الأنباط - د. محمد يوسف حسن بزبز
رئيس قسم الإعلام للواء الجامعة
سفير جائزة الملكة رانيا العبدالله للتميز التربوي
يعد الحب شعور نفسي وإحساس قلبي وانبعاث وجداني ينجذب به قلب المحب تجاه محبوبه بحماسة، وهو عاطفة وبِشر، وهو من المشاعر الفطرية المتأصلة في كيان الإنسان لا انفكاك منه ولا غنى عنه، ولولا الحب لَما اندفع أبناء الحياة في الحياة لتحقيق غاياتهم، ولَما بنوا في عصور التاريخ أمجادًا ولا حضارة، ولَما حققوا في عالم الواقع كيانًا ولا عزّة، وبالاختصار لولا ظاهرة الحب لما كان في الكون حركة ولا إبداع، ولا عمران ولا مدينة. فظاهرة الحب عامل أساسي في استمرار الوجود البشري والتعارف الإنساني، والاستفادة من حضارة الأمم ، والتعرّف إلى حقائق العلم في الكون والحياة والإنسان، وأن ظاهرة الحب من أقوى الروابط في تماسك الأسرة ووحدة المجتمع، وتآلف أبناء الحياة، ورفع الرحمة والمودّة والمحبة في أنحاء المعمورة، وأن ظاهرة المحبّة الإيمانية إن خالطت بشاشتها القلوب فإنها تصنع العجائب، وتحوّل مجرى التاريخ، وتشيّد في العالم صرح العزة والكرامة، وتقيم في العالمين دولة كبرى لا تغيب عنها الشمس.
فالقيادة بالحب هي الإدارة التي تشبه فطرة الأمومة، والتي تركز على أهمية تعزيز الأبعاد الاجتماعية والقيم الثقافية للمؤسسات من أجل صيانة رأس المال الاجتماعي، إذ تنبثق من حب العاملين، وحب القائد لنفسه، وحب المنظمة، وحب العملاء، وحب المجتمع. إن القيادة بالحب تمثّل النمط القيادي المنشود والمنتظر في جميع المؤسسات التربوية التي تحمل راية التغيير والتطوير بُغية إصلاح وتطوير باقي المؤسسات في المجتمع .إن جوهر القيادة بالحب ما هو إلا العطاء المستمر غير المشروط، والذي يشبه عطاء الأم الحنون التي لا تكلّ ولا تمل من العطاء لأطفالها من نعومة أظافرهم حتى المشيب من دون أن تأمل بالمقابل منهم. إن ّالقائد المحب الذي يمارس قيادته بالحب لا يتوقف عن العطاء والدعم للعاملين لديهم فيكسب حبهم وثقتهم وولائهم وطاقاتهم ، كما أن القائد الرائد هو من يستطيع أن يضبط إيقاع الحب في منظمته، ويترجمه إلى سلوك أخلاقي ليصبح قدوة حقيقية يحتذى به في منظمته ومجتمعه ، كما أن القيادة بالحب تشبه الأمومة لأنها لا تخلو من المرارة والألم، ولكن نبل الرسالة وعظمة النتائج تدفعان الأم إلى المزيد من التضحية وإنكار الذات دون يأس أو كلل. ورغم أن الأم تفيض بالدفء والعاطفة، إلا أنّ فطرة الأمومة تمتلئ بالحكمة والعدل والمساواة، فهي تقيم توازنًا دقيقًا بين العقل والعاطفة، لأن هذا التوازن هو السبيل الوحيد لترشيد القرارات، والأم لا تبخل على أبنائها بالمعرفة والتعليم المستمر، وهي أكثر استعدادًا من الأب للاعتراف بأخطائها، وإدراك نقاط ضعفها، ويؤدي هذا السلوك إلى تطوير الذات، وتفويض السلطات، وتكوين فرق العمل، وإعداد قيادات الصف الثاني. كما أن عطاء الأمومة لا ينتظر مقابلاً، فكل ما تريد الأم هو إعداد أولادها لدور مستقبلي ناجح، حتى وإن فاتهم تقدير دورها. فحب الأم غير مشروط وعطاؤها غير محدود، ولهذا يعد ضعف الأمومة قوة. فالحب الذي يملأ قلب الأم، والرعاية التي لا تملّ من تقديمها لأبنائها، والعطاء الذي توفّره لهم بلا حدود ما هي إلا قوة متدفّقة تصل إلى حد التضحية.
إن اتباع القادة للحب في حياتهم ومؤسساتهم ضروري جدًا، ففشل المؤسسات لا يعود إلى فشل مناهجها أو عدم مصداقيتها، بل يعود لافتقار قيادة هذه المؤسسات لمشاعر الحب والأمومة، فالحب هو سحر الأمومة والقيادة فطرة الأمومة التي تخضع لنفس السحر، والحب هو العصا السحرية للقيادة وهو المسؤول عن نجاح المؤسسات ، إذ يمكن للقائد اتباعها لتحقيق القيادة بالحب في مؤسسته، إذ يكمُن حب القائد لمنظمته من خلال التعامل معها بمثابة تعامله مع بيته، ويترجم ذلك الحب إلى سلوك أخلاقي يرقى بأداء المنظمة ، كمعرفته التّامة برسالتها، وفهمه العميق لرؤيتها، وإيمانه المطلق بأهدافها وقيمها، ومشاركة العاملين في هذا الحب حتى يتولد لديهم التزامًا قويًا بأداء رسالة المنظمة وتحقيق أهدافها على الوجه الأكمل. ولتحقيق القيادة بالحب أيضًا ؛ كحب العاملين برعايتهم واحترامهم، ومساعدتهم على الكشف عن مقدراتهم وتنمية مهاراتهم وتمكينهم من إطلاق كامل طاقاتهم؛ لتأكيد ثقتهم بأنفسهم وحبهم واحترامهم لذاتهم. فجوهر رسالة القيادة بالحب هو العطاء الذي يرتقي بالعاملين ويرتفع بأدائهم ويهذّب سلوكهم ويزيد تفاعلهم ، وطالما أن الحب غير مشروط والعطاء غير مؤقت والنمو غير محدود، فإن القيادة بالحب هي طريق للإبداع والابتكار، والإحساس المتوازن؛ لأن القائد لا يميّز بين موظف وآخر، ولأن الحب المتوازن هو المصلحة العامة، والمصلحة العامة بالنسبة للقائد المحب هي قول وفعل وليست شعارًا لفرض سياسات أو تبرير نتائج .
وفي الختام، إن إعداد القادة المتمكنين من مهارات وقيم الإدارة بالحب وفطرة الأمومة، والذين يمتلكون المقدرة على تحويل المناخ التنظيمي إلى صورة مطابقة لقيم ومعتقدات نظرية القيادة بالحب، لإحداث التغيير المنشود في ثقافة مؤسساتهم، ذلك أنّ القيادة بالحب تقوم بتحفيز العاملين من أجل الابتكار والإبداع من خلال معرفة مهاراتهم ومقدراتهم وإشراكهم في وضع النتاجات المشتركة. لقد أصبحت حاجة المؤسسات التربوية للإبداعات الإدارية متطلبًا إجباريًا للحصول على التميّز في الأداء، والمحافظة على الاستمرارية والبقاء، خاصة في ظل التسارعات والتطورات في كافة المجالات، مما يتطلب من المؤسسات التكيف مع هذه المستجدات للبقاء في ظل هذه البيئة التنافسية، من خلال إيجاد القائد الذي يؤمن بضرورة التغيير، فالقيادة التربوية المحبة ذات الرؤية الواضحة هي الأساس لنجاح أي عمل.
د. محمد يوسف حسن بزبز
رئيس قسم الإعلام للواء الجامعة
سفير جائزة الملكة رانيا العبدالله للتميز التربوي