بقي الأردن وعلى مدارِ السنين من أهم أبوابِ التاريخ الزاخرِ بالأصالةِ والتراثِ النابع من كلّ الحضارات التي مرّتْ على ترابه وابقتْ وسومها ورسومها على صخرهِ وبنتْ من حجارتها المنارات الدالة على عمقه في حِقب الزمان ورسوخهِ في مكانتها العريقة الممتدة منذُ أكثر من مليون وخمسمئة الف عام سبقتْ العصر البرونزي والباقي إلى هذا اليوم مرورًا بالدولة الآدومية السامية إلى الحضارة المؤابية ومن ثم العمونية ثم التحول الكبير في حضارة الأنباط والرومان ،ليعد الأردن من أقدم وأكثر الدول التي طافتْ في فضاءات التاريخ وسجلتْ حضورها في رُدهات الحضارة ، لتشهد لها النحوت والأعمدة والمساجد والقلاع والمعابد ،وتجسد فسيفسائها عبق الماضي ورمز الحضارة لا سيما وأنها صنعتْ منذ الآف السنين وما زالتْ تصنعُ حتى يومنا هذا .
إن الأردن كان وما زال قادرًا على تدعيم تاريخه بمؤهلات استقطاب العاشقين للتراث والحضارة من خلال قدرته على ترويج نفسه وتوفير البيئة المثالية التي يرغبها الزائرين من كل أرجاء العالم فأضفى ثوبه الأمني على الجميع وكان نسيجه الإجتماعي المبني على الكرم محط أنظار الكل ليتكامل طيب الأرض وطيب الملقى وفق نهج مذهل جعل الأردن قبلة الزائرين ونقطة ضوء في عتمات التوتر المخيم على المنطقة برمتها .
إن الأردن وهو يستقبل مهرجان جرش للثقافة والفنون في دورته السابعة والثلاثون يؤكد قدرته على إدارة مثل هذه التظاهرة العالمية بحرفية عالية وثقة كبيرة بأننا قادرون على صناعة الفرح وتوفير المناخ الآمن للمشاركين به وهنا تكمن قوة الأردن الأمنية القادرة على إدارة مثل هذه الأحداث، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المهرجان لم يشهد خروقات أمنية على مدار سنوات تنظيمه (بحمد الله) وبات جهاز الأمن العام بكل مكوناته يقدم خدمة مميزة تخرج عن الإطار الأمني إلى الإطار الإنساني والإجتماعي لتقام الأفراح المقترنة بالطمأنينة والإستقرار وفق القدرة على صناعة البسمة على وجوه الجميع وتحفيز العمل الناتج عن مثل هذه التظاهرات الفنية وترسيخ التبادل الثقافي ودعم الحركة الفنية وتوفير المزيد من فرص العمل خصوصًا للمجتمعات المحلية ودفع عجلة الإقتصاد من الباب السياحي خصوصًا وأن الأردن يحظى بمناخٍ مشجع وقادر على إستقطاب الجميع .
إن نعمة الأمن والأمان التي نتفيء ظلالها والتي نحيا من خلالها جعلتنا نؤمن بحتمية واجبنا بالدفاع عن الوطن وبقاء أمنه واستقراره في سلّم أولويات الحياة ليبقى حِماه مصان وعزيز وفق إرادته الشعبية والسياسية المنبثقة من فكر آل هاشم الأخيار الذي انطلق مع انطلاق الوطن لنبقى "قادرين على صناعة الفرح"