نايل هاشم المجالي
تحكي الاسطورة الافغانية القديمة ان هناك ارتباط حتمي عند معظم الناس بين الشاي والسكر ، حيث ان المواطنين الافغان لم يعتادوا على تحلية الشاي بالسكر كما نحن معتادون ، وهو ما يترتب عليه عدم اهمية وجود السكر عندهم كسلعة اساسية في الاسواق ، وظلت الامور تسير على هذا المنوال حتى قرر احد التجار الافغان الكبار عمل مصنع للسكر ، وما ان تم الانتاج حتى امتلأت المستودعات بالسكر دون تصريف ، فليس هناك اي اقبال من قبل المواطنين الافغان على شراء السكر ، لذلك تكدس السكر في المخازن .
والتحلية عندهم تتمثل بشكل رئيسي في الفواكة حتى ان بعضهم كان يضع قطعاً من الفاكهة في الشاي لتحليته ، لذلك تفاقمت ازمة صاحب المصنع الى ان لجأ الى فكرة لمواجهة تلك الازمة التسويقية ، حيث اتفق مع احد رجال الدين المعروفين ولديه شعبية كبيرة من اجل ترويج السكر مقابل حصول رجل الدين على نسبة 10 بالمئة من الارباح وتم ذلك ، ففي صلاة الجمعة التي اعقبت الاتفاق صعد رجل الدين المنبر وخطب في الناس قائلاً ايها الناس انني قد رأيت ليلة امس في منامي احد ملائكة الرحمن وهو يأمرني بضرورة شرب الشاي بعد تحليته بالسكر ، حيث يعتبر السكر من رحيق زهور الجنة ومن يشربه له في كل رشفة الف حسنة وفي كل كيلو يشتريه الفي حسنة اللهم قد بلغت اللهم اشهد بذلك ، وما ان انتهت الصلاة حتى هرع البسطاء يطلبون الثواب من تاجر السكر ، وخلال يومين كانت المخازن قد فرغت ، حيث اشترى الناس كامل الكمية وكدسوا في منازلهم للحصول على الحسنات ، وعاد المصنع ليعمل بكامل طاقته الانتاجية .
بعد ذلك ذهب رجل الدين الى تاجر السكر ليطلب نسبة ارباحه المتفق عليها ، الا ان التاجر الجشع قد نكف العهد والاتفاق وعرض عليه الحصول على نسبة 1 بالمئة فقط بدلاً من 10 بالمئة ، فغضب الشيخ وقرر الانتقام وفي خطبة الجمعة ، تحدث الى الناس قائلاً : ايها الناس انني قد رأيت الملاك نفسه الذي اخبرني بثواب السكر في منامي امس وقد حذرني من نوعية السكر المتداول في بلدنا حيث انه مخلوط بعظام الموتى المطحونة ومن يضعه في الشاي يلحقه اثم فحذاري حذاري من هذا السكر اللهم اني قد بلغت اللهم اشهد ، وما ان انتهت الخطبة حتى ذهب الناس الى بيوتهم والقوا كل ما لديهم من السكر في القمامة وعاد الكساد الى المصنع، حتى ذهب صاحب مصنع السكر الى منزل شيخ الدين واعتذر منه وطلب منه اعادة ترتيب الأمور مع زيادة النسبة الى الضعف لتصبح 20 بالمئة ودفع له النقود المستحقة .
وفي الجمعة التالية صعد الشيخ الى المنبر في الجامع وقال للناس ايها الناس لقد شرفني الملاك بزيارته الكريمة للمرة الثالثة وسألني لماذا تضيعون ثواب شرب الشاي مع السكر فسالته وماذا عن الارواح الخبيثة وعظام الموتى ، فأخبرني بأن هناك حلاً لتلك المشكلة من اجل الحصول على الثواب حيث يكفي ان تضع الملعقة في الشاي وتضرب بها السكر لأكثر من مرة فتهرب الشياطين وتنعمون بعدها بثواب السكر اللهم قد بلغت اللهم اشهد .
وهكذا عاد المصنع لينتج السكر ويباع بكل سهولة واصبح السكر سلعة اساسية في افغانستان فلكل فتوى ثمن والفتاوي اصبحت تسوق الاستثمار وتروج له واصبحت سياحة واقتصاد واصبحت المنابر مكان ملائم لذلك وفي كثير من الدول اصبحت فتاوي سياسية .
Nayelmajali11@hotmail.com