الأنباط -
للشاعرة الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف
أجتزتُ عُمرِى بِدُونِ فِهمٍ لِلحكاية، وفِى البِلُوغِ قرأتُ أكثر عنِ المشاعِر وأسرار حُبٍ فِى خِطابٍ لا يلِيقُ فِى زمانِى... فكبُرتُ أحلُم بِبقايا عِطرٍ لا يُفارِقُنِى الحقِيبة، فكتبتُ أروعَ أبياتَ شِعرٍ لِوصفِ حُبٍ أطاحَ بِى فِى خيالِى
وشغلتُ نفسِى بِالكِتابة عن مشاعِر بٍدُونِ ترجمةِ الحقيقة، داومتُ فِيها لِوصفِ حالِى، وبنِيتُ قصراً مِنْ هباءٍ، إلا أنُه أطاحَ بِى عابِثاً بِوِجدانِى... ولا أدرِى كيفَ قاومتُ العواصِف فِى إِشتِدادٍ، غيرُ أنِى قد سقطتُ بِدُونِ حبلٍ ينتشِلُنِى مِن كبريائِى
فركضتُ نحُوه كمِثلِ أُخرى قرأتُ عنها فِى حِكاياتِ الطِفُولة، وإنهزمتُ كمِثلِ بُركانِ ثائِر فِى إجتِياحِى... عنّفتُ نفسِى فِى إنتِقادٍ لِكى أعُودُ لِبداياتِى، ولكِن سُجِنتُ وقتاً فِى ذِكرياتِى، وكأن خِنجر قد غرسَ رُوحِى مُعلِناً إستِسلامِى
كفكفتُ دمعِى ثُمّ إنغلقتُ طُوالَ وقتِى معزُولةً فِى دِيارِى، وغزّلتُ له بِضعِ كلِماتٍ حزِينة تُناجِى طيفُه، ورسمتُ أوصافُه سعادة فِى حِرُوفِى... ولا أدرِى كيف أهرُب مِنْ أشباحِ ماضٍ تهِيمُ بِى تمدُداً فِى سحابِى؟، رُغمّ أنِى حاولتُ حقاً ترمِيمَ ذاتِى
تعايشتُ بُرهة مع الجِراحِ تهِيجُ بِى، ثُمّ سقطتُ كما البِداية لا يدَ لِى بِغيرِ حِيلة مِن عليائِى... ناديتُ حولِى علىّ أراه فِى أى شطرٍ أو مكانٍ، حلُمتُ أنُه يقرأ سِطُوراً مِن كِتاباتِى، ولكِن جاء إختِفائُه لُغزاً عجِيباً يعصِف بِأركانِى
يُلاحِقُنِى طيفُه فِى المنامِ أو أى وقتٍ فأبتِسم، أحلُمْ يعُودُ إلى رشادِه، فيأتِى صوبِى، يجذِبُنِى مِن أنقاضِى... فتشتُ عنِى فِى كُلِ رُكنٍ مِن أبياتِى، وعجزتُ أرجع إلى نفسِ ذاتِى القدِيمة، تشتدُ بِى صفعاً كأنِى فرِيسة لِأفكارِى
آمنتُ يوماً بِأن لِقائِه قد لا يعُود فليست تِلك هى القضِية، ولكِنِى أنظُر لِتِلك السجِينة داخِل ضِلُوعِى لِكى أفِيقُ مِن أوجاعِى... حمّلتُ حالِى أشياءَ عِدة، صدقتُ صوتاً يرتدُ بِى لِكى أدُورُ وراءَ ظهرِى، وألقيتُ نظرة تشتبِك بِأشجانِى
خبئتُ حُبِى عنِ العِيُون، وجلستُ وحدِى وراءَ ورقِى أكتُب كثيراً لعلّى أنسى، تُلاحِقُنِى نحُوه أشباحَ أُخرى تُريدُ طعنِى وإيهامِى... والآن أمحُو تِلكَ الرسائِل، ومعها صوتُه مِن رناتِى، يقهُرُنِى حُزنِى، ولكِنّ وجهُه ينغرِسُ فِى عتباتِى
فكيفَ أعبُر مِن زمانِى لِزمان آخر مِن غيرِ حُبِه أو دِفءِ كلِماتِه؟ توقفتُ عِندِى بِغيرِ ركضٍ أو هِرُوبٍ مُستسلِمة لِأقدارِى... تُطالِعُنِى عينُه تحت الغِطاءِ فِى كُلِ يومٍ، أكادُ أراها فِى أعلى سقفِى، محفُورةً على كُلِ أشيائِى
فقدتُ رُوحِى لِكى أُحِب، وعِند إنفِجارِى أحستتُ جبلاً مِن الجليدِ ينهارُ كُلُه، فيأخُذُنِى نحُوه بِغيرِ لمسٍ أو إقترابِى... عاتبتُ أمرِى كى لا أُبالِى بِما كانَ مِنه، فالذنبُ ذنبِى لِأنِى أُحِبُه مِن أعماقِى
أُرِيدُ إبتِعاداً بٍدُونِ التّذكُر ومحو إسمُه مِن ذراتِ رمادِى، فألُومُ نفسِى مملُوءة شِرُوخاً مِن كُلِ جانِب على خُذلانِى... أنكرتُ أنِى قد كُنتُ طِفلة بِطعمِ أُنثى لِسماعِ صوتُه وضِحكاتُه، ولكِن خُدِعتُ بِغيرِ إضِطرارٍ لِتصدِيقِ كذِبُه ونُكرانِى
قد كُنتُ أدرِى بِأنِى وقعتُ أسِيرة غرامُه، ولكِنِى هيأتُ نفسِى بِأن الرِجُولة ستُنهِك ضميرُه وتُوقِظ شرارة باتت تدُورُ فِى جُلِ عقلُه لِإرضائِى... تصورتُ حِيناً بِأن الرِجُولة ستنسابُ حتماً إلى دقاتِه، فيمِيلُ نحوِى عاصِفاً بِرغباتِى
قد أخبرتنِى تِلكَ الوِسادة بِأن حُبُه فِيه إستِحالة، وبِأنِى أعلم قوانِينَ لُعبتُه الثمِينة، وبِأنِى تركتُ نفسِى لِآهاتِى... ولكِنِى لا ذنبَ لِى فِى إنهِماكِى، كما لا ذنبُ لِى بِأنِى أُحِبُه، وبِأنِى أرتبكتُ أعظم حماقاتِى