على الدولة الضخمة معا، ولكن الإصلاحات أثبتت أنها قليلة جدا في وقت متأخر جدا. ومن ثم انهار الاتحاد السوفيتي.
دخلت روسيا في القرن الحادي والعشرين إنموذجاً جديداً من شأنه أن يوفر لمواطنيها مستوى معيشياً موثوقاً به طالما دفعوا ضرائبهم. فعلى حد وصف البروفيسور "ألكسندر أوزان" العقود الاجتماعية في روسيا قال : "الضرائب هي دفع ثمن السلع الاجتماعية ، ويمكن القول أيضاً إدفع الضرائب وسنأمن لك النوم بشكل جيد , هو شعار نموذجي من عصابة ثابتة تفهم الضرائب كإيجار "
في مرحلة ما، بدأ الناس يسألون ما هي الضرائب التي يحصلون عليها. فالعدالة والأمان اللذان كانا يدفعان نظريا لهما، في نهاية الأمر، هما في الواقع من امتيازات النخبة الاجتماعية والسياسية . بعد ذلك في عام 2008، حصل تطور في الوضع الروسي، ليس فقط اقتصاديا بل أيضا جيوبوليتكلياً , ففي نفس السنة التي ضربت فيها الأزمة المالية العالمية، ذهبت روسيا إلى الحرب مع جمهورية جورجيا المجاورة. حقيقةً كان التوقيت مثاليا. فكانت الولايات المتحدة منشغلة بحروبها الخاصة في العراق وأفغانستان، في حين أن أوروبا - التي تعتمد على صادرات الطاقة الروسية - لم تكن مستعدة لتحدي البلاد في مجال نفوذها التقليدي. وعلى الرغم من أن الصراع استمر فقط بضعة أيام، لكنه كان كافياً لإعادة تأسيس روسيا كقوة عالمية. لكن روسيا لم تكتفي من ذلك بل اضافة بعد سنوات ضم شبه جزيرة القرم لها ، كانت هذه التحركات صدمة لبقية العالم , ومع ذلك، كانت هذه الخطوة خطوة منطقية في استراتيجية روسيا الجديدة الصعبة للتعامل مع النظام الدولي.
حرصاً لضمان استمرار الولاء والوطنية لروسيا ودفع الضرائب , عملت مؤسسة تابعة للدولة استطلاع للرأي اجرته مؤسسة "ليفادا" في ابريل 2001 حيث اتضح أن 53٪ من الروس ادعوا أنهم يفون بالتزاماتهم تجاه الدولة مقابل 39٪ لا يلتزموا بمشاعرهم ووطنيتهم وضرائبهم تجاه روسيا . حديثاً وفي استطلاع للرأي من نفس المؤسسة اجري الشهر الماضي تبين أن 31% يشعرون بأنهم مدينون للدولة ويلتزمون لها " وهي نسبه قليلة جدا مقارنة مع عام 2001" , مقابل 32 % على عكس ذلك .
أظهرت إدارة بوتين أن العقد الاجتماعي لم يعد بمثابة أساس لشرعية الحكومة. وعلاوة على ذلك، فإن إعادة النظر في العقود الاجتماعية في جميع أنحاء العالم تشير إلى أن عدم احترام روسيا للقواعد والاتفاقيات طويلة الأمد قد تنتشر مثل الفيروس لدى الدول . وستصبح قدوة سيئة لبعض حكومات دول العالم في التعامل الاجتماعي مع رعاياها// .