الأنباط - كريستين حنا نصر
تعتبر السلطة الرابعة بكافة مكوناتها الاعلامية وأشكالها المتعددة من المرئي والمسموع، ولأهميتها البالغة في نقل الأخبار والاحداث ركيزة مهمة في دعم وتطور المجتمعات الديمقراطية المعاصرة في العالم بما فيها بلداننا العربية المليئة بالاحداث المهمة المتصلة بالصراعات الجارية في وقتنا الحاضر، وابرز ملامح العمل الاعلامي هو مدى العناية بمؤشر الحرية الصحفية وحرفيتها في نقل الخبر، بالتزامن مع ضرورة حرية الصحفي وأمنه عند نقله حقيقة الخبر وعدم تعرضه للمضايقات والاعتقال، ومن المؤسف أننا أصبحنا نلاحظ اليوم واثناء نقل الاخبار من مناطق الصراعات والاقتتال تعرض عدد من الصحفيين للقتل في ميدان عمله الاعلامي الخطير.
ومن المهم في مجال العمل الاعلامي على اختلافه، هو مدى وجود الحرية بنقل الخبر والذي ينبغي أن يلتزم ناقله بالمصداقية العالية، ومن المهم أيضاً العمل في نطاق المحافظة على اخلاقيات وأدبيات المهنة، بما في ذلك الالتزام باللغة والخطاب المتزن البعيدة عن المغالطات والتعدي اللفظي وتحديداً أثناء نقل المعلومة، التي يفترض أن تكون معلومة دقيقة صحيحة غير مفبركة أو مطموسة الحقائق والوقائع، وهذه الخصوصية مطلوبة بشكل أكبر في وقتنا هذا الذي نشهد خلاله تطورات محلية ودولية متسارعة تشهد صراعات متعددة.
وفي بلداننا العربية تحديداً يوجد هناك وجه آخر غير رسمي للسلطة الرابعة، هو المواطن القارىء للخبر والتعليقات التي يكتبها ويدرجها في مواقع التواصل الاجتماعي، اضافة للتعليقات التي يحررها على مقالات الصحفيين، وهنا تجدر الاشارة الا انه للاسف في بعض الاحيان يلمس القارىء حالة واضحة من الكتابة غير الاخلاقية، بما فيها من شتم واساءة متعددة الاشكال، لذا ينبغي حتماً وجود الية قانونية ومحاسبة عبر القنوات التشريعية وبموجب قانون صارم يكون ملزم ومنفذ عملياً لمحاسبة المعتدين، خاصة أننا اصبحنا نشهد ونطالع اساءة متعمدة لبعض الكتّاب والشخصيات المعروفة، ولاشك أن هذه الحالات سببها غياب أدب احترام الراي الاخر وتجاوز جميع الخطوط الحمراء، وعدم الوعي العميق بمفهوم الديمقراطية في الاعلام.
تتميز السلطة الرابعة في العالم والدول العربية بوجود صحافة جيدة، تتصف بالمصداقية في الاعلام ودقة في رصدها لحقيقة الحدث، ويمكننا ملاحظتها بعدد من المحطات الاخبارية وصفحات التواصل الاجتماعي الرصينة، وبالرغم من ذلك فانه وللاسف يوجد الآن أيضاً صحافة ومحطات اخبارية ومواقع تواصل اجتماعي تفتقد المصداقية ومهمتها على ما يبدو تشويه الخبر، وذلك لأسباب متعددة منها شراء الذمم والسعي لتحقيق المصالح الشخصية بما فيها المادية، وهذه المنابر الاعلامية أصبحت تمتهن التعدي على الاخرين، نلمح خطورتها بالتجاوزات والمشاهد الاعلامية الخطيرة التي يسعى أصحابها نحو شرخ المجتمعات وبث الفتن بمهاجمتهم للرموز الدينية الاسلامية والمسيحية، خاصة ما يتعلق بالاساءة للرسل عليهم السلام، بقصد احداث فتنة وشرخ عميق بين الديانات، تدفع نحو احداث قلاقل وحروب بين الشعوب الشرقية والغربية، وهذه الاساءة للاسف تسبب التشويه وتعكير الصفو على الحكومات الغربية التي تقدم مساعدات مختلفة بقصد دعم الدول العربية، والاخطر من ذلك المس المباشر بالوحدة الوطنية في بلدان الشرق العربي، علماً بأن تاريخ هذه البلدان شهد حالة تاريخية من التكاتف الاخوي بين المكونات الدينية المختلفة وعبر التاريخ لصد الغزوات والمعتدين على البلدان العربية.
ان هناك قوة للسلطة الرابعة تتمثل في التدخل المباشر في سياسات الدول مثل تسليط الاعلام الضوء على قضايا مهمة تخص الدول، كما يشارك الاعلام ويساهم في الترويج لشخصيات محددة ويساعد في تعيينهم في المناصب، مقابل مصالح متبادلة ضيقة، وفي فترة الربيع العربي لعب الاعلام بصورة مفصلية في نجاح الثورات وتزييف الحقائق لتضليل الراي العام، بل بلغ الحد المساهمة في اسقاط بعض الانظمة الحاكمة اعلاميا قبل سقوطها عمليا في بعض البلدان العربية، وللاسف اصبحت الكثير من المنابر الاعلامية طابور خامس ينفذ انقلاب اجتماعي وبشكل اخطر له مشاركة عملية في الانقلابات العسكرية، حيث يعمد هذا الطابور الاعلامي نحو التركيز على قضايا فيها مغالطات من شانها اثارة الفتن بين مواطني المجتمع والسلطة الحاكمة في الدولة، حيث يسعى هذا الطابور الاعلامي الى تشويه المنجزات الوطنية وطمس المهارات التي تمتلكها الادارة المحلية، ولمواجهة ظاهرة التجاوزات والسلبيات الاعلامية وكنموذج فقد قام الاردن مؤخرا بسن قانون الجرائم الالكترونية والذي ساهم الى حد واضح في ضبط الممارسة الاعلامية وحصرها بطرح الحقائق الموضوعية على الراي العام المتلقي للاخبار والوقائع.
وأخيراً اتمنى ان يكون العام الجديد وما يليه من اعوام، شاهداً على اعلام موضوعي يعمل بمصداقية ويمتلك منتسبيه مهارات واخلاقيات المهنة، كما اتطلع ان يكون هناك قوانين حازمة تحمي الاعلام وارواح الاعلاميين، كما تدفع عنهم أي هيمنة تؤثر على عملهم المقدس.