بني مصطفى: مذكرة التفاهم تهدف لترسيخ الشراكة واستمرار التعاون مع البلقاء التطبيقية انقطاع جزئي مؤقت في الخدمات الرقمية وتطبيق "سند" يومي 19 و26 تموز وزير الخارجية يلتقي نظيره المصري سفارة جنوب أفريقيا ومبرة أم الحسين تحتفلان باليوم الدولي لنيلسون مانديلا الأردن يدين إقرار الكنيست الإسرائيلي لمقترح يعارض ويستهدف منع إقامة الدولة الفلسطينية الجامعة العربية تدين إعلان الكنيست الإسرائيلي برفض إقامة دولة فلسطينية خرفان يكرم المفوض العام للأونروا و المشاركين في حملة النظافة في مخيم البقعة وزيرة النقل تطلع على واقع الخدمات بمطار الملكة علياء والجهود المبذولة لتطويرها ارتفاع عدد شكاوى البيع الإلكتروني 2% خلال النصف الأول من العام الحالي ختام ورشة فن الممثل وصناعة الافلام وزير الصناعة يوعز بتكثيف حملات التعريف والتوعية بحقوق المستهلك إغلاق 28 فندقا في البترا لنقص السياح وزير الأوقاف يفتتح ملتقى خيريا في كفريوبا وزير الزراعة يفتتح مشروعا للطاقة الشمسية في معان ويتفقد محطة "اوهيدة" "الأعلى لذوي الإعاقة" يصدر تقريره لشهري أيار وحزيران مندوبا عن الملك وولي العهد.. العيسوي يعزي بني ياسين والحمود الأمن: ضبط شخص ظهر بفيديو تخريب وقلع الأشجار في الكرك الدكتور ابو غزالة: " الشبكة العربية للإبداع والابتكار، مستقبل أمة.. " أورنج الأردن تشارك في ملتقى "تعزيز مشاركة المرأة ذات الإعاقة اقتصادياً في القطاع الخاص" حالة الطقس المتوقعة الخميس والجمعة
كتّاب الأنباط

نارها التي لم تبرد

{clean_title}
الأنباط -

 

وليد حسني

 

مرت خمس واربعون سنة على موتها، كأنها بالأمس فقط كانت تمر من امامنا تحمل صفيحة الماء على رأسها وتحدجنا بنظرة متعالية وكأنها تقول لنا.. هذا امر لا يهمكم.

سمراء بلون القهوة المحمصة، وجديلتها تداعب خصرها باطمئنان لا مواربة فيه، وعينان واسعتان، وقلب يتسع لنصف سكان المخيم، كانت (خ ) ابنة العشرين سنة اشبه بأيقونة فارعة الطول بشفتين مكتنزتين كأنهما تحملان معجم لسان العرب كاملا.

كنا مجموعة كبيرة من اطفال الحارة المكتظة بفراخ النساء اللواتي تعودن على الانجاب كل 12 شهرا في أبعد التقديرات، اكبرنا لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره واصغرنا كان يحبو الى جانب امه وهي ترضع اخيه الصغير وتدلي ثدييها امام عتبة بيتها وتتبادل الأحاديث مع جاراتها في حفلة شرب الشاي التي تنعقد بعد عصر كل يوم وفي المواسم كانت تحضر وظيفة تلقيط الملوخية.

كنا نعلق على خولة في مجيئها ورواحها، سواء حين تنقل الماء في صفيحة على رأسها، أو حين تاتي للمخبز، او حين تذهب للسوق، او وهي تجلس أمام بيتها ترعى امها شبه المقعدة، واخاها الأصغر منها والذي يقاربنا في اعمارنا، بينما اخوها الأكبر منشغل بزوجته واولاده بعد ان انتقل ليسكن في "براكية" خارج حارتنا.

لم تذهب خوله للمدرسة، ربما درست حتى الصف الرابع الابتدائي فقط، لكنها تستطيع الكتابة، والقراءة، فانا مرة واحدة نقلت منها رسالة مكتوبة على ورق مسطر منتزعة من دفاتر وكالة الغوث الخضراء التي كنا نتسلمها مطلع كل عام دراسي مجانا، نقلت الرسالة الى ( س) الذي اعرفه جيدا، لحقت به في الشارع الخلفي للحارة وقلت له "خ بتسلم عليك وهاي رسالة منها".

تبسم"س" ونهرني، اعطاني قرشا مكافأة منه لجهدي التواصلي والإتصالي" سمعته يهمهم بكلمات قليلة لم افهم منها شيئا قبل ان يطلب مني نقل سلامه لها.

بعد أيام كان الوقت ظهرا وحرارة الشمس اللافحة تجتاح الناس والبيوت التي تفتقد للكهرباء وللماء المثلج سمعت صراخا يملأ الحارة رعبا وقهرا، خرجت مسرعا لأنضم الى العشرات الذين استفزهم الصراخ، وبهت، كدت أموت من خوفي ورعبي وحزني، فقد كانت تلك القهوة السمراء تتحمص بالنار التي تشتعل فيها وتأكل جسدها وجديلتها وهي تركض في الشارع على غير هدى صارخة قبل ان يتم اطفاؤها ونقلها الى المستشفى..

اربعة ايام ظلت سيرتها تملأ المكان والزمان، قبل أن يأتي خبر وفاتها ، قيل إنها كانت مصابة بمرض نفسي لا احد يعلم عنه، وقيل أنها اختلفت مع امها، وقيل كلام آخر عن سبب انتحارها.كل ما اعلمه انها كانت بالنسبة لنا ملاكا طاهرا يرعى الحارة بكل هذه النعومة الفياضة، وبكل تلك البراءة التي لم ار مثلها قط في حياتي.

لم تجد تلك السمراء العذبة غير بقايا الكاز في بابور الكاز، دلقته على راسها في لحظة تساوى أمامها فيها الموت والحياة واشعلت عود ثقاب، وتركت جيلا بكامله يسأل.

لماذ قتلت ( خ ) نفسها.

حتى اليوم وبعد مرور اكثر من خمس واربعين سنة على نارها التي لم تبرد في ذاكرتي وكلما مررت على اثار منزلها تعاودني صورها وأسأل نفسي..

لماذا لم تقل لي إنها ستموت بالنار؟؟ لماذا؟؟//.