محليات

بين السياسة والإعلام.. تعيش قوى "الظل الخفية" .. و"التزكية" معيار أساس عملها

{clean_title}
الأنباط -
الانباط - خليل النظامي
منذ أسابيع عدة، وأنا أتقصى تفاصيل تاريخ نشأة العديد من الشخصيات السياسية والإعلامية في الأردن، خاصة اولئك الذين يتصدرون المشاهد في الساحات العامة، ومربعات الرأي العام، ونراهم عبر الشاشات ونسمع أصواتهم عبر مكبرات الإذاعات، ونقرأ هرطقاتهم في ناصيات الصفحات الأولى من الصحف والمجلات المحلية والعربية.

والإختيار في هذه القراءة التحليلية وقع على "السياسي والإعلامي"، نظرا لأن أعظم رجالات التاريخ السياسي والإعلامي في العالم من الفئة البشرية التي صنعت نفسها بنفسها، وأفشلهم من الفئة التي كانت صنيعة "الغموض"، والعظماء سياسيا وإعلاميا أنتجوا معارف وعلوم وفكر وإستراتيجيات صنعت دولا وشعوبا، وإرتقت بهما الى أعلى الرتب السياسية والاجتماعية في العالم، في وقت هدمت فيه منتجات صناعة الماكنات "الغامضة" دولا وفرقت شعوبا وأضعفتها وجعلتها في ذيل قائمة الدول والشعوب في العالم.

اللافت بـ الأمر، أن عملية التقصي خاصتي خلصت لنتائج عدة، تتناقض بمضامينها الى حد كبير مع الصورة الذهنية التي بنيت في أذهان المواطنين والجماهير حول القيمة المعرفية والعلمية والسياسية والإعلامية التي هم عليها.
وعلى سبيل المثال لا الحصر ؛ وجدت أن الكثير من رجالات السياسة "المحنكين" بغض النظر عن جيلهم السياسي، مروا بمراحل صناعة مخطط لها من قوى أسميتها بـ "قوى الظل الخفية"، مذ كانوا شبابا يافعين مفرغين من كل فكر وعلم معرفة، ليس في تاريخهم السياسي أي نضالات أو حراكات أو حتى نشاطات اجتماعية تذكر كـ "غاندي أو جيفارا أو لينين" وغيرهم، وشرارة إنطلاقتهم كانت من خلال ثقافة عفنة يطلق عليه "التزكية".

هذه الثقافة العفنة "التزكية"، لحقها ما لم يكن في حساباتهم الخاصة، بدء بـ منح دراسية في كبار الجامعات والمعاهد العلمية في العالم، وحملات إعلامية شخصية عبر الشاشات والإذاعات وفي الصحف المتنوعة، وزيارات ومقابلات لكبار الشخصيات المحلية والعربية والأجنبية في أوكار السفارات والمنتديات، علاوة على مقالات يكتبها بكل إحتراف سياسي، كتبة (السيستم العتيق) وتنشر بأسماءهم، وطبعا لن أحدثكم عن الفرص الوظيفية التي منحت لهم على أطباق من الذهب الخالص، تنقلوا بينها بدون تخصصية بكل راحة وسلاسة، ومميزات مالية ولوجستية وفنية، وصولا الى بناء صورة نمطية في أذهان المواطنين باطنها لا يمت لظاهرها بصلة عنهم بهدف إحقاق الثقة الجماهيرية.

المضحك في ما وصلت إليه ؛ الماكنة الغريبة العجيبة التي صنعت الكثير من رجالات الإعلام التي وبحسب رأي الخاص ليس لها أصل وفصل ونسب، حتى بت أعتقد في ذهني أنها ماكنة لقيطة وجدها أحد رجالات "قوى الظل الخفية" في أحد مكبات نفايات التاريخ الإعلامي السيريالي.

ماكنة إنتاج وتفريخ صممت وفقا لـ أهواء وأمزجة خاصة يتحلى بها رجالات "قوى الظل الخفية"، بعيدا عن مساند الأصول العلمية، والمعايير والأسس الفكرية والمهنية المتعارف عليها منذ نشأة الكوكب.

وبـ العودة لـ الأصول وجدت ؛ أن الكثير من منتجات هذه الماكنة ممن تصدروا المشهد الإعلامي عبر الحقب الزمنية السابقة لديهم تاريخ حافل بالفساد المالي والإداري والاجتماعي، وبنظرة عابرة على سجلات بعضهم في أروقة المحاكم تجد قضايا متنوعة ومتعددة لا مروءة المقاتلين فيها، بـ الرغم من أن الماكنة استقطبتهم من "الزقق" والاوكار الفاسدة وأجرت لهم عمليات غسيل و"دراي كلين" بأنواع فاخرة من مساحيق التنظيف، وجففتهم بـ أشعة الشمس الدافئة كـ مستشارين في مكاتب فخمة بـ الطوابق العليا للكثير من المؤسسات الهامة والرفيعة، ومنحتهم فضاءات بثية عبر الشاشات الكبيرة، وملكتهم "مايكرفونات" أفضل الإذاعات المسموعة، وخصصت لهم أماكن مرموقة في الوسائل الإعلامية المطبوعة والرقمية، إلاّ أن "الطبع غلب التطبع" بالنهاية.

اللافت بـ المشهد ؛ أن الحقب الزمنية التي صنعت فيها الكثير من رجالات السياسة ووكلت لهم المهام، تزامن معها والى حد كبير الحقبة الزمنية التي بدأت الماكنة الإعلامية رديئة الصناعة بانتاج وتفريخ الكثير من رجالات الإعلام وتصديرهم الى الساحات العامة، وهذا توافق ممنهج الى حد لافت لأهل التحليل والعلم التفسيري العميق.
التزامن هذا ؛ عمل على تسهيل مهمة السيطرة على مفصلين من اهم المفاصل التي ترتكز عليها عملية بناء الدول وهما ؛ "السياسة والإعلام"، وصنع توافقا وإنسجاما شبه كامل بين الكثير من رجالات الإعلام ورجالات السياسة، الامر الذي سهل عملية السيطرة شبة الكاملة على أذهان السواد الأعظم من الجماهير وسلوكياتهم، وتوجيههم بـ الشكل الذي يخدم مصلحة "القوى الخفية" سابقة الذكر.

التوافق الذي وصلت إليه هذا بين رجالات السياسة والإعلام ؛ تفسير منطقي وإثبات مادي على وجود "قوى ظل خفية" تعيش في الظلام، ومن غير الممكن لها وأتباعها الظهور والعمل بكل جرأة في حضرة النور من جهة، ويشير من جهة أخرى الى أن الأهداف التي تحاول تحقيقها على الساحة الأردنية أهداف متوسطة وبعيدة المدى على الصعيد الإستراتيجي وليس من السهل إكتشافها، ولا تخدم الأردن والأردنيين، بل أهداف مسمومة تعيش في الظل والظلام كما يعيشون.

وأبرز الدلائل على إثبات نظريتي هذه، التزامن في الصناعة، والتوافق والإنسجام الذي نشهده بين الكثير من رجالات السياسية والإعلام في غالب الأحيان، مع العلم أن التاريخ السياسي والإعلامي والإتصالي في جميع دول العالم، أثبت أن علاقة السياسة بالإعلام علاقة تنافر وتناقض وتعارض، لا علاقة توافق وإنسجام، نظرا لكون التنافر ينتج عنه ما يخدم المصلحة العامة ويحقق العدالة، في وقت لا ينتج عن التوافق سوى الفساد.
تابعو الأنباط على google news
 
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الأنباط © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الأنباط )