الأنباط -
المقالة الجامعة / الحلقة السادسة
— بالرغم عودة الحياة الديمقراطية ولو بصورة جزئية الى الاردن في عام 1989 وإجراء انتخابات حرة ونزيهة على قانون تعدد الاصوات ، الا ان الحياة الحزبية الحقيقية ، والحكومات الحزبية لم يكتب لهما العودة للحياة ، وخاصة لعدم وجود احزاب قوية ونابعة من الداخل الاردني وتتبنى قضاياه ، ولرفض الغالبية العظمى من الشعب الاردني الانخراط في هذه الاحزاب ، بل رفض تواجدها وتشكيلها للحكومات . لعدم الثقة بها وخاصة بعد ما جلبته بعض الاحزاب العربية من انقلابات وصراع على السلطة في بلادها ، ثم ما سببته من قتل ودمار وخراب اثناء الربيع العربي . ولذا فقد كان يتم تشكيل الحكومات عن طريق تكليف جلالة الملك لأحد الشخصيات بتشكيلها والذي كان يعمل على تشكيلها من مجموعة من الاشخاص لا يجمع بينهم جامع سوى معرفة الرئيس الملكف ببعضهم ، وفرض البعض الآخر عليه من قبل مراكز القوى . وان تكون تمثل جميع المحافظات الاردنية ومعظم عشائر الاردن وخاصة الكبرى منها ، ودون الاخذ بمعيار الكفاءة والقدرة والتخصص .
وبالنسبة لمجلس النواب وبعد الغاء قانون الانتخاب الذي جرت عليه الانتخابات في عام 1989 ، فقد اصبح كل مجلس يأتي على قانون انتخاب يختلف عن الذي سبقه وعلى نظام الصوت الواحد والذي يجعل من تشكيل قوائم انتخابية ذات برنامج انتخابي موحد مستحيلة مما حول هذه المجالس الى مجالس خدمات ، ومما جعل الغالبية العظمى من المواطنين. يقاطعون هذه المجالس ترشيحاً وانتخاباً ، وبالتالي افراز مجالس ضعيفة غير قادرة على القيام بواجباتها التشريعية بشكل سليم ، ومنتخبة على اسس عشائرية او اسرية ضيقة او عن طريق المال الاسود او التدخلات الامنية .
وهنا اخذت المطالبات بتغيير نهج تشكيل الحكومات وانتخابات مجالس النواب دون ان يطرح احد طريقة عملية وممكنة التطبيق . الا ان جلالة الملك الراحل العظيم الحسين بن طلال كان قد وضع اصبعه على الجرح عندما اقترح اسلوب العلاج بالدعوة لدمج الاحزاب الاردنية والتي كان يبلغ عددها بالعشرات في ثلاث او اربع احزاب تمثل اليسار واليمين والوسط والديني ، وان تجري الانتخابات النيابية بينها لتحديد الحزب او الاحزاب ذات الاغلبية لتعمل على تشكيل الحكومة . وكان يرحمه الله يردد كلمة ان الازدحام يعيق الحركة . الا ان هذه الدعوة لم تلقى اي استجابة من الاحزاب التي رفضت عمليات الدمج ولا من المواطنين الرافضين لتشكيل الحكومات الحزبية .
وفي عهد صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين ، اعاد طرح هذه الفكرة مراراً وتكراراً ولكن دون جدوى . كما اصدر اوراقه النقاشية السبعة ، والتي تناول فيها مختلف جوانب الحكم وضرورة تشكيل الاحزاب الاردنية القوية الفاعلية والتي تحمل الهم الاردني ، وتشكيل الحكومات الحزبية ، واستقلال السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وتحديد اختصاصاتها وعلاقتها ببعضها البعض . وغير ذلك من الامور والتي لو تم العمل بها لاصبح الاردن رائداً في مجال الديمقراطية والعمل الرشيد . وكانت الجهات الحكومية تلقي مسؤولية عدم تنفيذ هذه المطالب الملكية على الاحزاب والمواطنين ، وتقول انهم غير جادين للسير على هذا الطريق ، فيما هم كانوا يلقون المسؤولية على الجهات الحكومية بأنها غير جادة في تنفيذ هذه الفكرة وانها تضع العراقيل امامها .
ولذا استمر النهج كما هو في تشكيل الحكومات ومجالس النواب والتي كان يزيد فيها الترهل والمحسوبية والعجز والفساد الى درجة اصبحت لا تطاق واصبحت اوضاع المواطنين تسير من سيئ الى اسوء
عندها وبطريقة مفاجئة اعلن جلالة الملك عبدالله الثاني تشكيل لجنة ملكية لتحديث المنظومة السياسية واعداد مشروع قانون للانتخاب وآخر للاحزاب ، واقتراح التعديلات الدستورية التي يتطلبها هذان القانونان . بالاضافة الى وضع توصيات للتشريعات المرتبطة بالإدارة المحلية وتمكين الشباب والمرأة . وعهد جلالته الى دولة السيد سمير الرفاعي راسة هذه اللجنة والتي ضمت اثنان وتسعون شخصية يمثلون اتجاهات وتيارات متعددة . صحيح انها لا تمثل كل الاتجهات والتيارات ، ولكن اعتبرها البعض نقطة انطلاق مناسبة . الا ان الكثير من المواطنين استقبلوا تشكيل هذه اللجنة بالكثير من التشكيك ، سواء بشخوصها وخاصة رئيسها ، او بالهدف منها . و كانوا يطالبون بضم اشخاص مقترحين من قبلهم ، واستبعاد معظم اعضاءها منها .كما تم طرح الكثير من الافكار ووجهات النظر المختلفة لمشاريع القوانين المقترحة. وعندما اُعلنت مخرجات هذه اللجنة زادت حدة الهجوم عليها ، وكل لمصالحه الخاصة ، فقد رآى البعض بها انها تهميشاً لهم وتقليلا، لتمثيلهم في مجلس النواب القادم ، وابدى البعض رفضهم المطلق للحكومات الحزبية وابدوا تخوفهم من سيطرتها على المفاصل الهامة للدولة الاردنية وخاصة الاجهزة الامنية وامكانية اختراقها وتوريطها بالسياسية بعد ان بقيت حتى اليوم بعيدة عنها ، وذلك لعدم ثقتهم بها . فيما عارضها البعض بأنها لم تعطي الاحزاب التمثيل الذي يكفل لها تشكيل حكومات حزبية .
لذا. ولمحاولة طمأنة مختلف الاطراف ، فقد جعل جلالة الملك من نفسه ضامناً لوصول مخرجات اللجنة للسلطة التشريعية دون ان يطالها التغيير والتبديل . وجاءت توصيات اللجنة بالتدرج في نسبة التمثيل الحزبي في الحكومة بحيث تكون في البداية تمثل بنسبة 35 % في الدورة الانتخابية الاولى . وفي التي تليها تصبح النسبة 50 % . وفي التي تليها 65 % . وهي نسبة تسمح بتشكيل حكومات حزبية في حينها . وكانت هذه المدة ضرورية حتى يتم تمرير القوائم الحزبية بسلاسة وبشكل تدريجي يمكن من ايجاد احزاب فاعلة وقادرة وذات تجربة للعمل النيابي والحكومي ، وبنفس الوقت يعطي لجميع فئات الشعب فرصة للمشاركة بالعمل الحزبي ، ويجعل المواطن العادي يثق في هذه الاحزاب وفي عملها وازالة هاجس الخوف منها . ولهذا كانت التعديلات الدستورية التي اقترحتها اللجنة الملكية ، ولهذا كانت التعديلات التي قدمتها الحكومة الاردنيه وعدلها مجلس النواب فيما يتعلق بمجلس الامن القومي وتشكيلته واختصاصاته ، اذ انه لا يمكن ان ننطلق وبخطوة واحدة وبعد مائة سنة من عمر الدولة الاردنية ، من مرحلة عدم الثقة ما بين الدولة وما بين الاحزاب الى مرحلة تسليم جميع مفاصل الدولة لهذه الاحزاب ، بما فيها تعيين قادة الجيش ومدراء الاجهزة الامنية واعضاء المحكمة الدستورية ، وتعين قاضي القضاة ، ورئيس المجلس القضائي الشرعي ، والمفتي العام ، وتعيين رئيس الديوان الملكي الهاشمي، ووزير البلاط ،ومستشاري جلالة الملك . وان يكون تبديل وتغيير هؤلاء المسؤولين بيد الاحزاب وحسب الحزب صاحب الاغلبية ليصبحوا من اعضائه قبل ان تنضج هذه التجربة الحزبية وتثبت جدارتها . ولغاية اخرى وهي اعطاء المواطن الاردني العادي الاطمئنان بان الحكومات الحزبية لن تقود الاردن الى الفوضى ، ولن توقعنا بما وقعت به دول عربية اخرى قادتها احزابها التي تولت الحكم بها الى الدمار والهلاك ، والى حروب اهلية اوقعت ملايين القتلى والجرحى والمشردين .
وبذلك اكون قد اوضحت ما اعتقد انه المقصود من تشكيل مجلس الامن القومي .
يتبع الحلقة السابعة
مروان العمد
٤ / ٢ /٢٠٢٢
ملاحظة / جميع ما ورد في هذه الحقة وسيرد في الحلقات القادمة من مقالتي يمثلني انا ، ويعبر عن رأيي الشخصي .واحترم رأي ووجهة نظر كل من يخالفني في ذلك .