الأنباط -
أحاديث الأردنيين وأسئلة على طاولة الوطن
الأنباط-عمرالكعابنة
في أي جلسة عائلية أو جمعة أصدقاء يتم التطرق لـ الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للبلد، وجل الآراء والحوارات في هذه الجلسات تصب في اتجاه واحد أن الحكومة مقصرة بعملها ولم تستطع توفير البيئة الاستثمارية المناسبة للحد من النسب الفلكية لـ البطالة التي تقدر بحسب آخر إحصائية بـ 22.8 والفقر ببين 24% إلى 27% بحسب العديد من الإحصاءات المحلية والدولية.
معضلة تحديد نسبة الفقر في الأردن لم تحلها الحكومات المتعاقبة منذ أكثر من عقد على الرغم من تصريحات وزارة التخطيط في منتصف العام الفائت أنها ستخرج للعلن في في الربع الأول من العام الحالي وهو ما لم يحدث، مؤشر عدم تحديد نسبة الفقر مصيبة بحد ذاتها تتحملها الحكومات المتعاقبة منذ عشر سنوات.
هناك مؤشرات واضحة لتحديد نسبة الفقر ومن صلب المؤسسات الرسمية، أبرزها؛ دراسة أعدها صندوق المعونة الوطنية، بينت من خلالها أن 6 من كل 10 أسر تتلقى مساعدة من الصندوق تعاني من انعدام الأمن الغذائي أو معرضة له وفقا لمؤشر الأمن الغذائي لبرنامج الأغذية العالمي، بمعنى أن الأسر الفقيرة التي تتلقى الدعم زاد فقرها ولم تعد تلقى لقمة العيش البسيط، بينما أوجبت دائرة الإفتاء مؤخراً الزكاة على من يصل دخله الشهري إلى 700 دينار فما دون، أي أن من يصل دخله إلى 700 دينار فهو فقير.
دعوني هنا أحسب حسبة بسيطة دخل عائلة بسيطة مكونة من زوجين يتمتعان بصحة جيدة ولا يملكان أي أمراض مزمنة وطفلين لا يتجاوز أعمارهما الثلاث سنوات، والزوجان على فرض أنهما يعملان ويصل دخلهما الشهري إلى 800 دينار وليست لديهم قروض يدفعون أقساطها شهرياً، لنقسم هذا الدخل المشترك على المصاريف الشهرية؛ إيجار بيت 200 دينار، بنزين 150 دينار، مصاريف لـ الأطفال حليب وسيريلاك وفيتامينات وأدوية وفوط ومراجعات للأطباء ما يقارب 200 دينار، دخان للأب إذا ما فرضنا أنه يدخن بكيت باليوم 90 دينار، فواتير كهرباء ومياه من 30 لـ 50 دينار، مونة المنزل إذا ما فرضنا أنهم يأكلون اللحم والدجاج مرتين في الأسبوع لحمة 3 كيلو و3 دجاجات45 دينار، ومتطلبات أساسية من مأكل ومشرب ونظافة 150 دينار، مناسبات متفرقة 50 دينار ، بطاقات ورسوم انترنت 50 دينار، مصاريف يومية للزوجين أثناء العمل 100 دينار، طلعات خارجية عشاء أو غداء 30 دينار، لوصلوا في أخر شهر بعجز يصل إلى 305 دينار .
فما بالكم لو أن الدخل لمثل هذه العائلة يصل إلى نصف دخلهما الشهري أي 400 دينار فماذا ستكون النتيجة، إن السخط المجتمعي على الأوضاع الاقتصادية في البلد والحكومة لم يأتي من فراغ ويمكن الدلالة عليه من خلال إحصائية خرج فيها قاضي القضاة الشيخ عبد الكريم الخصاونة مؤخراً، بين فيها أن حالات الزواج انخفضت بذات الفترة ما يقارب 11 ألف حالة حيث كان عدد حالات الزواج خلال 2014 ما يقارب 81 ألف حالة زواج، وانخفضت لتصبح ما يقارب 70 ألف حالة زواج عام 2018 ويعادل هذا الانخفاض نسبته 14% خلال الخمس سنوات الأخيرة، بمعنى أن الشباب لم يعودوا قادرين على الإيفاء بمصاريف الزواج وإن كان هناك عادات مجتمعية تمنع ذلك، وزيادة أعداد المتعاطيين للمواد المخدرة على الرغم من جهود دائرة مكافحة المخدرات وحالات القتل المتنوعة التي أصبحنا نشهدها على أرض الواقع، وتدني مستويات التعليم والصحة والخدمات الحكومية ككل، وزيادة التدهور الثقافي والأدبي والأخلاقي للمجتمع ككل، وقضايا الفساد المعلنة والمخفية.
هناك عدة أسئلة يمكن طرحها على الحكومة ما عدد الاستثمارات الجديدة التي دخلت الأردن خلال العامين المنصرين وفي المقابل كم عدد الاستثمارات التي أقفلت أو خرجت لبلاد مجاورة، ما الحلول التي قدمت لحل معضلة المتعثرين، ما هي الخطط التي لديكم لإيفاء ديون صندوق النقد الدولي، إلى متى الاعتماد على المساعدات الخارجية المرتبطة بالمزاج السياسي لهذه الدول، إلى متى ستبقى مقدرات الوطن مطموسة تحت التراب، كيف ستعيدون الثقة بينكم وبين المواطن الأردني، ما هي البرامج التي لديكم لإعادة وتطوير مستوى التعليم والصحة، وكم مستشفى أو مدرسة بنيت خلال عقدين من الزمن من خزينة الدولة الخاصة، وما هي الاستراتيجية المتبعة لسد نواقص كوادر وزارتي الصحة والتعليم، وما هي الخطط والتسهيلات الاستثمارية التي قدمت للمستثمر المحلي والخارجي، أين هي المشاريع الاستثمارية الخاصة بالدولة أسوة بالدول المجاورة، ومتى ستتم محاسبة المسؤولين على أخطائهم الكارثية، وكيف ستسيطرون على مصاريف الرواتب والتقاعد خلال الأعوام القادمة، ومتى ستجدون الحلول لنقص مخزون المياه، وإلى متى سنتأثر بخلاف أي دولتين متناحرتين في العالم، وما هي الحلول البديلة للضرائب الثابتة على المحروقات وضريبة الدخل التي أنهكت ظهر المواطن، ومتى يتم إيقاف المتنفذين عند حدهم ، متى ستنصفون المواطن وتعطونه حقوقه الأساسية، والسؤال الأبرز متى تخرج للنور أيامنا الأجمل التي لم نراها بعد، سأكتفي بهذه الأسئلة التي تهم كل مواطن أردني ولا أعتقد أن هناك إجابات شافية لها من قبل أي مسؤول حكومي.
لكنني أرى أن الحل الأصيل والوحيد لهذه المشاكل هو العمل الدؤوب من قبل الحكومة والتسهيلات والخطط والمشاريع الاستثمارية، وتقليل المصاريف الزائدة من خزينة الدولة، والاعتماد على الذات في حل هذه المشاكل، والاستثمار بتراب هذا الوطن وشبابه، وضخ دماء جديدة في الحكومة، وإعادة التفكير في النهج المتبع في تشكيل الحكومات، وزيادة الرقابة على مكامن الفساد، وتفعيل قانون من أين لك هذا، وتقليل نسب الضرائب المثقلة وتحويلها لضريبة مرنة أو متصاعدة، زيادة التعاملات التجارية بين الدول كافة، وإتاحة الفرصة للمنتج الأردني للتصدير للخارج عبر زيادة الأراضي الزراعية والمصانع، والتحول لبلد منتج بدلاً من مستهلك وإن كان بنسب بسيطة، وتفعيل دور الأحزاب والشباب في الحياة السياسية والاقتصادية، وعمل لقاءات مع كافة أطياف المجتمع لإيجاد حلول قابلة للتطبيق أسوة ببرنامج التحديث الاقتصادي الذي سيكون حلاً جزئياً في حال تم تطبيقه.