د. خالد الوزني يكتب:العملة الرقمية والمضاربات المُشَفَّرة
- تاريخ النشر :
Friday - am 10:30 | 2024-07-12
الأنباط - يحتاج علم الاقتصاد إلى أربع خصائص لكي يُصبغ على أيِّ مادة صفة النقود أو «العُملة»، وهي أن تكون وسيطًا موثوقًا للتبادل الآني والآجل؛ أي للشراء الحالي والمستقبلي، ومقياسًا للقيمة، ومخزنًا للقِيَم، ووسيلة للادخار. وتأخذ العملات قوَّتها ومنعتها من قوَّة ومنعة الجهة المُصدِّرة لها، وهي في هذه الحالة البنك المركزي، أو الفيدرالي، الذي يُفترَض فيه الاستقلال التام عن تقلُّبات السياسة في الدولة التي يعمل فيها، وله القدرة على حماية العملة الوطنية أمام التقلُّبات المتوقَّعة وغير المتوقَّعة، عبر آلية سعر الصرف التي يعتمدها، والسعر الذي يربط أو يُقيِّم به العملة الوطنية إلى العملات الدولية، وخاصة الدولار في وقتنا الحاضر. هذه المقدمة جاءت لتقول: إنَّ ما يمكن نعته بالعملة، أو بالنقود، لا يمكن أن تكون وظيفته الرئيسة المضارَبة وتحقيق الأرباح، ضمن فقاعات غير عقلانية أو منطقية. وفي الوقت الذي تتحوَّل فيه أيُّ عملة عن مسارها، وتصبح مجالًا للمضاربات المالية في الأسواق غير الحقيقية، فإنها تكون عرضةً للتقلُّبات والاهتزازات، وحتى خسران القيمة والثقة بها بشكل كبير. الشاهد ممّا سبق أنَّ الحديث يكثر بين الوقت والآخر حول ما يُسمّى «العملات المُشَفَّرة» التي باتت تستحوذ، حسب بعض التقارير، على كتلة نقدية تتجاوز ما قيمته 2.4 تريليون دولار، تستحوذ منها عملة واحدة، هي البتكوين، على نحو 64 مليار دولار. وقد وصل سعر الأخيرة في وقتٍ ما هذا الشهر إلى نحو 64 ألف دولار للوحدة الواحدة. وهي كتلة وهمية لا يعرف كثيرٌ مِنّا مصدرها، أو مقوّماتها، أو مستوى الحماية القانونية لحاملها. ولعلَّ من المفيد هنا الإشارة إلى ضرورة عدم الخلط بين العملات الرقمية، التي تُصدرها البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم وتحفظ حقوقها القانونية، حيث إنَّ نحو 98 % من دول العالم اليوم لديها عملات رقمية، وهي ضمن الكتلة النقدية في الدول التي تصدرها؛ ولذا فهي تخضع لسياسات البنوك المركزية التي تسعى إلى استقرار العملات الوطنية، وتطوير عمليات التبادل التجاري الحقيقي داخل الدولة وخارجها، ما يترتَّب عليه ضبط أحجام تلك النقود، وضمان استقرار قيمتها، وبين ما يُسمّى «العملات المُشفرة»، التي لا تتجاوز كونها «مضاربات مُشفرة» سينتهي بها الأمر يومًا ما إلى فقاعة كبيرة قد تذهب بادخارات كثيرٍ من المضاربين، ولن تختلف عن البورصات الوهمية التي شهدتها بعض الدول، ولا عن المأساة الائتمانية التي شهدها العالم في سوق العقار الوهمي، وأفضت إلى الأزمة المالية في عام 2008. المضاربات المُشَفَّرة فقّاعة قادمة، من يُرِد التعامل بها فعليه دومًا أن يكون على استعداد لتحمُّل مخاطرها الكبيرة التي قد تظهر في أيِّ وقت، بل في أيِّ لحظة.