الأنباط -
كانت مفاجأة سارة جدًا، عندما زارني في العيد جاري، الأخ الطيب معاذ نواس والسيدة عقيلته، مُصطحِبين معهما كريمتهما الصغيرة التي أسمَاهَا (يافا).
الطفلة (يافا) نواس، جميلة وبهية وتشع نورًا وتفيض أدبًا، تمامًا كما هي (يافا) المدينة الفلسطينية السليبة، التي أعلنها الصهاينة بعدما احتلوها في حرب 1948 خَطوة في الخَطوات والأهداف التوسعية الاستعمارية لتذويب الهوية القومية العربية من مُدننا وقُرانا الفلسطينية، من خلال اعتداءاتهم المتواصلة على حقوقنا وأرضنا وتاريخنا وتراثنا، وشطبهم أَسْماء التجمعات السكانية العربية الفلسطينية السليبة، بدعم حَربي ومَادي ومَعنوي وإعلامي واقتصادي من جانب العواصم والقوى الإستعمارية الدولية المختلفة، التي تريد وللآن، تحويل العَالم العربي، وغيره من عَوالم الإنسان، إلى مزرعة موز لها، وطَمس هويات شعوب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية و (العالم الثالث) كما يُسَموننا في قاموسهم الاستكباري والإمبريالي، وخسئوا، لأن مُستقبل العَالم إنّما تقرِرَهُ شعوبِه الشريفة والمتآخية وحامِلة الإنسانية للإنسان والأجيال المُقبِلة، لتعيش سويًا في مُجتمع السلام والمَحبة والإخاء البشري الواحد.
قبل زيارة عائلة نواس الكريمة إلى بيتنا لم يَدر في خلدي وفي تفكير زوجتي يومًا، أن نلتقي (يافا) في دارتنا بالذات، لنعيد قراءة التاريخ والجغرافيا وعِلم الآثار المَسفوك دمها صهيونيًا. كذلك، سُرِرنا لحسن ورُقيِ وعميق تفكير والديها اللذين سمّياها بهذا الاسم المجيد، إذ أنهما قد أدركا الأهمية القصوى لإطلاق أسماء مدن وقرى ونواحي وعَمَائِر فلسطين التاريخية على المَواليد الجُدد لأبنائنا وبناتنا حِفاًظا على وطننا الربّاني؛ الذي اختاره الله موئِلًا ومُستقرًا لرسائله السماوية القُدُسية للبشر ولأنبيائه؛ خشية ضياعه في غياهب الأكاذيب والفبركات والادعاءات الصهيوغربية، التي تزعم بأن فلسطين بعُمرها المُمْتد لألوف السنين المَطوية، وبما فيها من شعب عريق ومواقع سكانية مزدهرة، إنما هي (يهودية) وصهيونية، إذ أن الاستعماريين الجُدُد الذين لفظهم التاريخ القديم وجغرافيته على اتّساعها العالمي، عادوا على شاكلة شياطين أرضية ليتدثروا بذات البراقع النتنة والأسمال السياسية والفكرية المُهَلهَلة والبَاطلة التي رَحَّلها المَنطق إلى جهنم، مُتدثرين بِمَا يُسمّى (اليهوذية) تارةً، ومُحتَمين بِ (الموسوية) تارة أخرى، سعيًا منهم إلى صناعة تاريخ لهم في ترابنا، تمهيدًا لفصلنا عنه.. ولن يتمكنوا.. فخسئوا إلى يوم الدِّينونة الكُبرى.
أعتقد أن تَسمية المواليد الجُدد من الجنسين، وتسمية المؤسسات والمصانع والشركات العربية والإسلامية بأسماء مدن وقرى ومناطق ونواحي فلسطين، إنما هي مهمة وطنية وقومية وضرورة ولازمة عربية وإسلامية ومسيحية أممية. ففلسطين هي قلب العَالم وروحه، لأنها عين الله الساهرة على هويتها وقسماتها التي أبدعها المولى للبشر أجمعين، وصَنَعَ فيها تاريخ الدنيا غبطةً وعَلمًا وسندًا للإنسان، كل إنسان، ليَسعَد ويَبتهج بها.
تسمِية الطفلات والأطفال الجُدُد بأسماء مدننا ونواحينا الفلسطينية، وكذلك بأسماء تلك الفيافي والجِنان العربية غير الفلسطينية التي يسود الاحتلال الصهيوني عليها منذ سنوات طويلة، هي مهمة قومية ووطنية وإنسانية، تضامنًا مع الحق والحقيقة، وإحياءً لرسالة شهدائنا العرب وغير العرب بمواصلة نضالنا المشروع لاستعادة أرضنا المُعذبة استعماريًا، وتخليدًا لفلسطين في تعاقب الأزمان منذ (أرض كنعان) العربية التي لا زالت خالدة بذات شخصيتها. وإلى جانب ذلك، يُعتبر هذا الأمر التَعبير الأوضح عن الوطنية العَالية، والتمسّك بشرعية القضية الفلسطينية أمام الذات وبلدان وأُمم المَعمورة، ومؤسساتها السياسية وغير السياسية.
وليس أخيرًا في أهمية ما تناولته في هذه المقالة القصيرة، أن أطفالنا الذين يحملون هموم فلسطين ووطننا الكبير، سيشبّون على عقيدة محبة الوطن الصغير والكبير في آن واحد. ففلسطين هي لجميع البشر أنصار العدالة والمساواة والحرية والإنسانية، ولا تَقتصر مَحبتها على الفلسطينيين والعرب مِمَن يجب أن يَشبّوا على قواعد وركائز هذه القِيم، وصولًا لتعرية صَفاقة الاحتلالات وشيطانيتها ولا قانونيتها، وليتّسقوا مع ذواتهم في كل مَجال وَحقل، ومع كل زَرْعٍ وطني وقومي وأُممي.
.../..؛