د.منذر حوارات
تشير التقارير إلى أن جيش الاحتلال يستخدم نظام ذكاء اصطناعي يسمى (حبسورا) بالعبرية أو الإنجيل لاختيار الأهداف في الحرب على غزة، وبحسب صحيفة الجارديان واستناداً الى مصدر عسكري إسرائيلي فإن قوات الاحتلال نفذت 10 آلاف غارة جوية على غزة منذ السابع من اكتوبر وهاجمت 15000 هدف خلال الايام الـ35 الأولى من الحرب مقارنة مع 5000 الى 6000 خلال 51 يوماً مما أطلق عليها عملية الجرف الصامد في العام 2014، طبعًا تستطيع هذه التقنية المتطورة إنتاج 100 هدف في اليوم بدل من 50 هدفا في العام حسب رئيس سابق لجيش الاحتلال.
هذا هو متن الخبر لكن السؤال الذي يطرح نفسه لأي غاية كل هذا الذكاء؟ هل لأجل اقتناص عناصر حماس بدقة والتقليل من الإصابات المدنية كما تدعي اسرائيل؟ إذا كان هذا هو السبب فالنتائج على الارض تشير الى عكس ذلك تماماً فمعظم المُعلن عنهم من الضحايا هم من المدنيين بالذات الأطفال والنساء وهؤلاء بلغت نسبتهم 70 % من عدد الضحايا الذي بلغ في حينها 15 ألفا، هذا يعني أن الأهداف التي يفترض أنها 15 ألف عنصر من حماس كانت في جُلها اطفال ونساء وكبار سن، وهذا يؤكد أن هذه المنظومة الذكية ليست كذلك بالنسبة للهدف المُعلن أما إذا اخذنا الهدف الإستراتيجي المختفي وراء ستائر هذه الحرب وهو ابادة الفلسطينيين فبدون شك هو شديد الذكاء، فإسرائيل مستعدة لاستخدام كل الوسائل الغبية منها والذكية لتحقيق استراتيجيتها الكبرى وهي إبادة او تهجير الفلسطينيين، فكل روح أو جسد فلسطيني منفي أو ميت هو هدف استراتيجي لإسرائيل، لذلك فإن نظام (حبسورا) لم يكن قصده الوحيد الأهداف العسكرية بل إني أكاد أجزم بأن الاهداف المدنية هي الغاية والمنتهى، وإلا كيف يمكن تفسير تدمير 100 الف مبنى وتدمير كل هذه البنى التحتية والمستشفيات وغيرها اذا كان هذا النظام يتمتع بكل هذا الذكاء؟
وإذا ما اخذنا نظرة موسعة للحدث ككل نجد أن إسرائيل استخدمت
الذكاء الاصطناعي في ترويج روايتها على حساب الرواية الفلسطينية وبالتالي الحق
الفلسطيني، فمنذ اليوم الأول تحالفت مع مروجي المحتوى العالمي ومواقع التواصل
الاجتماعي بحذف أي محتوى يمكن ان يدلل على الجرائم الإسرائيلية، فقامت هذه بحذف اي
صورة او حساب أو حتى كلمة يمكن أن تعبر عن التعاطف مع الفلسطينيين حتى أن اسم غزة
او فلسطين أو حتى التعابير الدارجة لدى العرب أصبحت محظورة وتلتقطها الخوارزميات
فور ظهورها، بينما تمتعت الرواية الإسرائيلية بكامل الحرية وبمساحة غير محدودة
لترويج محتواها ونشره للعالم، وعلى الطرف الآخر كان يمكن للصحافة التقليدية
العتيدة أن تلعب الدور المنوط بها لإظهار الحقائق على الأرض، لكن هذا لم يحصل ليس
بسبب التواطؤ فقط بل لأن سلطات الاحتلال منعت مراسلي الصحف الكبرى العالمية حفاظاً
على سلامتهم كما تدعي وهي بالتالي ابقتهم أسرى لروايتها التي كانوا مضطرين في كثير
من الأحيان لترويجها، حتى وإن تسنى لهم الحصول على معلومات من مراسلين فلسطينيين
في غزة فقد تولت الرقابة العسكرية الاسرائيلية منع صدورها بحجة إنها أتت تحت ضغط
وتأثير من حماس، وفي سبيل ذلك قامت بعملية ممنهجة لإلقاء ظلال كثيفة من الشك
على أي معلومة تأتي من داخل القطاع بحجة تأثير حماس عليها.
تلك هي قواعد العالم الجديد، فقط يمكنك استخدام منتجاته
والتمتع بها إذا كنت مستهلكاً لها لمصلحة المنتج اما أن تستخدمها في مصلحتك
وغاياتك الوطنية، فإنها تصبح محرمة عليك، وهذا يثبت أن العولمة والذكاء الاصطناعي
وما سيأتي بعد ذلك هي أدوات بإتجاه واحد، في لحظة الحسم تختفي من بين يديك بينما
هي تغمر ذراعي خصمك، إسرائيل واحدة من أولئك لديها كل ذلك وهي استخدمته بدون تردد
بدءاً من الأقمار الصناعية مروراً بالصواريخ العابرة وليس انتهاء بالقنابل أو
الأنظمة الذكية كل ذلك كان متاحاً لها والغاية واحدة قتل الفلسطيني وتهجيره وحرمانه
من أرضه ومستقبله، لكن مع كل هذا الذكاء، ومع كل تلك الأدوات المعولمة ما يزال
الفلسطيني صامداً يرفض الكذب الأممي وما تزال إسرائيل غير قادرة على هزيمته برغم
كل أدواتها الذكية تلك.