في حضرة الأردنيين أنصتوا و حدقوا و تمعنوا طويلا بتاريخهم و مواقفهم العربية و الإسلامية المشرفة ، فقد سطر الأردنيون مواقف جما في ذاكرة القضايا العربية ، و ترسخ ذكر الأردني عند كل عربي شريف يؤمن بالقضية العربية ، و يعشق أرض العرب و يحن بعاطفته إلى عناقها ، و يفكر جليا و مليا بعقل في انتزاع حقوقه العربية بكرامة و شرف .
حين يبذل الأردني روحه طوعا حتى يثبت في مواجهة مغتصبي الأرض و الكرامة، لأنه خلق بغريزة عربية ، يعشق الدم العربي و الأردني و أقسم أن يبق مدافعا عن ذرة كل تراب عربي لأنه حمل القضايا العروبية بالفطرة ، و تحمل مسؤولية الدفاع عن كرامتهم بشرف و حرقة دم ، و حمل كل القضايا العربية في وجدانه و عقله و جاهد و استشهد على الأراضي العربية ، و حمل الشعوب العربية في وطنه محبة و أخوة و واجبا، إيمانا منه بأن كل أرض عربية هي أرض طاهرة لها حق الوجودية و لا حق فيها سوى أهلها و شعوبها .
يقول ايليا أبو ماضي :
زعموا سلوتك ليتهم
نسبوا الي الممــكنا
فالمرء قد ينسى المسيء المفترى ، و المحسنا
و الخمر ، و الحسناء ،
و الوتر المرنّح ، و الغنا
و مرارة الفقر المذلّ بل ،
و لذّات الغنى
لكنه مهما سلى هيهات
ينسى الموطـــنا
كان الأردني و مازال يعتنق بغريزته ما ورد في شعر ايليا ، فجاهد و استشهد في دول عربية عديدة ، كفلسطين و ليبيا و دول أخرى ، واليوم سأكتب عن سيرة مجاهد و شهيد ترسخ في ذاكرة الوطن و في ذاكرة الليبين و مازال و هو ، الشهيد البطل نجيب سعد العلي البطاينة .
نجيب سعد العلي البطاينة ، أو كما كان يلقب في ليبيا (نجيب الحوراني) ، و لد نجيب الحوراني في عام 1882م في بلدة البارحة في مدينة اربد ،شمال الأردن ، و كانت البيئة التي تربى فيها نجيب البطاينة تعتنق مبدأ العروبة ، و تجمع العرب في قلبها ، و كانت نشأة بيئته ترى العروبة بقومية وطنية ، فكان والد نجيب ، الشيخ سعد العلي البطاينة ، شيخ و زعيم بني جهمة و من شيوخ و زعماء شمال الأردن و بلاد الشام ، و قد كان يرى العرب بوطنية جامعة و هذا ما عززه في ابنه الشهيد على أرض ليبيا .
تخرج نجيب البطاينة من الكلية العسكرية في اسطنبول برتبة ضابط ، و تميز بالقيادة و كان مخططا استراتيجيا للمعارك ، و من ثم اختار أن يكون قائدا عربيا مسلما بارزا في المقاومة الليبية ضد الاستعمار الإيطالي .
قال أحد المؤرخين ، إن نجيب البطاينة التحق مع سريته إلى اليمن لإخماد ثورة الإمام يحيى و بعد التفاهم مع الإمام يحيى انسحبت القوات العثمانية من اليمن ، و من ثم توجه إلى ليبيا عام (1911) م ، للمشاركة في الحرب الدائرة مع الجيوش الإيطالية ، و كان برفقة القائد عزيز علي المصري ، و القائم المقام الأردني علي خلقي الشرايري .
خاض نجيب البطاينة معارك عديدة مثل ، (الشلظمية و الكراديسي) ، و وثقت في كتب ليبية عديدة مثل ( معجم معارك الجهاد في ليبيا) للكاتب الليبي محمد التليسي ، و كان نجيب البطاينة الحوراني لا يثنيه أحد أو أمر عن الجهاد ضد المغتصبين ، فقد دخل إحدى المعارك و هو جريح و جاهد باستبسال وقوة ، حتى استشهد في آخر معركة خاضها في عام 1914م .
تعرض نجيب البطاينة لمحاولة اغتيال بالسم عام(1913)م ، عن طريق الخادمة من خلال رش السم على الطعام ، حتى أوشك على الموت إلا أنه تم إنقاذه و أخذت الخادمة عقابها من أحد أصحاب نجيب في الجبهة الجهادية.
كان لاستشهاد نجيب البطاينة الحوراني أثر و وقع كبير عند الليبيين فحزنوا حزنا شديدا عليه من رجال و نساء ، و هو من الشخصيات العربية التي ما زال الليبيون يذكرها بكل المواقف المشرفة ، فكان مكرما من الشعب و الدولة ، فكان الرئيس معمر القذافي رحمه الله يقدر الذين استشهدوا على أرض ليبيا فداء لها ، و كان نجيب الحوراني له مكانة كبيرة عنده ، كما ذكر بعض الكتاب .
و مؤخرا تم عمل فيلم درامي وثائقي عن سيرة نجيب سعد العلي البطاينة (نجيب الحوراني) اسمه (سيدي نجيب) ، تناول الفيلم جوانب عدة من حياة نجيب الجهادية و الشخصية، و الفيلم كتابة و سيناريو و حوار الأستاذة عايدة أمريكاني ، و اخراج المخرج ناجي سلامة ، و قد عرض الفيلم في جامعة اليرموك ، و حقيقة فيلم رائع و جميل ، متابعته يفخر بها كل أردني .
سيرة عطرة و هامة من رجالات الأردن الذي لا أستغرب منهم هذه البطولة ، أتمنى أن نحذو حذو هؤلاء العظماء الذين ترسخت سيرهم في التاريخ الأردني الكبير و التاريخ العربي العتيق .