كتّاب الأنباط

خليل النظامي يكتب :صحفي يسكن في الظلام

{clean_title}
الأنباط -
صحفي يسكن في الظلام
الأنباط – خليل النظامي

منذ الامس وأنا أسمعهم في الأخبار وأراهم عبر الشاشات الكبيرة، يتحدثون عن مسطرة الحياة الكريمة، وأزعجوني بـ رثاث حديثهم عن العدالة وتكافؤ الفرص، وأشبعوني كذبا وزورا عن الحرية والتحرر، يدعون المثالية وهم أساس شعلة النار التي تأكلني، وتنهش في محاصيل قومي البسطاء الطيبين.

وصباح هذا اليوم كان المشهد عبر وسائل الاعلام ومنصات التواصل الإجتماعي كـ لوحة رسمها فنان تشكيلي، وبات كل شخص يراها بعين عقله الباطن، ويفسرها وفقا لـ مزاجه ومشاعره سواء كانت مشاعر فرح أو مشاعر حزن وكآبه، ولكن هل فكر أحد من قبل في مشاعر هذا الفنان الذي رسم هذه اللوحة، لا أعتقد,,!!!

وهكذا هو الصحفي العامل، جميع الناس يقرؤون ما يكتب ويتفاعون مع كل حرف من حروفه التي كتبها سعيا لـ تحصيل حقوقهم ودحر كل جبان فاسد، ولكن وبكل أسف ليس هناك من أحد حاول اقتحام عالم هذا الصحفي الخاص ومعرفة تفاصيل يومياته، وما الذي يعانية ويكابده في حياته، لـ يحظى بـ حياة كريمة، ومستقبل ملامحه واضحة، وآمان يجعله يبذل كل ما في طاقته لأجلهم.

وأخذت نفسي إنموذجا لـ وصف يوميات صحفي عاند الظروف القاسية، وأجبر على إختيار العزلة سكنا له، وشق اللثام عن غمام الليالي المظلمة، وعايش الإقصاء وكابد مرارة الإستثناء بذنب غيره، صحفي سرق حلمه من ثلة صويحفيين، وبقي وفيا لـ أطلاله، وقاتل قتال أسد عن عرينه كل مارق مقتات، صحفي حمل من التنوير سلاح، ومن الأصالة درع حماية، وبحبر القلم خط قصص أروع المعارك، ودشن بـ العلم صرح أشعل مواقد الغيرة والحقد في قلب كل متسلق متملق مفرغ.

تساؤلات عديدة طرحتها على نفسي هذا الصباح وأنا جالس وحدي في مكتبي بـ الجريدة، احتسي جعة من القهوة على انغام فيروزية، وأراقب جدائل عروق العنب والزيزفون المتلبدة على زجاج مكتبي، هل أعيش الحياة الكريمة التي أزعجوني بها عبر الشاشات، وهل خضعت لـ إمتحان تكافؤ الفرص الذي أشغلوا ذهني بـ التفكير به، وهل أنا متحرر من كل القيود السلطوية والرأسمالية، وهل أنا أملك مساحة من الحرية لكتابة ما في جوف ذهني.

عصفورة عابرة سبيل غريبة قدر لها أن تزور وحدتي وترتاح من سفر طويل على عرق الزيزفون، نظرت نحوي وضحكت بصوت قهقهة مرتفعة، سألتها : ما الذي أضحكك أيتها العابرة، فردت وقالت : أسئلتك أيها الصحفي أضحكتني،،،،
 
وتابعت ؛ أنسيت أنك معتكف في وكر ليس فيه سوى مجموعة من الأوراق والكتب العتيقة، أنسيت كم من مقال وقصة كتبتها ثم ما لبثت إنهائها وحذفتها خوفا من أن يقرأها أحد ما، أنسيت أنك لا تأكل سوى وجبة واحدة بـ اليوم خشية أن لا تجد ما لا تأكله في الغد، أنسيت موجة الغضب والحزن التي توشحتك عندما علمت أن بعض الصويحفيين ممن كنت تدربهم وتعلمهم قد تعينوا في مناصب ووظائف رفيعه وانت ما زلت مكانك متمسمر لـ مبادئك، أنسيت ما كنت وما أصبحت عليه أيها المقاتل، أنسيت أن هؤلاء المتحدثين كاذبون وأنك تعلم حقيقة فسادهم وتملقهم وتسلقهم، أنسيت أمر المنظرين، أنسيت الغادرة التي قهرت كبريائك وقتلت كل جميل فيك، أي حياة كريمة وعدالة وحرية وتكافؤ للفرص تتحدث عنه أيها الصحفي النظامي,,,!!! أنت بالمختصر تقاتل شبح لا يراه غيرك,!!!!.

غادرت العصفورة الغريبة ولم يغادرني صدى صوت ضحكتها الذي عشش في زوايا مكتبي، ولم أعد أعلم هل ضحكت ولعبت على الدنيا، أم أنها من ضحكت ولعبت علي، هل ما أملك من مبادىء سبب في توهاني وضياع مستقبلي، وهل يجب علي أن أقدم تنازلات كما غيري لـ اعيش حياة كريمة، هل علي أن أحمل الطبل وأضرب عليه عزف يخالف كل الشرائع والقيم، هل علي أن أتخلى عن شجاعتي وأنحني أمام جبروت الجبابرة طالبا وظيفة اعتاش منها، وهل علي أن أركع ساجدا لغير الله لـ احظى بفرصة تخرجني من وكري العتيق وتدخلني قصر عاجي، هل أبيع نفسي لشراء مستقبل مزيف، ما الذي سأتركه خلفي بعد مغادرتي هذا الكوكب إن فعلت ذلك,,,!!!!؟.

وإنتهى يومي بـ ببيتين من الشعر يقول فيهما الشاعر :
يا سائس الخيل قم للخيل و انحرها
ما حاجة الخيل و الفرسان قد ماتوا
حتى نخيل الربا في ارضنا ماتت
لما رأت قومنا في التيه قد باتوا
تابعو الأنباط على google news
 
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الأنباط © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الأنباط )