الأنباط -
عمرالكعابنة
هناك إجماع من معظم المؤسسات الاقتصادية الدولية على دخول الاقتصاد العالمي في تراجع حاد لعام 2023 ، فعلى سبيل المثال يشير أحدث تقرير للبنك الدولي عن الآفاق الاقتصادية العالمية إلى أن معدل النمو العالمي سيتباطأ بشدة ليصل إلى 1.7% خلال 2023. ولا يستثني هذا التراجع اقتصادًا معينًا بل يشمل كل اقتصادات العالم، حيث سيكون تراجع النمو عمومًا حادًّا وذلك من خلال انخفاض توقعات النمو لتصل إلى 95% من الاقتصادات المتقدمة ونحو 70% من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية.
وقد توصل تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الصادر مطلع 2023 والخاص بالمخاطر العالمية، والذي ارتكز على آراء 1200 خبير وفاعل سياسي، إلى أن الصراعات والتوترات الجيوستراتيجية أنتجت مخاطر جديدة ومتداخلة، وأكد أن هذه المخاطر التي ستؤثر على نمو الاقتصاد العالمي تجمع بين مخاطر آنية كأزمتي التزود بالطاقة والغذاء، وغلاء المعيشة، يضاف إلى ذلك المخاطر الطويلة الأمد كتلك المرتبطة بالتغير المناخي والتنوع البيولوجي والاستثمار في رأس المال البشري.
فما مصير الأردن من هذه التقارير وما مدى تأثره للحديث عن هذا الموضوع تواصلت "الأنباط" مع عدد من خبراء الاقتصاد لبحث حيثيات تأثر الأردن في الأزمات المتوقعة للإقتصاد العالمي وكيف ستواجهها الحكومة وما الأدوات التي نملك للتصدي لها أو تخفيف أثرها، حيث أوضح الدكتور جواد العناني نائب رئيس الوزراء السابق في حديث خاص لـ"الأنباط" أن المؤشرات تشير إلا أن هناك نوع من الأمل تدريجياً لخروج من هذه الأزمات الاقتصادية، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية إذا وصلت إلى اتفاق على ما يسمى رفع سقف المديونية ستحدث انفراجة في الأزمة المالية، لكن من الممكن أن يشهد الأردن تأثيراً إذا ما قامت أمريكا بسبب التضخم برفع أسعار الفائدة ما يعني أننا سنرفع سعر الفائدة مثل ما يحصل كالمعتاد، وهذا الإجراء له حسناته أنه يحافظ على ثبات الاستقرار لسعر صرف الدينار، لكن من سيئاته أنه يرفع كلف الاستثمار والإنفاق على المواطنين ويزيد أزمة السيولة.
وتابع، للتصدي لهذه الأزمات لا بد من نظرة اقتصادية مجتمعية نحن بأمس الحاجة لها وليس فقط نظرة مالية لحل مشاكل الحكومة، لافتاً أن حل المشاكل الحكومية يطغى على حساب المواطنين مثل حل مشكلة السيولة وزيادة الضرائب والرسوم التي وعلى الرغم من الوعود بعدم زيادة الرسوم على الضرائب لكنها موجودة بالإضافة إلى شدة التحصيل الضريبي والحجز على الأموال في حال عدم الدفع يتم بشكل سريع لكن فك الحجز يحتاج لـ أشهر ، مبينا أن الحكومة في ذات الوقت لا تقوم بسد جميع ديونها وأنها تحصل ولا تدفع، وهذا التباين لا يجوز أن يستمر.
وبين العناني، أن ما نتبعه الآن من وسائل لحل مشكلات الحكومة والأزمة المالية لها تسبب عصرة كبيرة داخل الأسواق التي سيكون لها أثر سلبي على دخل الحكومة في المستقبل، لانه اذا نزلت الارباح والمبيعات والجمارك والمستوردات سيكون له الأثر السلبي، لافتاً أن الحكومة تقول أن المستوردات زادت 5.5 % والصادرات زادت 8 % لكن ذلك كان في بداية السنة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي وزادت معها الأسعار، مؤكداً أنه يجب إراحة المواطنين من أجل راحة الحكومة وليس العكس.
وزاد، أن الموازنة تعتمد على إنفاق المواطنين وليس كما يروج أنها تعتمد على المساعدات الخارجية التي تشكل أقل من 2 مليار من أصل 11 مليار للموازنة، مشدداً على إعادة النظر بشكل كامل في القرارات والخطط الحكومية في التعامل مع الوضع الاقتصادي وهذا يتطلب مدرسة أخرى مختلفة عن الموجودة حالياً.
من ناحيته قال الخبير الاقتصادي الدكتور غازي العساف لـ"الأنباط" إن قضية الأزمات الاقتصادية هي من القضايا الخطيرة جداً التي تهدد ما يسمى بالأمن الوطني بجميع أبعاده سواء كانت سياسية اقتصادية واجتماعية، مشيرا إلى أن الجزء الأساسي من حدوث هذه الأزمات كان نتيجة الـ disruption أو القطاعات في سلاسل التوريد وارتفاعات الأسعار الناتج عن الأزمة الأوكرانية الروسية و تداعيات كورونا التي ما زالت تؤثر على عدد من القطاعات الاقتصادية.
بالنسبة لـ الأردن أشار العساف أنها إحدى الدول النامية التي دائما تتأثر وترحل لها الأزمات التي تحدث في دول العالم لأن الاقتصاد الأردني اقتصاد صغير يتأثر ولا يؤثر، لذلك كل ما يمكن عمله من سياسات اقتصادية وإجراءات هي هدفها الأساسي التخفيف من حدة الأزمة لأنه يمكن أن ننأى بأنفسنا عن كامل الأزمات التي تحصل، لذا إذا أردنا أن نفكر بأدوات لا بدنا من الرجوع إلى أدوات السياسة الاقتصادية بشقيها المالي والنقدي، لافتاً أن أداة السياسة النقدية هي نوعا ما فعالة في الأردن والبنك المركزي يقوم بواجبه على أكمل وجه في المحافظة على جاذبية الدينار واستقراره، وعليه فإن المؤشرات حول النقد الأردني نوعاً ما مطمئنة خلال لكن المشكلة الكبرى لدينا تكمن في السياسة المالية ممثلة بالأدوات التي تستخدم من قبل وزارة المالية سواء إنفاق حكومي أو في الضرائب التي يعتمد عليها من قبل الدولة للحصول على تدفقات أموال لتغذية العجوزات والتي لها أثار سلبية حقيقية في تعميق الأثر للأزمة المالية أو الأزمات الاقتصادية بشكل عام.
وتابع، إذا ما أردنا أن نخفّف من وطأة وحدة الأزمات على الاقتصاد الأردني لا بد من التركيز على أداة الإنفاق الحكومي والضرائب ، مبيناً أن هناك غياب شبه تام للإنفاق الرأسمالي الفعال الذي يترجم على توسع في الإنتاج بالعديد من الاقتصادات والقطاعات لأنه لا يوجد على سبيل المثال إنفاقات في بنية تحتية جديدة تسهل دخول عدد من المستثمرين في مناطق جديدة في الأردن، منوهاً أنه لا زالت المناطق النائية والمناطق الأقل حظاً في التنمية الاقتصادية تفتقر للبنى التحتية الأساسية بل هناك تهالك كبير في البنية التحتية في عدد من المرافق في المحافظات خارج عمان وهذا لن يشكل أي جذب الإستثمارات التي ندعي أننا نحاول جذبها.
وبين، أنه لابد من توظيف الإنفاق الحكومي الموجه للبنية التحتية والإنفاق الاستثماري الذي يسهل دخول الاستثمارات جديدة، وذلك لأن الأزمات تؤدي إلى تخفيض كبير جدا في الاستثمارات بسبب شح في رؤوس الأموال عالمياً، موضحاً أنه في حالة الركود الاقتصادي، رأس المال سوف يبحث عن المكان والملاذ الآمن، لذا إذا أردنا أن نقنع الدول أن الأردن ملاذ آمن أو منافس للدول الأخرى لابد من العمل على قضية البنية التحتية والتفكير بـ الإعفاءات الضريبية في عدد من القطاعات خلال فترات مؤقتة إذا حدثت الأزمة مثلما ما حدث فترة كورونا وكانت فعالة نوعاً ما بالإعفاءات الضريبية، الرسوم، التسهيل والتحول الإلكتروني أدوات تسهل وتشجع ولوج ودخول الاستثمارات إلى الحالة الأردنية.
وأشار العساف أنه لا بد من التفكير في قضية مرتبطة بإجراءات طويلة المدى التي تتنامى من خلال التوسع في العلاقات التجارية والتنويع في الشركاء التجاريين، لأن الدول التي تحصل فيها الأزمة على سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر شريك رئيسي مع الأردن في التجارة الدولية وأثرها الاقتصادي يكون كبير على الاقتصاد الأردني، لذا لابد للمملكة في التنويع بـ التبادلات التجارية وتوسيع عدد الشركاء التجاريين من صادرات وواردات وإقامة تكتلات اقتصادية وأسواق مشتركة خاصة في المنطقة العربية، التي لا بد من الاستفادة منها من خلال منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى التي لا زالت لم تفعل بشكل كبير، إضافة لـ العلاقات الاقتصادية التكاملية والجهد الديبلوماسي وذلك من أجل التخفيف من وطأة الأزمات الاقتصادية التي قد تحدث وتؤثر في بلدان مثل الأردن التي ستنخفض المساعدات الخارجية المقدمة لها في الأزمات الاقتصادية؛ وهذه من النقاط الخطيرة جداً فإذن لابد على الدول البحث عن مصادر تمويل أخرى من خلال دعم تحويلات العاملين من الخارج بسياسات معينة حتى نعوّض جزء من الفاقد من العملات الأجنبية التي تدخل إلى الدولة الناتجة عن شح في المساعدات والاستثمار.
بدوره يرى المحلل الاقتصادي حسام عايش أن الأردن يتأثر أكثر مما يؤثر في الأزمة المالية والاقتصادية العالمية أو لأسباب تتعلق بالوضع الاقتصاد الداخلي ولأسباب تتعلق بانفتاحيته على العالم، مشيرا إلى أنه عندما تكون قيمة مستورداتنا حوالي 19.4 مليار دينار في عام 2022 بنسبة وصلت إلى أكثر من 60% من الناتج المحل الإجمالي ذلك يعني أن تأثير العالم كبير علينا، وفي الجانب الآخر لدينا مشكلات اقتصادية مختلفة مثل المديونية التي ربما تزيد عن الـ 40 مليار دينار لهذا العام وبما يتجاوز الـ 115% في القريب العاجل من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى استمرار عجز الموازنة الناجم عن زيادة النفقات في مواجهة الزيادة في الإرادات الأمر الذي يجعله أحد مصادر المديونية وأحد الأسباب التي تؤدي إلى زيادة الضرائب والرسوم سواء أعلن عنها أم لم يعلن وهي أحد الأسباب أيضاً التي تؤدي إلى تقليص الإنفاق على الاحتياجات الأساسية في البنية التحتية، في الخدمات، في تطويرها، وتحسينها، وتجويدها،لافتاً إلى أن شوارع الأردن الفرعيةتحولت بفعل بعض مشاريع الطرق مثل الباص السريع، إلى شوارع رئيسية وهي بالكاد كانت تستطيع خدمة المرور المنخفض وعدد من وسائل النقل المختلفة دون أن تعمل الحكومة أو الأمانة على تحسينها وتطويرها ودراسة كيفية تسهيل الحركة عليها وجعلها أكثر أمنا وسرعةً وخدمةً للحاجات الجديدة التي أضيفت إليها دون أن تكون مهيئة لذلك.
وأضاف،إذا كانت الجهات المعنية غير قادرة على حل المشكلات التي نواجهها بشكل يومي فأعتقد أنها في معظم الحالاتتقوم ببعض الإجراءات التي يمكن أن توفر شكلا من الحماية للإقتصاد على الأقل في مراحل التأثر الأولى بالأزمات العالمية، لكنهاتعود في نهاية كل أزمة لكي نتذرع بالمشكلات العالمية لعدم تحقيق إنجازات في الداخل أو للتراجع في هذه الإنجازات سواء كان على مستوى الأزمة المالية العالمية 2008 وأزمة كورونا 2020 والأزمة الروسية الأوكرانية 2021 بالإضافة لـ أزمة التضخم وحالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي في 2022 ودخولاً لعام 2023 مثل أزمات الطاقة وارتفاع أسعارها، وأزمات الغذاء، وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، وأيضاً التضخم بكل من درجاته مع كل ما أدى إليه من ارتفاع في أسعار الفائدة.
وأوضح، أنه تم نقل أسعار الفائدة في الولايات المتحدة إلى الاقتصاد الأردني، لكن لم يتم مراجعة فيما إذا كانت هذه الأسعار للفائدة التي ترتفع شهرا بعد آخر مناسبة للاقتصاد الأردني الذي يفترض أنه يتعافى والتعافي يستدعي تقليلاً وتخفيضاً بالكلف وهو أمر لم يستطع المسؤول الأردني أن يتوقف عنده أو أن يراجع حساباته بشأنه، أو يكون لديه خطط طوارئ للتعامل مع هذه الحالات سواء تعلق الأمر بأسعار الفوائد المرتفعة أو تكاليف الطاقة المرتفعة أو الضرائب المرتفعة أو التضخم الذي لا بد أن تكون أكثر دقة فيما يتعلق بمعدلات التضخم التي تصدرها الجهات الحكومية المختلفة لأن هناك تفاوت كبير في الشعور بالتضخم بين البيانات الحكومية وبين ما يشعر به أي زائر السوق لكي يتسوق على الأقل في الحاجات الأساسية التي يحتاجها.
وأكد عايش أن الجهات الحكومية تملك بعض الأدوات أبرزها؛ مراجعة النفقات في الكثير من المؤسسات التي لا تخدم إلا العاملين فيها ولا تخدم الاقتصاد الأردني مثل المؤسسات المستقلة التي خفت الحديث بشأنها رغم أنها أحد أهم الأسباب التي تؤدي إلى استنزاف الموازنة دون أن يكون لذلك عائدا على العملية الاقتصادية، مبيناً أن ثلاثة أرباع هذه المؤسسات ليس لها من قيمة مضافة لا في العملية الاقتصادية ولا في العملية الاجتماعية بل خلقت تمييزا بين الموظفين الذين يتقاضون رواتب تفوق تلك التي يتقاضاها نفس العاملون بنفس الوظائف في قطاعات أخرى على المستوى الحكومي والقطاع العام نفسه.
وزاد أننا نملك الفرصة لنحسن عملية استقطاب الاستثمارات واستدامتها لإيجاد فرص العمل،وليست استثمارات كثيفة استخدام التكنولوجيا على حساب فرص العمل، مع أن الأمرين يفترض أن توفرها في أي استثمارات وأي مشاريع أخرى لكن مع ذلك علينا أن ننتبه إلى قطاعات اقتصادية يمكن استقطاب مزيدا من فرص العمل فيها، لافتاً أن الاستثمارات ليس شرطا تكون خارجية بل محلية عن بالتعاون مع القطاع الخاص ، بالإضافة إلى أنه يجب تطوير مفاهيم المشاريع الصغيرة والمتوسطة من أجل نجاحها سواء على مستوى الدراسات على مستوى الكلف خاصة في مرحلة الإقلاع الأولى من عملها على مستوى منتجاتها التي يمكن أن تخصيص جزءًا من نفقات الموازنة في الإنفاق عليها لشرائها ولـ استهلاكها من قبل الحكومة أو يمكن أن إستخدامها إذا كانت منتجات لخدمة فئات من المجتمع يمكن أن توفرها لهم بأسعار معقولة، إلى جانب الحاجة لتطوير القطاع الزراعي، والأمن الغذائي، ما يستدعي ذلك إلى توفير شكلاً من أشكال الحماية، لافتا أنه لا يمكن لأي دولة في العالم أن توفر حماية بالكامل لاقتصادها، لكن من الممكن تقليل الآثار المترتبة على المخاطر من خلال القيام بمبادرات في هذا المجال وأن تكون مبادرات حقيقية ومستدامة ومستمرة لا أن تكون مجرد ردة فعل لحالة ثم نتوقف عن الاهتمام بها.
وشدد، أن الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة الطاقة النظيفة في غاية الأهمية لحاجاتنا لتقليل كلفة الطاقة على القطاعات الإقتصادية و المواطنين بما يؤدي إلى شكل من الوفر يتم انفاقه في السوق ما يؤدي إلى نشاط اقتصادي أعلى الأمر الذي يؤثر على إنتاجية المصانع و الشركات والمؤسسات مما يساهم لإيجاد مزيد من فرص التوظيف، مشيراً إلى أن الأردن يملك من الأدوات لكن المشكلة في القرارات والسياسات، بالإضافة لـ الطريقة التي يفكر بها المسؤولين الذين يريد بعضهم تسكين المشاكل في عهده ليتحملها من يأتي من بعده، مبيناً أنها إشكالية كبرى لذلك الحل يكمن في تداول للسلطة من خلال انتخابات تؤدي إلى إفراز حكومات تكون مسؤولة بإنجازاتها أمام الناس وتحاسب على هذا الأساس، وهذا يعني بالنتيجة أن العملية الإقتصادية تحتاج إلى عملية سياسية تكون مظلة لهالمواجهة المشكلات والأزمات الخارجية والداخلية.