غضب عمان وعنف المحافظات : اسرار صامتة ام ضد الضريبة والاسعار
دورة استثنائية سريعة لرد القانون من الاعيان والنواب
الحكومة ملتزمة بطرح الضريبة على النواب لحسابات مالية خارجية وليست متمسكة بنموذجها
خلافات داخل مجلس النقباء واتهامات للمهندسين بالالتفاف بعد لقاء الزعبي بالملقي دون علم النقباء
عمان - الانباط – عمر كلاب
مع توقف هدير محركات طائرة الملك عائدا من البانيا , كانت الانظار تترقب خطوته الاولى حيال الاحتجاجات الدائرة على اقدام في ساحات وشوارع المملكة ضد قانون الضريبة المقترح , بعد ان أوعز الى حكومته بوقف العمل بالتعرفة الجديدة لاسعار المحروقات في شهر حزيران لامتصاص غضب كثيرين , لكن التراجع عن القرار منح المحتجين دفعة لتصعيد طلباتهم بدل تهدئة غضبهم , رغم ان غالبيتهم ليسوا من المتأثرين بقانون الضريبة المقترح مباشرة , لكن المزاج العام يحمل العداء للحكومة وخطواتها ويحمل شكوكا متصاعدة في السلوك الرسمي للسلطات مجتمعة .
الحراك الشعبي الذي بدأت تظهر عليه ملامح الخشونة في المحافظات يستأهل وقفة مختلفة من عقل الدولة , تحديدا في المحافظات الفقيرة والتي لا يوجد فيها مديرية لدائرة ضريبة الدخل بالاساس , مثل محافظات الجنوب وبعض محافظات الشمال , بل ان الملمح الخشن في الهتاف والاعتداء على الممتلكات العامة واموال الدولة جاء من محافظات لا ينطبق على 99% من ساكنيها قانون الضريبة ونفس النسبة ايضا لم تقرأ القانون اساسا , فلماذا تتحرك المحافظات بهذه الوتيرة الخشنة في الهتاف والسلوك ؟ هذا هو السؤال الذي يُقلق عقل الدولة ويجعل القلق رفيقا لكل صاحب عقل .
سؤال التعالي على المواطنين بعدم استجابة الحكومة للمطالب الشعبية والنقابية بسحب القانون , هل اسهم في هذه الخشونة وهذا الغضب ؟ سألنا في الانباط نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية الدكتور جعفر حسان , الذي رفض فكرة التعالي , مؤكدا ان الحكومة تعاملت بعقل مفتوح مع كل القوانين وليس قانون الضريبة وحده , لكن ظرف قانون الضريبة مختلف , فهذا القانون يشهد بالعادة لغطا وحوارا ساخنا في كل الدول والمجتمعات المستقرة قبل القلقة والغنية قبل الفقيرة , وتم عرضه على موقع الحكومة لفترة لمراجعة الملاحظات وتم عقد لقاءات مع ممثلي القطاعات التجارية والصناعية , ثم تحويله الى مجلس النواب الذي هو الجهة التي تقوم بتوفير البيئة الحوارية المناسبة للقانون واي قانون , وعلى الجميع ان يتذكر كيف ادار البرلمان حوارا طويلا حول قانون المسؤولية الطبية فما بالكم بالضريبة .
لماذا لا تقوم الحكومة بسحب القانون وحقن دماء الوقت والجهد المبذولين في الشارع , سألنا الدكتور حسان , الذي يؤكد ان القانون يجب ان يخرج من الحكومة لاستحقاقات والتزامات دولية مربوطة بظروف مالية معقدة , لكن خروج القانون من الحكومة لا يعني ابدا ان يقبله مجلس الامة ولا يقوم بتعديله كاملا او حسب الرؤية البرلمانية والحوارات المجتمعية , وهذا حق دستوري للمجلس , بعد ان انجزت الحكومة واجبها بتحويله الى مجلس النواب , رافضا التعليق على سوء ادارة الحكومة للملف الاعلامي المصاحب لمراحل القانون او التعليق على تصريحات وزير المالية التي استفزت كثيرين , مؤكدا بأن عبارة وزير المالية التي حظيت بالهجوم والتعليقات تم اقتطاعها من سياقها فالرجل كان يتحدث عن سيناريوهات كثيرة حال عدم تحويل القانون احدها ان تتعطل الحركة النقدية ونصل الى عدم القدرة على دفع الرواتب .
السياق الدستوري لعجلة القوانين بالاردن تسير على هذه الوتيرة , وسبق للماكينة الرسمية ان مررت قوانين اكثر خطورة عبر نفس الوتيرة ولعل الموازنة اخطر من الضريبة , فلماذا توقفت النقابات المهنية عند هذا القانون بشراسة وصلابة فيما لم تقف امام رفع اسعار الخبز ورفع الضريبة والاستقواء على قوت المواطن البسيط , كما تفعل في قانون الضريبة ؟ سألنا الدكتور علي العبوس نقيب الاطباء و رئيس مجلس النقباء , الذي قال ان القانون يعتدي على حقوق المهنيين وستنعكس اثاره على كل المواطنين , وانه كطبيب ليس من الفئة التي يتحدث عنها اصحاب نظرية وقف التهرب الضريبي التي نؤيدها بشدة , لكن العجلة كلها ستتعطل عن الدوران اذا تم تمرير هذا القانون , ويرى العبوس ان القبول بتأجيل حوارات القانون تحت القبة يعني ان تفتر الحالة الرافضة للقانون , وبالتالي كان مطلب النقابات سحب القانون وليس اي شيء آخر .
تخوفات العبوس ربما اثمرت في دوائر صنع القرار التي بدأت التحضير لجدول اعمال الدورة الاستثنائية بعد انتهاء عطلة عيد الفطر السعيد بدل توقيتها السابق منتصف اب , من اجل الشروع في مناقشة القانون الجديد للضريبة , لكن اللحظة هل تواتي الحكومة بتركيبتها الحالية , ام ان ثمة تعديلا هذه المرة سيشمل رئيسها مع بعض الاسماء الجدلية والمنفرة ؟ كثيرة هي السيناريوهات المطروحة لكن اقلها كلفة هو رحيل الرئيس بالاعفاء او الاستعفاء , لتكمل الحكومة مشروعها الضريبي , لان اي رئيس جديد لن يقبل ان يدخل الى الساحة الا باوراق تهدئة اولها سحب القانون وهذه خطوة لا تستطيعها الحكومة او اي حكومة وفقا للجدول المالي المعروض والمعروف .
النقابات نجحت في جعل موقفها من قانون الضريبة موقفا وطنيا عارما بعد ان استثمرت في الاوجاع الشعبية الصادقة ,لكنها عادت الى الوراء خطوة وسمحت للجماهير بالتقدم عليها مجددا , مما جعل المشهد مرتبكا وبلا رأس يمكن التحاور معه , لذلك لجأ نقيب المهندسين الى الدخول من الباب الخلفي لدار رئاسة الوزراء ومقابلة الرئيس هاني الملقي بمعزل عن النقباء من خلال ثنائي نيابي ومستقلة , بعد ان استشعر الرجل ان الامور فلتت من المجمع ونقابات الداخل حصرا , مما سيربك شكل التحالف والتوافق بين النقابات التي ترى ان ذهاب نقيب المهندسين منفردا هو التفاف على المجمع والنقابات , وانها تشبه الخيانة كما يقول نقيب من داخل المجمع ويكمل ان محاولته الاستعراضية امس بالظهور بين المحتجين في الشميساني مكشوفة ولن تغفر له التفافه من خلف ظهر النقباء .
بارقة الامل بحل كريم جاء من مجلس الملك الذي تداعى الى اجتماع انتهى بتوصيتين ربما اقرب الى سيناريوهات الخروج من الازمة حول مشروع قانون ضريبة الدخل وحل الازمة في الشارع ، للعمل بما يراه الملك الانسب منهما الاولى : الطلب من الحكومة سحب القانون الحالي للضريبة وتشكيل لجنة حوار وطني بعدها لتدارس المنهج الاقتصادي برمته ومن ضمنه قانون الضريبة المنشود والثانية : إصدار إرادة ملكية بعقد الدورة الاستثنائية غداً الاثنين ٦/٤ بحيث يتم رده من النواب اولاً بتاريخ ٦/٥ ويتم إحالته للأعيان ويقوم الاعيان برده بتاريخ ٦/٦ كذلك وإعادته للدولة لإعادة تقديمه بشكل مختلف وبعدها يصار الى تشكيل لجنة وطنية لحوار وطني حول النهج الاقتصادي الاجتماعي بشكل عام ومن ضمنه اعادة صياغة قانون ضريبة منطقي يلبي متطلبات الحكومة دون الاخلال بمصالح المواطنين وكرامتهم .//