الانباط-عمان
لهذا الوطن محطات حولت مجرى التاريخ، ووضعت ركائز لما نشهده اليوم من مواكبة لكافة التطورات وعزيمة في وجه التحديات، وكان الاستقلال في الخامس والعشرين من أيار لعام 1946 محطة فارقة في تاريخ الدولة الأردنية وانطلاقة على ذات الثوابت التي بدأت منذ الثورة العربية الكبرى، وتجلت في تأسيس إمارة شرق الأردن، ومضت القيادة الهاشمية من عهد جلالة الملك عبد الله الأول حتى عهد جلالة القائد الأعلى الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله تسطر إنجازاتها وترسخ قواعد الدولة على أساس من القيم الإسلامية والعربية التي نهضت بدور الأردن في خدمة الأمتين العربية والإسلامية، وشهدت جوانب الحياة كل تطور وتحديث يخدم هذه الدولة الفتية والتي تزداد منعتها وصلابتها يوما بعد يوم، وها هي اليوم في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني تثبت مكانتها في العالم بفضل رعاية جلالته واهتمامه ودعمه الدائم للحفاظ على مكتسبات الدولة والبناء عليها، والذي تحقق بتوجيهه على الدوام لتطوير قدرة مؤسسات الدولة نحو مواكبة المستجدات بما يخدم مصلحة الوطن والمواطن.
وكانت مديرية الأمن العام كما سائر مؤسسات الوطن وقطاعاته محل رعاية واهتمام جلالة القائد الأعلى، فوصلت إلى مستوى متقدم بين نظرائها على الصعيدين الإقليمي والدولي وصولا إلى جهاز أمن عصري على نهج شرطي حديث.
لقد حققت مديرية الأمن العام التي كانت نواتها الأولى مع بداية تأسيس إمارة شرق الأردن تحولا في أداء واجباتها لتتجاوز الوظائف التقليدية إلى وظائف تحمل في جوانبها _ فضلا عن الجانب القانوني _ جوانب اجتماعية واقتصادية وإنسانية، وشهدت تطويرا في كافة المجالات سواء من حيث الواجبات التي تشعبت وتعددت في إطار مفهوم الأمن الشامل، أم الأدوات والأساليب التي واكبت كل ما استجد في عالم مكافحة الجريمة وتقديم الخدمة الأمنية، فوظفت كافة التقنيات الحديثة سواء في تقديم الخدمة الأمنية والمرورية، أم في مجال كشف الجريمة وملاحقة مرتكبيها ، وطورت في هذا الشأن عمل وحداتها المعنية بمكافحة الجريمة وأدخلت كافة التقنيات والفنيات اللازمة ليحقق الأمن العام أهدافه في حماية الوطن والمواطن.
ومن منطلق واجبها في حماية الأرواح والأعراض والممتلكات_ الهدف الأول والأساس _ عززت انتشارها الأمني في كافة مناطق المملكة، وزادت من أعداد مديريات الشرطة والمراكز الأمنية التي تقدم خدمات شرطية شاملة، وغطت مناطق البادية الممتدة ورسخت علاقتها مع المجتمع المحلي، ومنحت شعورا متزايدا بالأمان والاطمئنان بنشرها للمحطات الأمنية على الطرق الخارجية التي تقدم خدماتها للمسافرين على تلك الطرق.
ونهوضا بواجبها بالحد من الجرائم واكتشافها وملاحقة مرتكبيها، وبناءا على توجيهات جلالة الملك ، فقد اعتمد الأمن العام التخصص النوعي في التعامل مع الجريمة وأنشأ وحدات مختلفة تكافح الجريمة وتشارك المجتمع في التوعية منها، من أبرزها الأمن الوقائي، والبحث الجنائي، وحماية الأسرة، وشرطة الأحداث، ومكافحة المخدرات، وحماية البيئة.... فيما تتكامل الجهود بين هذه الوحدات بالإضافة لمديريات الشرطة وقوات البادية الملكية في تنفيذ حملات أمنية وعمليات مداهمة تسعى لإلقاء القبض على المطلوبين وضبط ما يمنعه القانون، وتضع حدا للجريمة قبل وقوع آثارها على المجتمع، وتشكل ردعا لكل من يتعدى على مقدرات الوطن وثرواته.
وإذ تنهض الإدارات المرورية بواجب تنظيم حركة السير على الطرق ومراقبتها، فقد أوكل جلالة الملك عبد الله الثاني إلى الأمن العام الجزء الأكبر من مسئولية الحد من حوادث السير ونتائجها، ودعم جلالته الجهود المستمرة للارتقاء بأداء الإدارات المرورية وتوظيف التقنيات المساندة في الرقابة المرورية.حيث نفذت خطط مختلفة للنهوض بالعملية المرورية وتعزيز قدرة العاملين في السير والدوريات الخارجية وبالشراكة مع كافة المعنيين، وبحمد الله كانت النتائج إيجابية في خفض عدد الحوادث والوفيات والإصابات الناجمة عنها.
وكان لوعي المواطنين وحسهم المسئول،والمشاركة الفاعلة للمؤسسات الحكومية والخاصة دور كبير في رفع مستوى الوعي والثقافة المرورية وبالتالي انعكاس ذلك إيجابا على واقع المرور في المملكة.
ولقد كافحت مديرية الأمن العام منذ عقودْ، كافة أشكال المخدرات والجرائم المرتبطة بها من حيازة وتجارة وتعاطٍ، وحازت دعما كبيرا من جلالة القائد الأعلى الذي اعتبر ذلك جزءا من حماية المجتمع الأردني وفئة الشباب تحديدا، فبذلت عبر إدارة مكافحة المخدرات جهودا مكثفة في الجانب العملياتي القائم على الإجراءات القضائية والملاحقة للمتورطين في جرائم المخدرات، والجانب الوقائي لنشر الوعي بين أبناء الوطن فنفذت برامج ومحاضرات ودورات أسهمت في تعزيز جهود مكافحة المخدرات.
ومع عشرات دورات أعوان مكافحة المخدرات التي عقدت لمعلمين وطلبة وإعلاميين، انضمت ربات البيوت لأول مرة العام الماضي لهذه الفئة التطوعية الفاعلة، وعقدت بالتعاون مع وزارة الأوقاف دورة للشباب رواد المسجد، لتؤكد دور الجميع في محاربة المخدرات ودرء مخاطرها عن مجتمعنا.
ومارست الإدارة دورا علاجيا في مركز علاج الإدمان التابع لها، أكد مراعاة الجانب الإنساني في التعامل مع الجريمة عموما، وتوجه الأمن العام لرعاية من ينشد المساعدة في ترك الادمان، ومساندة جهود وزارة الصحة في علاج المدمنين.
وحتى تتكامل الجهود في توفير الأمن وإشاعة الأمان، كان على الأمن العام أن يوظف وباستمرار أحدث التقنيات والعلوم في مجال العمل الشرطي، لتعزز جهود كشف الجريمة ومعرفة هوية مرتكبيها، حيث افتتح جلالة الملك العام الماضي المبنى الجديد لإدارة المختبرات والأدلة الجرمية والذي يضم مختبرات جنائية متطورة في إجراء التحاليل البيولوجية والكيميائية ومعالجة الآثار والأدلة الملتقطة من مسرح الجريمة على أيدي كفاءات فنية وعلمية، بلغت من الاحتراف مبلغا جعل الإدارة صرحا تدريبيا يقدم خبراته لنظرائه من الأشقاء والأصدقاء.
وشكل مركز القيادة والسيطرة صرحا يعكس الارتقاء والحداثة التي شهدها الأردن في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني، فبتوجيهات جلالته كان إنشاء هذا المركز الذي يضم منظومة متكاملة من الأنظمة المساندة لوظائف الرقابة والمتابعة والتنسيق، لتسهيل أداء الأجهزة الأمنية في تلبية استغاثة المواطن، عبر تلقي الاتصالات على رقم الطوارئ 911 ، وتوسيع نطاق السيطرة الأمنية عبر كاميرات المراقبة، والارتقاء بمستوى الأداء الشرطي والخدمة الأمنية الشرطية والمرورية.
وفي إطار التوظيف لكافة الإمكانات فإن جناح الأمن العام الجوي، وبطائراته الأربع التي أهديت من جلالة الملك إلى الأمن العام، ينهض بمسئوليات عدة تساند الجهد الأمني والمروري، وجهود البحث والإنقاذ، وتجلى دوره في إغاثة المواطنين وتقديم العون لمن أعاقتهم الحالة الجوية التي سادت المملكة نهاية العام الماضي من الحصول على الاحتياجات الغذائية الأساسية....
وانتقل الأمن العام في رؤيته وممارسته للسياسات الإصلاحية، ليحسن من واقع مراكز الاصلاح والتأهيل، لتتوافق والمعايير القانونية والدولية، ويوفر بالتعاون مع كافة الجهات المعنية برامج رعاية صحية وتأهيلية وتعليمية مختلفة، في 14 مركزا في مختلف مناطق المملكة، تصون كرامة النزيل وتحافظ على حقوقه، وترى في مدة احتجازه فرصة لتقويم سلوكه وانتشاله من ممارسة الجريمة ليعود عنصرا منتجا في المجتمع.
أما وقد أدركت مديرية الأمن العام أن نجاح أهدافها الاستراتيجية لا يكون دون الارتقاء بأداء منتسبيها، فقد ركزت على الدوام على مراجعة منظومة التدريب لديها، وكثفت من برامجها المتخصصة، وأعلنت عن العام الحالي عام التدريب التخصصي كي تصل بمنتسبيها نحو المهنية والاحتراف وتسلحهم بالمعرفة القانونية والمهارات اللازمة لينهضوا بواجباتهم ويتعاملوا مع المواطن في إطار القيم والمبادئ التي يفرضها ميثاق الشرف الشرطي والمستمدة من عادات وتقاليد الأردنيين الأصيلة.
ولأن العملية الأمنية تتطلب مشاركة الجميع، فإن إدارة العلاقات العامة والإعلام الأمني ومن خلال أقسام الشرطة المجتمعية التابعة لها في كافة مديريات الشرطة، تفاعلت مع المجتمع، ووقفت على قضاياه وملاحظاته لترسيخ دور المواطن وتعزيز مشاركته.
ومن جهة أخرى مارست الإعلام الأمني وتعاونت مع مختلف وسائل الإعلام في نشر التوعية الأمنية والمرورية، وإبراز أدوار الأمن العام المتعددة وما تقدمه وحداته المختلفة من جهود وخدمات، عبر المركز الإعلامي الأمني الذي يشكل حلقة الوصل مع الإعلاميين والصحافيين إيمانا بأهمية إشراكهم في رسالة الأمن العام والتعامل معهم على أساس من الشفافية والمصداقية، ومن خلال إذاعة الأمن العام التي قدمت بتفاعلها وبرامجها التي تلبي احتياجات المستمعين وتتناسب مع توجهاتهم، نكهة إعلامية أمنية خاصة منحت رؤية أكثر وضوحا لإنجازات هذا الجهاز وخدماته.
وبالتأكيد لم يكن الأردن بعيدا عن المشهد السياسي للمنطقة وأثره على وقع الحياة اليومية، فشهد عددا كبيرا من التظاهرات والاحتجاجات أظهر خلالها الأمن العام أنه في خدمة الأردنيين وحقوقهم التي كفلها الدستور، وكان نموذجا في التعامل الراقي والمسئول تجاه المعتصمين والمشاركين في مختلف أشكال التعبير عن الرأي على نقيض ما يجري في دول مجاورة وتعاملها مع مواطنيها.
ورتبت الأزمة السورية أعباءا متزايدة على كاهل الأردن، نتيجة دخول مئات الآلاف من الأشقاء السوريين وتعامل الأمن العام مع واجبه الأمني والإنساني من خلال إدارة شئون مخيمات اللاجئين السوريين لتوفير المظلة الأمنية داخل المخيمات، وحماية ومعاونة المنظمات الدولية في تقديم العون للاجئين، وفعَّل قاعدة بيانات للمتواجدين في مختلف محافظات المملكة.
وحيثما التفت الناظر في كل بقعة من أرض الوطن، يجد نشامى الأمن العام، على مدار الساعة وفي شتى الظروف، على بوابات المملكة وفي المواقع السياحية، والأثرية، في البادية والحضر، داخل المدن وعلى الطرق الخارجية، متأهبين على الدوام لتقديم المساعدة، وعيونهم ساهرة على أمن المواطن والمواطن.... حتى وصلوا بعطائهم إلى خارج الوطن، سفراء للسلام في مختلف مهام الأمم المتحدة لحفظ السلام.
وعلى مدى عقود من عمر الدولة الأردنية وعمر جهاز الأمن العام تعاقب رجال ونساء أوفياء حملوا الأمانة وكانوا بحق الجند الأوفياء، وكان العمل الشرطي بكافة مجالاته مبينا على تخطيط استراتيجي، وخطط متعاقبة استمر على ضوئها تطور الأمن العام وواكب بفضل دعم القيادة الهاشمية كل المستجدات فغدا نموذجا من الاحترافية والمهنية، ومحط إعجاب يشار له بالبنان من الشقيق والصديق، وانفتح ولا زال على تعاون واسع في شتى مجالات العملية الأمنية في مجال تبادل الخبرات والتجارب وتوظيفها لما فيه خدمة رسالته وتحقيق أهدافه، ويستمر الأمن العام في ظل جلالة القائد الأعلى الملك عبد الله الثاني يقف جنبا إلى جنب مع قواتنا المسلحة الأردنية وسائر الأجهزة الأمنية حاميا لهذا الوطن مدافعا عن مكتسباته، في خدمة الوطن والمواطن.