الأنباط -
تعودنا وتربينا على ان نكهة طبيخ امي ما له مثيل.. حتى اصبح مديح طبخة غيرها يعد منقصة.. وبعد ان تزوجنا اصبحنا "نقاهر" زوجاتنا بنكهة طبيخ امهاتنا.. ويجب ان نتغنى بتلك النكهة.. حتى وان كانت هناك نكهات افضل او الذ.. ولكن هكذا هو تعنتنا وحبنا لامهاتنا.. يجعلنا نفقد الكثير من اطايب الطعام.. ويمنعنا من التلذذ بما يقدمه الاخرون.. حتى وان شعرنا بان ما نتذوقه خارج اطار مطبخ امهاتنا ونكهاته الطبيعية سوف نخسره باضافة نكهة مطبخ امهاتنا عليه.. فلا بد من اجبار زوجاتنا لاضافة تلك النكهة حتى وان خسرنا النكهة والطعم الاصيل الذيذ للجديد من الطعام..
للاسف الشديد اجد ان هذه الحالة التي تربينا عليها اصبحت ديدننا في الكثير من التعاملات الحياتية.. واصبحت هي المُسَيرة لنا في اتخاذ الكثير من قراراتنا.. حتى المصيرية والمفصلية منها..
فعندما يُطلب من لجنة ما.. ان تضع تصور لتشجيع الاستثمار واستغلال الموارد والمقومات الأردنية.. تجدهم يبحثون في مخيلاتهم عن ذلك التصور اولا.. وحتى يكون متوافقا مع العقلية والطبيعة الاردنية..
وان عرض احد افراد تلك اللجنة فكرة استنساخ تجربة ريادية ناجحة تمت في احدى الدول.. تجدهم سرعان ما يتفقون على ان تلك التجربة جيدة وجديرة بالنقل.. فيشعر صاحب الفكرة بالسعادة.. لان شيئا جديدا سيدخل للاردن..
"ولكن" يجب علينا ان نقوم بتعديل تلك التجربة لتتوافق مع رغبات ومصالح البعض منا.. او لا تؤثر على مناطق نفوذ مجموعات منا.. او لتصب في مصلحة بعض المتنفذين..
فيجب وضع النكهة الاردنية عليها حتى وان تم قلب تلك التجربة رأسا على عقب..
وعندنا يتم تشكيل لجنة لتعديل قانون الانتخاب مثلا.. تجدهم اعرف الناس في تجارب العالم.. وما اسفرت عنه تلك الانتخابات من تحسين وقفزات لمسيرة تلك البلاد..
"ولكن" وجب ادخال النكهة الاردنية على هذا التقليد والعرف المتبع في جميع الدول الناجحة والتقدمة.. وهنا لا بد من ان نشهد ولادة شيء تشعر بانه لا يمت لنا ولا لاحد بِصِلة.. كالشيء الهجين الشاذ.. الا انه -والحمد لله- خُتِم ووسم بالنكهة الاردنية..
وقس على ذلك ما شئت.. فالشواهد كثيرة.. والعراقيل نشاهدها في كل مكان وزمان.. والشماعة التي يعلقون عليها ولادة الشاذ من القرارات والتعليمات هي النكهة الأردنية وخصوصية مكونات طبختنا..
فإلى متى سنبقى نرتهن الى النكهة الاردنية.. بحجة الاصالة.. والخصوصية.. وعدم الجاهزية.. والصعقة التي قد تصيبنا في حال مقارنتنا بشعوب متحضرة سبقتنا في التجارب بعشرات السنين.. واثبتت انها ناجحة وقابلة للتطبيق منذ اليوم او يوم غد؟!..
وإلى متى ستبقى تلك اللجان تتعامل معنا بطريقة اطعام ثلث البطن دونما الاشباع الكامل؟!..
الا يستحق هذا الشعب بان يواكب ما وصل اليه شعوب العالم؟!.
الا يستحق هذا الشعب بان ينعم بالشيء الكامل غير المنفوص؟!..
الا يستحق هذا الشعب بان يفرح عند سماعه بتشكيل لجنة ما؟!..
الا يستحق هذا الشعب بان يرقص فرحا من نتائج ومخرجات اي لجنة.. دونما الشعور بالغصة والاحباط؟!.
الا يستحق هذا الشعب بان تصبح له نكهته الحضارية المرتكزة على اصالته.. وان لا تكون هي سبب تعاسته وتأخره وعدم الحصول على مكتسباته؟!.
توقفت مجبرا عند هذا القدر.. ففي العين شعيرات اختلط دمها بدمع العين.. والقلب اصبح لا يقوى على الاستمرار بالاعتصار الما لما يشعر به من غصات واوجاع وطنية..
ابو الليث..