الأنباط -
خليل النظامي
هذه الجملة التي استوقفتني في حديث رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز أمس في اللقاء الذي جمعنا به في مضارب الصديق والأخ الحبيب صقر الفايز وأحمد الطيب برفقة مجموعة من النخب الصحفية والقانونية والسياسية والنيابية.
بداية وقبل التعليق على جملة "الفايز" يجب أن أعرج على مفهومي الخاص لـ الاستراتيجية الاعلامية كـ باحث أكاديمي في علم الاتصال، ولتعريف هذا المفهوم علي أولا أن أفككه ومن ثم أعيد تجميعه مرة أخرى وهذه هي طريقتي الخاصة في تعريف المفاهيم.
الاستراتيجية في اطارها الاكاديمي والتنفيذي تعرف بـ أنها مجموعة من الخطط يقوم ببنائها متخصصين، تتضمن رسالة واضحة، ومجموعة من الأهداف يتم السعي لـ تحقيقها، ومسار او خارطة طريق تنفيذية في إطار زمني محدد.
والاعلام يعتبر أحد العلوم المتفرعة من علم الاتصال، وهو عبارة عن مجموعة من القنوات الاتصالية بين مرسلين ومستقبلين او شرائح مستهدفة يتضمن رسالة تحمل فكرة او معتقد او غيره، تبث عبر وسيلة اعلام معينة يكون هدفها التأثير والتغيير في المعتقد والسلوك.
اذا يمكن أن نعرف الاستراتيجية الاعلامية على أنها مجموعة من الدراسات والأبحاث العلمية والمسحية الخاصة في طبيعة وسيسيولوجية الشرائح المستهدفة من قبل القائم بالاتصال والمتحكم في مخرجات قنوات الاتصال، يجريها متخصصين وباحثين في علم الاتصال والاعلام وعلم الاجتماع السلوكي، والخروج بخطط اتصالية داخلية وخارجية مناسبة ذهنيا وإجرائيا وخطابيا، هدفها المقاربة بين أيدلوجية ذهن المرسل وايدلوجية ذهن المستقبل لتحقيق التأثير في السلوك ايجابا والتطوير عليه من خلال التغذية الراجعة.
طبعا وبكل صدق أقولها علنا أن جملة "الفايز" بـ النسبة لي تعتبر أخطر ما قيل على الساحة الأردنية منذ عشرين عام، وجملة أختصر فيها الاجابة على كل التساؤلات التي سبق وطرحتها حول الفوضى والعشوائية الاتصالية والادارية والمالية التي اراها في جميع المكونات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتعيش وتمارس نشاطاتها على اراضي المملكة الاردنية.
فـ عدم وجود استراتيجية اعلامية، معناة عدم وجود عمليات اتصالية بين المكونات العامة لـ الدولة، أي بـ معنى ان السلطات تخاطب النظام السياسي على طريقة خاصة بها، والنظام السياسي يخاطب الجماهير بطريقة مختلفة عن مخاطبة السلطة لهم، وأن وسائل الاعلام والقنوات الاتصالية المحلية تعمل وفق "المزاجية والهواء الخاص" ولا تعمل وفق ما يخدم الدولة ومواطنيها.
وعدم وجود استراتيجية اعلامية، معناة أن مخرجات المؤسسات الرسمية والمسؤولين والنخب والصالونات السياسية عشوائية الشكل وفوضوية الهدف، بـ معنى ان كل مجموعة "تغنى وتغرد على ليلاها"، وهذا فعلا ما هو حاصل وشواهده واضحة امامنا من خلال التخبط في التصريحات الحكومية للكثير من المسؤولين، وعشوائية مخرجات الاعلام الحكومي والرسمي محليا وخارجيا.
وعدم وجود استراتيجية اعلامية، معناة ان الأردن كـ دولة وشعب ليس لهما صورة اعلامية بين دول وجماهير العالم العربي والغربي، وعدم وجودها معناة أن القنوات الاتصالية الحرة او الخاصة تربة خصبة لـ السيطرة على سياساتها ومخرجاتها من قبل اعداء الخارج والداخل سواء كانوا من ثعابين رأس المال أو من جواسيس أجهزة استخبارية وانظمة سياسية حاقدة على الأردن ولا تريد لها الأمان والتقدم.
وعدم وجود استراتيجية اعلامية، معناه أن كل الانجازات التي تحققها المؤسسات الحكومية الرسمية والخاصة والأمنية والعسكرية ومؤسسات المجتمع المدني والافراد على الصعد السياسية والاقتصادية والعلمية والصناعية والاكاديمية والعسكرية والامنية ما زالت حبيسة في الأدراج المظلمة وحيدة لا تجد ضوء ينيرها للعالم كله.
وعدم وجود استراتيجية اعلامية، معناة أن تاريخ الأردن التي تعاقب على العيش فيها خمسة ممالك وأكثر من ستة حضارات تاريخية، ما زال في توابيت الكهوف الصخرية لم يسمع به أحد سوى الباحث عنه، وهذا هو سبب التراجع في مؤشرات القطاع السياحي سواء محليا او خارجيا.
وعدم وجود استراتيجية اعلامية، معناة أن منظومة الاستثمار تواجه أكبر تحدي امام توسعها في الأردن بعد تحدي التشريعات والقوانين التي يقال انها تعيق المستثمرين الاجانب والمحليين، فهل يستقيم لـ عاقل أن تكون منظومة استثمار في دولة معينة بدون استراتيجية اعلامية..!!!
وعدم وجود استراتيجية اعلامية، معناة إتساع لدائرة الفساد المالي والإداري في المؤسسات الخاصة والرسمية، فالرقابة على سلوكيات السلطات والمجتمع لا يكون دقيقا الا من خلال العمليات الاتصالية الخاصة بـ الصحافة والاعلام التي تعتبر من أولويات بناء الاستراتيجيات الاعلامية في الدول المتقدمة.
لا اريد أن أطيل عليكم في تشريح الجملة التي قالها "الفايز" والتي يراها الكثير منكم بسيطة، والتي يتطلب تشريحها مؤلفات وليس مجرد صفحة، ولكن ثقوا تماما أنها أخطر ما سمعته منذ عشرين عام مضت على متابعتي لـ الشان المحلي الأردني،، وللحديث بقية.