الأنباط -
شكلت تصريحات سمو الأمير الحسين ولي العهد خلال مشاركة سموه في جلسة ضمن فعاليات منتدى "تواصل: حوار حول الواقع والتطلعات"، الذي تعقده مؤسسة ولي العهد، شمولية في النظرة المستقبلية لعدد من الملفات التي هي ركيزة نهضة هذه الدولة التي تعبر مئويته الثانية، هذه الرؤية التي تحتاج إلى من يعمل جاهدا على عكسها على أرض الواقع خصوصا فيما يتعلق بالتحديث الإداري.
اعترف سموه بأن أكبر المشاكل التي تواجهنا تتمثل في تجهيز الخريجين لوظائف لم تعد متاحة، داعيا الشباب إلى عدم ظلم أنفسهم باختياراتهم، وهي رسالة مزدوجة الأهداف، حيث تستهدف البرامج التعليمية في الجامعات التي يجب أن تفتح الآفاق إلى تخصصات يتطلبها سوق العمل، في حين أنها تحث الشباب على ضرورة التفكير مليا في التخصص الذي سيدرسونه حتى لا يتحولوا إلى أرقام في كشوفات البطالة، وترك الأفكار المتوارثة عن المهن.
سموه وفي أكثر من مناسبة كان تأكيده على أن التحديث الإداري هو المحرك الأساسي لكل مسارات التحديث الأخرى (الاقتصادي، والسياسي)، انطلاقا من أن ضعف تدريب الموظفين وسوء اختيار القيادات للمؤسسات كافة، والبيروقراطية، وضعف الخدمات المقدمة للمواطنين، وسوء منهجية العمل البعيدة عن الجدية والمهنية، في التطبيق والمتابعة هي داء لأي مشروع اصلاحي، وعائق كبير أمام التطور والتحديث في كافة أشكاله.
لغة التحديث في حديث سموه كانت واضحة، والتقاطتها لا تحتاج إلى معاناة، إذ أنه كانت بدعوة الشباب إلى عدم ظلم أنفسهم ومحاربة الفكر الموروث، كما أنها تمثلت أيضا في ضرورة خلق واقعا أفضل وإعادة النظر بمواردنا وطاقاتنا المهدورة، ووضع الكفاءة المناسبة في المكان المناسب.
الأردن زاخر في الكفاءات، ويتمتع بموارد بشرية هائلة ذات فكر متقدم وقادر على إدارة العديد من الملفات بشكل أفضل مما يديره المهوسون في الكراسي والمناصب، وما نحتاجه هو آلية واضحة وعملية في البحث عن هؤلاء واختيارهم للقيام بهذه المهمات بعيدا عن المحسوبية والواسطة والتوريث، الأمر يحتاج إلى إرادة من جانب، وأمانة في العمل من جانب آخر حتى نصل إلى هذه المرحلة.
في لقاء حضرته مع عدد من القادة العراقيين في بغداد، كان هناك تأكيد على أن العراق بحاجة إلى العقول الإدارية الأردنية، وهو اعتراف بأن الانسان الأردني يملك ما لا يملكه غيره من مقومات تؤهله لأن يكون في أي موقع. في الأردن للأسف لم يدرك المسؤولين بعد أهمية الشباب وقدرتهم على لعب دور كبير في نهضة هذا البلد في مئويته الثانية، لأننا أولا لا نؤمن بهم، ونشكل بالنسبة إليهم عامل هدام، وثانيا لأن معظمنا يفكر بمصالحه الشخصية دون النظر إلى أبعد من ذلك، فيتحول المجتمع إلى قنبلة موقوتة.
ليس صعبا أو مستحيلا أن نملك مناهج أكثر تقدما، وتخصصات جامعية أكثر نفعا، وشباب أكثر فاعلية وطموح، إذا ما أمنا بذلك وأردناه لهذا البلد الذي يعاني من تحديات تؤلمه وتؤرق مضجعه.