بينما ينشغل الجمهور الكروي في أوروبا بشكل خاص وبقية دول العالم بمتابعة مباريات الدوري بالبطولات الخمس الكبرى في أوروبا، هناك حدث كروي مرتقب يحل بعد أيام، وهو انتهاء إيقاف الفرنسي ميشيل بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي السابق، عن ممارسة أي نشاط متعلق بكرة القدم، وهي العقوبة التي دامت أربع سنوات.
قد يكون رد فعلك تجاه الخبر هو الاستهجان والذهول من مرور أربع سنوات بهذه السرعة، وأن تدرك أنك تتقدم بالعمر، في حين يبدو مسؤولو كرة القدم المشكوك في نزاهتهم أصغر سناً.
وحتى الآن لا يزال بلاتيني يطارد الساحة الكروية العالمية. وبعد أربع سنوات من الإيقاف، يحاول الفرنسي التشبث والانقضاض على إرثه، وهو إرث شخصية ربما تُعد الأكثر إثارة للاهتمام في منظومة كرة القدم العالمية بالتاريخ الحديث. كيف لا وهو الذي توجد بصماته في كل مكان.
فمثلاً في كل عام يشهد العالم نهائي بطولة الدوري الأوروبي، البطولة التي ابتكرها بلاتيني -بعد عزف أنغام نشيد البطولة الذي ألفه صهر بلاتيني السابق، على الملعب الأولمبي الذي افتتحه ميشيل بلاتيني، في العاصمة الأذرية باكو.
لكن ما سيحدث بالتأكيد هو مجرد رفع شكلي للإيقاف وليس عملياً، بمعنى أن بلاتيني لن يستطيع العودة إلى أي منصب إداري قريباً. إنه يقاضي الجميع بالوقت الحالي،وخضع للاستجواب في يونيو/حزيران الماضي، ضمن تحقيقات الشرطة في تهم فساد تتعلق بكأس العالم 2022، وشن هجوماً صريحاً على السويسري جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، قائلاً إنه لا يتمتع بالمصداقية.
النجم الفرنسي السابق إريك كانتونا الذي يرى نفسه معارضاً مباشراً لبلاتيني، خرج ليصف مدربه السابق بأنه منافق ومحتال، وأن الاختيار بينه وبين بلاتر مثل «الاختيار بين الطاعون والكوليرا».
وكتب الصحفي البريطاني بارني روناي في صحيفةThe Guardianالبريطانية، أنه حتى قبل إيقاف بلاتيني بسبب الاشتباه في قبوله رشوة، كان يُنظر إليه في بريطانيا على أنه مهرج كثير الأخطاء تسيطر عليه أفكار التنظيم المالي واستعادة هيمنة الأندية الكبرى، فضلاً عن فشله -عكس السويسري سيب بلاتر رئيس الفيفا السابق ونائبه السابق الترينيدادي جاك وارنر- في إخفاء كرهه للكرة الإنجليزية.
يُعد بلاتيني صاحب فكرة إقامة منافسات يورو 2020 -التي ستُقام بعد نهاية الموسم الحالي- في عدد من البلدان بدلاً من بلد واحد، وهو الذي دافع بشدة عن إقامة نهائيات كأس العالم 2022 في قطر.
كان الصراع للسيطرة على كرة القدم الأوروبية دائماً بمثابة سمة مميزة لبلاتيني، وهو الأمر الذي ربما أدى إلى سقوطه في النهاية. وللمصادفة فإن هذا الأسبوع سيشهد مرور 12 عاماً على أول اجتماع لمجلس استراتيجية كرة القدم المحترفة في الاتحاد الأوروبي، وهي منصة أنشأها رئيس الاتحاد الأوروبي المنتخب حديثاً آنذاك ميشيل بلاتيني لعرض «أفكاره وفلسفته» عن إدارة كرة القدم الأوروبية.
كانت هذه التغييرات جذرية ولم يكن هناك أي توسع في رأس منظومة كرة القدم الأوروبية. كان هناك اهتمام بمسابقات الكأس المحلية، واقترح بلاتيني أن تكون نسبة 75% من جميع المتفرجين في النهائيات الكبرى من مشجعي الأندية وليس من ممثلي الشركات والرعاة والشخصيات المهمة.
هذا هو الجزء الأكثر إثارة للاهتمام في قصة بلاتيني، ومثال آخر على إغراءات كرة القدم التي لا تُقاوم وتأثيرها على النفس البشرية لتصيبها بالطمع والفساد. إذا أردت أن تفهم دوافع بلاتر للفساد، كان عليك ببساطة مشاهدته وهو يعانق كأس العالم ويدللها على المنصة في مقر الاتحاد الدولي بمدينة زيورخ السويسرية.
إذا كان الفرنسي يريد التزام مبادئه الخاصة وإيجاد نوع من الضمير الرياضي، لكن انتهى به المطاف متخلياً عن قِيمه المثالية بشأن الأندية الكبرى ومواردها المالية الضخمة، وأُوقِف عن ممارسة أي نشاط متعلق بكرة القدم، بسبب تهم فساد.
وخلال منافسات يورو 2016 التي احتضنتها فرنسا، كان بلاتيني يتجول بشوارع العاصمة الفرنسية باريس متخفياً في نظارة سوداء وقبعة، وهو الذي طالما سرق الأضواء بالملعب لاعباً ومدرباً ومسؤولاً.
لم تُكتب نهاية عصر بلاتيني بعد، لكن ربما لن يصبح هو نفسه بعد ذلك، فالحقيقة أنه الآن ليس سوى مجرد مسؤول سابق فضولي مَنفي، ومعادٍ للمسؤولين الحاليين.