- يدخل الأردن مرحلة اقتصادية واجتماعية مهمة بعد رفع الدعم بالكامل عن مادة الخبز الأساسية لأول مرة منذ تأسيس البلاد بنسب تراوحت بين 65% و100% لأصناف الخبز الرئيسية الثلاثة.
الخبز الذي لم يتصور الأردنيون يوما أن تقترب منه يد الحكومة بحجة تخفيض عجز الموازنة المقدر بمليار دولار سنويا يشكل اليوم واجهة الغلاء المستمرة في الأردن منذ أكثر من خمس سنوات بعد تأثر البلاد بأوضاع الإقليم الملتهبة والاستقطابات السياسية الأخيرة على صعيد موقفه من قضية القدس المحتلة.
فالأردن منذ بداية العقد الحالي يشهد تآكلا في كل شيء، في مساعداته الخارجية، ومواد تصديره وكمياتها، والحصار الذي فرض عليه من جهتي العراق وسوريا، وهي عوامل مجتمعة أجبرت الأردن على الانخراط بجدول إصلاحي جديد مع صندوق النقد الدولي جدد أكثر من مرة.
هذه العوامل وغيرها أثرت في مجملها على مجموع الطبقات الاجتماعية بالأردن، أهمها الطبقة المتوسطة التي وصفتها دراسة للبنك الدولي نشرت العام الحالي 2017 بمصطلح "الفقراء العابرون أو المؤقتون"، بمعنى أن فئات من الطبقة الوسطى الدنيا ستنزلق إلى الطبقة الفقيرة.
إلى جانب ذلك، فإن ثلث سكان الأردن من اللاجئين أو من العمالة الوافدة، الأمر الذي يستدعي إعادة توجيه الدعم ليكون للمواطن الأردني المستحق وليس السلعة، إلى جانب برنامج أمان اجتماعي يشرف عليه صندوق المعونة الوطنية وصندوق الضمان الاجتماعي.
ارتفاع التضخم
وبحسب دائرة الإحصاءات العامة، فإن الطبقة الوسطى تشكل في الأردن نحو 55% من إجمالي الطبقات الاجتماعية والاقتصادية، وتنقسم إلى فئة وسطى وأخرى دنيا يصل حجمها إلى 30% ووسطى عليا يصل حجمها إلى 25%.
ويقول المحلل الاقتصادي سلامة درعاوي إن أكثر الأمور التي تدعو للقلق في الأردن بمواجهة الغلاء هو ثبات الدخول الشهرية للمواطنين في القطاعين العام والخاص.
ويتوقع درعاوي أن يرتفع معدل التضخم خلال العام 2018 إلى 2% نتيجة ارتفاع أسعار النفط عالميا وقرار الحكومة رفع الضريبة على بعض المواد الأساسية إلى 16% بدلا من 4%، وهو ما سيوثر برأيه على الطبقات ذات الدخل المحدود والمتوسط، ويهدد ما وصفه بـ"الأمن المعيشي" ويؤدي إلى تدني القوة الشرائية للمواطن.
ولسد عجز موازنة العام 2018 تخطط الحكومة لرفع أسعار سلع أساسية كالبقوليات المعلبة والأجبان واللحوم المصنعة بنسبة 10% كما أشار نقيب تجار الأغذية في الأردن توفيق الحاج.
لكن توفيق الحاج أكد عدم اقتراب الحكومة من رفع المواد الأساسية كالسكر والأرز والحليب والشاي والبقوليات وزيت الزيتون واللحمة وإبقائها معفاة من الضريبة والجمارك.
وظاهرة الغلاء المستمرة في الأردن منذ زهاء سبع سنوات جعلته بحسب موقع الإيكونومست البريطاني في تقدم مستمر بمراتب الدول العالمية الأكثر غلاء، إذ تصدرت عمان العاصمة المرتبة الأولى عربيا وفي شمال أفريقيا، ووصلت إلى المرتبة الـ29 عالميا بقائمة أغلى المدن بعدما كانت في المرتبة الـ48 عام 2014.
وكمحاولة للخروج بخطة تجمع بين الإصلاح الاقتصادي والسياسي يقول مروان المعشر وزير الخارجية السابق نائب مدير البنك الدولي سابقا "عندما حاولت الحكومة بعد العام 2005 المضي قدما في الإصلاح الاقتصادي دون السياسي كانت النتيجة مزيدا من التدهور الاقتصادي وزيادة ملحوظة في حجم الدين ومنسوب البطالة".
إصلاحات
ويضيف المعشر أن اعتقاد البعض "أن المطالبة بإصلاح سياسي في ظل وضع اقتصادي خانق نوع من الترف الفكري والنخبوي لا تستطيع أي دولة الخوض فيه، والصحيح هو العكس تماما، فالخروج من الأزمة الاقتصادية ليس ممكنا إن لم يشعر الناس بأن الانتقال الاقتصادي الصعب إلى نظم أكثر إنتاجية يصاحبه إدراك من الدولة بوجوب إشراكهم في عملية صنع القرار، حينها تصبح التضحيات أكثر قبولا من المواطن".
وفي ظلال الأزمة والاستقطابات الحادة بالمنطقة عقب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب نقل سفارته إلى القدس المحتلة وجد الأردن نفسه وحيدا بمواجهة "تسونامي الغلاء" أمام شعبه لجهة تقليص المساعدات الموجهة لدعم الموازنة.
لأجل ذلك صدرت عدة توجيهات ملكية وحكومية بضرورة الاعتماد على الذات من الآن فصاعدا لدعم الموازنة وحل مشاكل الأردن المالية بعد تراجع المنح الخارجية للعام الحالي.
ويأتي هذا في ظل توقعات أخرى بتباطؤ النمو، وفشل حكومي في تحصيل إيرادات ضريبية بقيمة سبعة مليارات دولار العام الجاري، وزيادة فوائد الدين العام بنحو مئة مليون دولار إلى أكثر من 1.4 مليار دولار.
المصدر : الجزيرة