جلالته والرئيس الكازاخستاني يعقدان مباحثات في أستاناالملك: الجائزة اعتراف بجهود جميع الأردنيين الذين يعملون ويبذلون التضحيات في سبيل مستقبل عالمنا المشترك
الملك: آمل أن نمضي معا إلى الأمام نحو آفاق واعدة للسلام والازدهار لشعبينا وللعالم أجمع
الرئيس الكازاخستاني مخاطبا الملك: أنتم بمثابة سفير للسلام في عيون العالم
كازاخستان تعتبر الأردن من الدول الأقرب لها
أستانا - بترا
عقد جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس الكازاخستاني نور سلطان نزارباييف، في العاصمة أستانا أمس الأربعاء، مباحثات ركزت على سبل تعزيز التعاون بين البلدين الصديقين في المجالات كافة، والتطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.
وفي بداية المباحثات التي عقدت في القصر الرئاسي، تسلم جلالة الملك من الرئيس الكازاخستاني، "جائزة نزارباييف الدولية للمساهمة في الأمن ونزع السلاح النووي"، التي تمنح للمرة الأولى، تقديرا لجهود جلالته ومساعيه المستمرة لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
وأعرب جلالته، بعد تسلمه الجائزة، التي ستخصص قيمتها لدعم مدارس الملك عبدالله الثاني للتميز، عن تقديره للرئيس نزارباييف على منحه هذه الجائزة التي تعبر عن القيم المشتركة التي تجمع بين البلدين الصديقين، في العمل من أجل تحقيق السلام في العالم.
وقال جلالته "فخامة الرئيس، اسمحوا لي أن اشكركم على دعوتكم لي لزيارة بلدكم الجميل مجددا وأن أكون بين إخوتي وأصدقائي. لقد غمرتموني فعلا بهذه الجائزة الرائعة، والتي أتشرف بقبولها نيابة عن كل الأردنيين، وأشكركم جزيلا على لطفكم وكلماتكم الطيبة".
وأضاف جلالته "لقد ذكرتم أننا نحتفل بمرور ما يقارب من 25 عاما من العلاقات الأخوية بين شعبينا، ولكني أعتقد أن علاقاتنا تمتد لأكثر من ذلك من خلال الصداقة المميزة التي كانت تجمعكم بجلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال، وهذه علاقة امتدت عبر الأجيال بين بلدينا وأسرتينا".
وقال جلالته "كما أود أن أشير إلى التقدير الكبير، ليس فقط من قبل الأردن ولكن من قبل المجتمع الدولي، للدور الذي تقومون به فخامتكم وبلدكم في القضايا الدولية. فقد أرسيتم مثالا يحتذى في التصدي للتحديات المتعلقة بالقضايا النووية في العالم، وقام بلدكم بجمع العديد من الدول من خلال مبادرات الحوار بين أتباع الأديان، وتفادي النزاعات، بهدف جعل العالم مكانا أفضل".
وتابع جلالة الملك "نحن نقدر عاليا الدور المهم الذي قمتم به وبلدكم لجعل حياتنا جميعا أفضل، ولولا قيادتكم لكان العالم في وضع أصعب بكثير. وكما ذكرتم، فقد وقف بلدكم إلى جانبنا في الأوقات الصعبة. وباسمي، وبالنيابة عن وفدنا وعن شعبنا، أود أن أتقدم بعميق التقدير للدعم الذي قدمتموه للأردن خلال مختلف التحديات التي واجهتنا. ويشرفني حقا أن أكون في بلدكم مرة أخرى لرؤية أخي (الرئيس نزارباييف) وأن أكون في بلدكم الرائع كازاخستان".
بدوره، عبر الرئيس الكازاخستاني عن تقدير بلاده للجهود التي يقوم بها الأردن، بقيادة جلالة الملك، لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
وقال "جلالة الملك، يسعدني أن أرحب بك في كازاخستان. لقد جئت قبيل احتفالنا بمرور 25 عاماً على إنشاء العلاقات الدبلوماسية بين بلدينا".
وأضاف "خلال هذه السنوات جمعتنا شراكة وصداقة مثمرة، وقد عقدنا العديد من الاجتماعات مع بعضنا مؤخراً. وقد دعمنا بعضنا البعض في المنظمات الدولية الكبرى مثل الأمم المتحدة. كما دعم الأردن كازاخستان ومبادراتها على الساحة الدولية".
وقال الرئيس نزارباييف "لقد نمت علاقاتنا الثنائية في مجالات عدة مثل الزراعة والصناعات الدفاعية. ولا بد أيضاً من أن أشير إلى الدور المهم جداً لبلادكم، ليس فقط في المنطقة، بل أيضاً في العالم، بالإضافة إلى دوركم شخصياً في تسوية النزاعات والصراعات المختلفة، وباستمراركم في الدور الذي بدأه والدكم والقضية التي قادها والدكم في السعي لجلب السلام، فأنتم بمثابة سفير للسلام في عيون العالم. وكما تعلمون، فإن كازاخستان تحاول أن تلعب دوراً مماثلاً في الإقليم".
وأضاف "نحن إحدى الدول التي تقود الحركة الدولية ضد التسلح النووي، وكما تعلمون، فقد قمنا بموجب مرسوم رئاسي بإغلاق أحد أكبر مواقع التجارب النووية. وفي التاسع والعشرين من آب نحتفل باليوم الدولي لمناهضة التجارب النووية. وقد دأبنا على استضافة مؤتمر سنوي ضد التسلح النووي في بلدنا. وفي هذا المجال، قمتُ بإطلاق جائزة خاصة للقادة الذين يلعبون دوراً مميزاً في الحركة الدولية لمناهضة الأسلحة النووية".
وقال "إن جلالتكم أول من ينال هذه الجائزة، فاسمحوا لي أن أعلن المرسوم الذي يحتفي بذلك. وهذه الجائزة ترمز إلى أملنا بأن تستمروا بدوركم المهم في حفظ السلام في المنطقة. كما أن بلادكم تلعب دوراً مهماً جداً في محادثات أستانا التي تتعلق بسوريا".
ولفت إلى أنه "في ظل كل ذلك، فقد قررت الهيئة الخاصة (القائمة على الجائزة) أن تمنحكم الجائزة. ويشرفني أن أسلمكم إياها، فلتتفضلوا هذه الميدالية الذهبية، والجائزة، وبراءتها. أهنئكم، وأتمنى لكم المزيد من النجاح".
وتناولت المباحثات، التي تخللها غداء عمل أقامه الرئيس الكازاخستاني تكريما لجلالة الملك والوفد المرافق، فرص توسيع آفاق التعاون الاقتصادي والعسكري بين البلدين، وزيادة حجم التبادل التجاري بينهما، خصوصا في مجالات الزراعة والطاقة والنقل وصناعة الأدوية وتكنولوجيا المعلومات.
وتم التأكيد على أهمية تبادل الزيارات بين المسؤولين في القطاعين العام والخاص لاستكشاف الفرص الاستثمارية في البلدين، خصوصا في ظل ما يتمتع به الأردن من بيئة استثمارية جاذبة واتفاقيات التجارة الحرة التي تربطه مع العديد من الدول.
والمباحثات ركزت أيضا على أهمية مواصلة العمل معا لإبراز الصورة الحقيقية والسمحة للإسلام ونشر قيم التسامح والاعتدال، وكذلك استفادة كازاخستان من خبرات الأردن في مجال تدريب أئمة المساجد.
وشهد جلالة الملك والرئيس نزارباييف توقيع خمس اتفاقيات بين البلدين، والتي تهدف إلى تعزيز التعاون وتبادل الخبرات بينهما في المجالات القانونية.
ووقع الاتفاقيات وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، ووزير الخارجية الكازاخستاني خيرات عبدالرحمانوف، ومدعي عام جمهورية كازاخستان جاكيب آسانوف.
وفي تصريحات مشتركة للصحفيين عقب المباحثات، أكد جلالة الملك متانة علاقات الصداقة والشراكة التي تجمع بين الأردن وكازاخستان، والحرص على البناء عليها وتعزيزها.
وتاليا نص تصريحات جلالة الملك:
"فخامة الرئيس،
شكرا جزيلاً لكم على هذا الترحيب الحار، والذي تحيطونا به دائما وبمشاعركم الطيبة اتجاه شعبنا. إنه لمن دواعي سروري دائما أن أزور بلدكم الرائع.
يشرفني، وبكل تواضع وامتنان، أن أكون أول من ينال جائزتكم الدولية للمساهمة في الأمن ونزع السلاح النووي. إنها اعتراف بجهود جميع الأردنيين، الذين يعملون ويبذلون التضحيات في سبيل مستقبل عالمنا المشترك.
وتعبّر هذه الجائزة، بنظري، عن الأمل والحس بالمسؤولية. الأمل بأن البشرية ستتمكن من تجنب الدمار المروع الذي تجلبه الحرب النووية، وبأننا سنتمكن من تحقيق أمن دائم في ظل سلام وازدهار عالميين. والحس بالمسؤولية الذي يدفعنا للتصرف بحزم وشجاعة وللعمل سوياً لتوفير الظروف الداعمة للسلام.
إن ارتباط هذه الجائزة باسمكم، أخي العزيز، يزيد من رمزيتها، فلطالما ناديت برؤية عالمية للقضايا الدولية الملحّة التي نواجهها.
لقد غدت كازاخستان في مقدمة الدول التي تدعو إلى العيش المشترك والتعاون العالميين. فبلادكم هي أول دولة من آسيا الوسطى تحصل على مقعد في مجلس الأمن. وفي مجال نزع الأسلحة النووية، قدمت كازاخستان مثالاً يحتذى لكل الدول، إذ مثَّل قرار التخلي عن ترسانتها النووية عام 1991 باكورة قراراتها كجمهورية مستقلة. ويستمر دور بلادكم القيادي اليوم من خلال تأسيس صرح مهم مؤخرا، وهو بنك دولي لليورانيوم المنخفض التخصيب بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
أخي العزيز، فخامة الرئيس، لقد تشرفتُ بالعمل معكم في مجالات مختلفة، مثل نزع السلاح النووي، وتحقيق الأمن في مواجهة خطر الإرهاب، وإرساء الشراكة الاقتصادية الثنائية بين بلدينا، بالإضافة إلى التشجيع على الحوار بين أتباع الأديان والعيش المشترك والوئام.
ومما لا شك فيه، أن بناء مستقبل مشترك، ينعم الجميع فيه بالرفاهية، يتطلب جهوداً على عدة صعد. كما أن الدعم المتبادل بات أمراً حيوياً؛ إذ ليس بوسع أي دولة أن تدّعي أن الأسلحة النووية، أو الإرهاب العالمي، أو أزمة اللاجئين في المنطقة هي مشاكل تخص دولة واحدة دون غيرها. فالأزمات الاقتصادية العالمية والتحديات البيئية لا تتوقف عند حدود الدول. هذه مسائل تعنينا جميعاً ومن مصلحتنا أن نقوم بمعالجتها، كما أن لجميعنا حقاً ودوراً في تحديد الاتجاه الذي يسلكه عالمنا.
وأكثر ما ينطبق هذا الواقع على قضية الشرق الأوسط المحورية: القضية الفلسطينية. فالجميع معنيون بحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي استناداً إلى حل الدولتين. إن إنهاء هذا الصراع شرط أساسي لتحقيق السلام في المنطقة والعالم، وهو ضروري لمحاربة المتطرفين، حيث سيقطع الطريق أمام محاولاتهم لاستغلال هذا الصراع في خدمة أجنداتهم الظلامية.
إن مشاكل الإرهاب والتطرف ليست مقتصرة على منطقتنا وحسب، وغياب الحلول السياسية التي تُشرك جميع الأطراف والمكونات لن يخدم إلا المجموعات الإرهابية التي تهدد الأمن العالمي.
وفي هذا السياق، فإن الوصول إلى حل سياسي في سوريا هو أمر حيوي لضمان أمن واستقرار المنطقة. ويدعم الأردن جميع جهود خفض التصعيد في الصراع السوري، والتي من شأنها أن توفر أرضية صلبة لنجاح مسار جنيف، ويتصل بهذه الجهود ما تبذله كازاخستان مشكورة في استضافتها محادثات أستانا.
فخامة الرئيس، تمتد علاقات الصداقة بين الأردن وكازاخستان، كما أشرتم، إلى أكثر من ربع قرن، ونحن حريصون على البناء على هذه الروابط على امتداد السنوات القادمة. وقد كانت اجتماعاتنا هنا اليوم خطوة أخرى لتعزيز تعاوننا والنهوض بشراكتنا إلى مستويات جديدة.
آمل أن نمضي إلى الأمام معاً نحو آفاق واعدة للسلام والازدهار لشعبينا وللعالم أجمع. زيارتي هنا اليوم لبلدكم العظيم، الذي يقع في قلب قارتكم ويشكل حلقة وصل بين الشرق والغرب، هي فرصة لاستشراف مستقبلٍ حافلٍ بالعزيمة والإيجابية والإنجازات.
مجددا فخامة الرئيس، وباسمي وبالنيابة عن الوفد المرافق وباسم الشعب الأردني أشكركم جزيل الشكر على ما تقدمه كازاخستان للمجتمع الدولي، وعلى ما تبذلونه لدعم الأردن في وجه التحديات الصعبة، وعلى الأمل الذي تمدونا به لحل القضايا العالقة.
وآمل فخامة الرئيس أن أراكم مجددا في بلدنا، الأردن، لنرد لكم بعضا من كرم ضيافتكم التي تحيطونا بها. وإنني على يقين بأن النقاشات التي جمعتنا اليوم، وكما أشرتم، سوف ترتقي بالعلاقات بين الأردن وكازاخستان إلى مستويات جديدة من التعاون المشترك والصداقة والثقة.
بدوره، رحب الرئيس الكازاخستاني نور سلطان نزارباييف، خلال التصريحات الصحفية المشتركة، بزيارة جلالة الملك إلى أستانا، وتبادل الآراء مع جلالته حول مختلف القضايا الإقليمية والدولية.