ورطة ترامب في مواجهة الرفض العالمي والادانة وانقسام الادارة الامريكية
عواصم – وكالات - الانباط - مامون العمري
يبدو ان ازمات الرئيس الامريكي دونالد ترامب لم ولن تنتهي منذ ظاهرة ترشحه بلا خلفية سياسية او تجربة او خبرة وصولا الى فوزه وما تلا ذلك منذ احد عشر شهرا تقريبا ، واخيرا دخل في النفق الاشد ظلمة وتعقيدا في منطقة الشرق الاوسط والعالم مع اطول احتلال في التاريخ الحديث للاراضي الفلسطينية ، والمربع الاكثر حساسية القدس والمقدسات التي ظلت بقبول اسلامي ومسيحي برعاية هاشمية اردنية .
الانباط في عددها اليوم تعرض للتبعات او بمعنى اخر الورطة السياسية التي اغرق بها ترامب المنطقة عموما واغرق بها بلاده وخصوصا ونحن نطالع ردود الفعل والمواقف فحلفاء الولايات المتحدة التقليديين من مثل بريطانيا وفرنسا وكندا رفضوا القرار الامريكي ،إذ دمر هذا القرار شرعية الولايات المتحدة كزعيم للغرب ووسيط مقبول لدى كل من الإسرائيليين والفلسطينيين، بل ابعد من ذلك ما قالته صحيفة لوفيغارو الفرنسية بأن قرار النقل هذا أغضب المسلمين سنة وشيعة، ومنهم من ندد ومنهم من هدد، غير أنه كذلك أفزع بقية العالم من صينيين وروس وأوروبيين مما ترك ترمب في عزلة حقيقية.
فبقي "وحيدا في مواجهة الجميع" كما قالت لوموند في افتتاحيتها، بعد أن تجاهل جميع التحذيرات والطلبات، المهذبة منها والضاغطة.
وغدا واضحا -وفق الصحيفة- أن أميركا ترمب تؤثر اليوم التصرف منفردة، متجاهلة بذلك مشورة أقرب شركائها، وبذلك تكون قد "فككت نظام العلاقات الدولية الذي بنته بعد الحرب العالمية الثانية" بل إن إعلان ترمب بشأن القدس ببساطة "جريمة في حق الدبلوماسية كوسيلة لتسوية النزاعات".
وهو ما اعتبرته لوموند ازدراء بالقانون الدولي "إذ كيف يجرؤ ترمب على إشعال فتيل القدس وبالتالي زيادة التوترات وإثارة أعمال عنف جديدة في منطقة على وشك الانفجار، دون الإعلان عن خططه لإحياء عملية السلام المتعثرة؟
والواضح أن القانون الدولي ليس ضمن ضوابط السياسة الخارجية الترمبية، بل إن ما يسترشد به ترمب هو هاجسه الكبير في القطيعة مع تاريخ سابقيه وما تمليه عليه سياساته الداخلية، أي "حرصه على إرضاء المسيحيين الإنجيليين واللوبيات المؤيدة لإسرائيل" على حد تعبير لوموند.
عموما وربما ايضا وعبر الانباط نقلنا وقلنا انها ليست هذه أول مرة يضرب فيها ترمب عرض الحائط بالتزامات بلاده الدولية، إذ انسحب من اليونسكو واتفاقية المناخ وغيرها، وهذا ما يجب ان يلتفت له حلفاء واشنطن إلى إدراك حقيقة مفادها أن العالم قد دخل حقبة جديدة تستوجب الالتفاف على الإدارة الأميركية المتورطة في زعزعة المجتمع الدولي بشكل خطير.
فهذا "المزعزع الكبير" يهدم ولا يبني، إذ حطم المدونات والرموز الدولية، دون أن يترك خلفه أي تشييد لا في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولا في سوريا، ولا في ليبيا، ولا في كوريا، ولا مع روسيا، بل "لم يدفع الأشياء إلى الأمام بوصة واحدة".
لكن على الديمقراطيين ومؤيدي السلام العادل والمتكافئ للجميع ألا يتخلوا عن مسؤولياتهم وأن يدركوا أن احتمال قيام دولة فلسطينية بدأ يتلاشى على المدى القصير والمتوسط، ولكن لا يمكن للمجتمع الدولي أن يذعن للأمر الواقع ويترك الحبل على الغارب لأعداء السلام.
صحف أميركية تنتقد تهويد ترمب للقدس
طغت تداعيات اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترمب بـ القدس المحتلة عاصمة إسرائيل على جل عناوين الصحف والمجلات الأميركية، وأجمعت كلها تقريبا على أن هذا القرار سيكون له عواقب إقليمية وخيمة، واعتبرته خطأ كبيرا.
فقد جاء مقال دورية موقع الأبحاث الأميركي "ستراتفور" بعنوان "القدس.. قرار له عواقب إقليمية" وقال إنها المكان الذي يصطدم فيه الإيمان العميق والسياسة الدولية، ونتيجة لهذا التقارب القوي من السهل المبالغة في تقدير تأثير المدينة على العلاقات الإقليمية.
وأشار إلى أن إعلان ترمب قوبل بثناء وازدراء وتحذيرات من وقوع كارثة وشيكة في مختلف أنحاء العالم، حيث يرى العديد من النقاد أن نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس سيسبب العنف والاضطرابات محطما بذلك أي أمل في السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
لكنه أردف بأن المخاوف من أن حربا وعنفا واسع النطاق سيتبعان الإعلان أمر مبالغ فيه، ومع ذلك فإن هذه الخطوة لن تكون بدون عواقب.
وبعيدا عن الآثار الأمنية المتعددة المترتبة عليه، فإن هذا القرار سيؤدي إلى اضطرابات مؤسفة للكثيرين وفرص لفئة قليلة، حتى وإن كانت عواقبها لا ترقى إلى حد الكارثية.
وأشارت "ستراتفور" إلى تاريخ العلاقات الروحية للولايات المتحدة مع القدس منذ نحو مئتي سنة وأنها من الناحية الإستراتيجية لا تمثل أهمية كبيرة لها، ومع ذلك فإن المعلم القديم القائم في شرق القدس (فندق المستعمرة الأميركي) الراسخ في المخيلة الشعبية قد أعطى المدينة مكانة فريدة بالسياسة الخارجية الأميركية.
وسيط محايد
ولكن، بغض النظر عن المقتضيات الروحية للولايات المتحدة، تبقى الحقيقة أن القدس هي أيضا ثالث أقدس مدينة في الإسلام، وفقدانها الرمزي سيكون له صداه في جميع أنحاء العالم الإسلامي. وهذا ما بدأ بالفعل بعدما دعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لأن يكون الجمعة يوم غضب احتجاجا على القرار الأميركي. وحتى بعد انتهاء كل المظاهرات سيظل النشطاء يؤججون جذوة الغضب في وسائل الإعلام الاجتماعية.
كما أن القرار سيعرض موقف الولايات المتحدة للخطر كوسيط محايد بين الإسرائيليين والفلسطينيين -كما حذر البعض- وباعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل ستقوض واشنطن دورها في عملية السلام، وبالتالي ستقلل من احتمالات التوصل إلى حل لهذا الصراع، كما أنه لا توجد دولة أو حكومة أخرى مستعدة لتحل محل الولايات المتحدة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن التغيير في وضع القدس سيعقد الشراكة الناشئة بين إسرائيل والسعودية، وسوف يحفز القرار الأميركي الدول ذات الأغلبية المسلمة في جميع أنحاء العالم على الالتحام معا في غضب عارم ضد إسرائيل، ويدفع السعودية -بوصفها الوصي على أقدس الأماكن الإسلامية- لتنأى بنفسها عن حليفها المحتمل. وبالمثل، فإن التهديد باضطرابات سوف يجبر مصر على خفض علاقاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة.
وفي السياق، أشار تقرير لـ نيويورك تايمز إلى أن معظم السفراء الأميركيين السابقين في إسرائيل يختلفون مع قرار ترمب بشأن القدس. وقال كاتب التقرير سيويل تشان إن جميع السفراء الـ 11 السابقين -باستثناء اثنين- الذين اتصلت بهم الصحيفة بعد قرار الرئيس ترمب يعتقدون أن الخطة كانت مندفعة أو خطيرة أو معيبة بشكل كبير.
حريق كبير
وأضاف التقرير أنه رغم اتفاق هذين السفيرين على أن ترمب كان يقر بالواقع على الأرض فإنهما اختلفا مع نهجه بأنه قدم تنازلا دبلوماسيا كبيرا دون أي مكاسب واضحة في المقابل. وهذان السفيران هما أوغادين آر ريد من إدارة الرئيس الأسبق أيزنهاور وإدوارد واكر جونيور بإدارة بيل كلينتون.
وفي مقال آخر بنفس الصحيفة، كتبت عضو المجلس التشريعي الفلسطيني وعضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي أن الفلسطينيين والعرب وبقية العالم الإسلامي سوف يفسرون هذا القرار على أنه استفزاز كبير، وسيلحق ضررا لا يمكن إصلاحه بخطط ترمب الرامية إلى إحلال سلام الشرق الأوسط وإلى أي جهود تقوم بها الإدارة الأميركية في المستقبل، كما أنه سيقوض الأمن القومي للولايات المتحدة. ورأت أن عليه أن يعيد النظر في هذا القرار فورا.
وقالت عشراوي إن ترمب بهذا الإعلان يكون قد شرعن أعمال إسرائيل غير القانونية، وبعث رسالة مفادها أن الولايات المتحدة لم تعد تعير أي اهتمام بالاتفاقات أو الأعراف الدولية، وأن القوة والسلطة تعلوان على العدالة والقانون.
وأفاضت في ذكر تداعيات هذا القرار وأنه سيكثف من انتهاكات المسؤولين الإسرائيليين لحقوق الفلسطينيين بالمدينة وتدمير المزيد من منازلهم وتشريد الكثير من العائلات الفلسطينية، ناهيك عن إمكانية تجرؤ المتطرفين اليهود الذين يريدون بناء معبد يهودي في مجمع الحرم القدسي الشريف في البلدة القديمة بشرق القدس، الأمر الذي يمكن أن يشعل بسهولة حريقا كبيرا في الشرق الأوسط وما وراء ذلك من نتائج لا يمكن التنبؤ بها.
جلسة مجلس الامن الدولي
أعربت الأمم المتحدة خلال جلسة طارئة لمجلس الأمن ليلة السبت ، عن «قلق بالغ إزاء مخاطر تصاعد العنف»، إثر قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف في شكل آحادي بالقدس عاصمة لإسرائيل. وفي وقت تصاعد الغضب في العالمين العربي والإسلامي، واعتراض الشركاء الأوروبيين، سعت واشنطن إلى التخفيف من وطأة قرار ترامب، موضحة أنه «لا يتطرق إلى الوضع النهائي» للقدس.
وقال المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف خلال الجلسة في كلمة عبر الفيديو من القدس، إنه تم إعلان «ثلاثة أيام غضب» من «السادس إلى التاسع من الشهر الجاري»، محذراً من مخاطر «تطرّف ديني»، وداعياً قادة العالم إلى «إبداء الحكمة» لإعادة الهدوء إلى المنطقة.
وأكد ملادينوف أن القدس هي إحدى قضايا الحل النهائي «الأكثر تعقيداً»، وأي قرار آحادي في شأنها «قد يقوّض جهود السلام وتترتب عليه عواقب على مستوى المنطقة بأسرها». وأشار إلى أن إعلان ترامب تضمن الإشارة إلى «أن الحدود سيتم تحديدها بناء على التفاوض بين الجانبين، مع الاحتفاظ بالوضع القائم في الأماكن المقدسة».
وأكد ملادينوف أن قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة «هي الوحيدة التي تحدد أسس ومبادىء» مسار التسوية «التي لا خطة بديلة منها». ودعا الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني والمجتمع الدولي إلى «الإعداد للظروف المواتية للسلام» بناء على الأسس القائمة.
وأعلنت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، أن «الولايات المتحدة لم تتخذ موقفاً في شأن حدود القدس، ولا تدعم أي تغييرات على الترتيبات المتعلقة بالأماكن المقدسة»، وأضافت أن بلادها «ملتزمة دعم عملية السلام وتتمتع بالمصداقية لدى الإسرائيليين والفلسطينيين»، مشيرة إلى أنها ترفض «الخطب والدروس».
وحاول وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون التخفيف من وطأة قرار ترامب، بقوله أن «نقل السفارة قد لا يتم قبل عامين على الأرجح»، مضيفاً بعد لقائه نظيره الفرنسي جان إيف لودريان أن القرار الصادر في هذا الشأن لا يتطرق إلى الوضع النهائي للمدينة المقدسة. وغرّد ترامب أمس، منتقداً الرؤساء السابقين بيل كلينتون وجورج بوش وباراك أوباما، وقال في «تويتر»: «نفذت وعدي خلال الحملة الانتخابية، لكن الآخرين لم ينفذوا» ما وعدوا به.
وكان وزير الخارجية الفرنسي حذر قبل لقائه تيلرسون من «خطر» اندلاع انتفاضة في الأراضي الفلسطينية، ودعا إلى الهدوء.
وحض سفير بريطانيا لدى الأمم المتحدة ماثيو رايكروفت، الولايات المتحدة بقوة على «طرح اقتراحات مفصّلة لتسوية إسرائيلية- فلسطينية».
ووجّه السفير الروسي فاسيلي نيبينزيا الدعوة إلى الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني لعقد «قمة في روسيا»، مشيراً إلى أن بلاده «مستعدة» لتنظيمها. وقال إن روسيا انتظرت «طويلاً أن تقدّم الولايات المتحدة اقتراحاً محدداً، وأن تشرح سبب قرارها نقل السفارة إلى القدس»، لكنها لم تحصل على رد بعد.
وأكد تمسّك موسكو بأسس عملية السلام وفق قرارات مجلس الأمن وباعتبار أن القدس الغربية عاصمة إسرائيلية، والقدس الشرقية عاصمة فلسطينية.
وطالب السفير الفسطيني رياض منصور بـ «الاحترام الكامل للوضع التاريخي للقدس والحرم القدسي، بناء على القرارات الدولية والإجماع الدولي»، وحض مجلس الأمن على «التصرّف في شكل طارىء ليحافظ على قراراته ضد الانتهاكات بحق القدس». وقال إن قرار ترامب «يتعارض مع قرارات مجلس الأمن والتوافق الدولي الطويل الأمد، ويهدّد بزعزعة الوضع وبتبعات خطيرة». وأضاف أن القرار الأميركي يشكل «مكافأة للإسرائيليين على تجاهلهم أي حصانة في جرائمهم بحق الشعب الفلسطيني»، كما أنه «يقوّض الدور الرئيس للولايات المتحدة في رعاية عملية السلام ويجعلها غير مؤهلة» له.
ودعا منصور واشنطن إلى إعادة النظر في القرار وإلغائه، مشدداً على أن قرارات مجلس الأمن حول القدس «تحدد بوضوح أن كل التدابير والإجراءات التي تتخذها إسرائيل لتغيير صفة القدس وطابعها، لا صفة قانونية لها، وتُعدّ انتهاكاً صارخاً لاتفاقية جنيف الرابعة، وتُعدّ باطلة ويجب إلغاؤها فوراً». وقال إن القرار الأميركي «لا يمكن له أن يغير هذا الوضع» للأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس، وإن «أي سياسة أو قرارات لا يمكن أن تحرم الشعب الفلسطيني من حقوقه المعترف بها دولياً».
وكان الوزير الإسرائيلي لشؤون القدس زئيف إلكين، اعترف أمس بأن قرار ترامب «صيغ بطريقة توحي بأن هناك مجالاً لسيطرة فلسطينية في نهاية الأمر على جزء من المدينة، وهو ما يفترض خيار التقسيم»، لكنه توقع أن تعارض إسرائيل ذلك.
واجتمع المجلس أمس في جلسة طارئة بدعوة من 8 دول لبحث القضية، الأمر الذي أثار غضباً واسعاً في العالم العربي والإسلامي ورفضاً عاماً من شركاء واشنطن الأوروبيين. ورداً على سؤال بشأن النتيجة المتوقعة للاجتماع، قال ديبلوماسي إنها ستكون «عزلة» واشنطن في هذا النزاع، في حين قال آخر «لا شيء».
وكانت منسقة السياسة الخارجية والأمن الأوروبية فيديريكا موغريني، أعلنت خلال لقائها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أمس في بروكسيل، «توافق» وجهات النظر بين الاتحاد الأوروبي والأردن في شأن «التداعيات المخيفة».
وكانت موجة العنف والغضب تصاعدت في العالمين العربي والإسلامي ضد القرار الأميركي، وشهدت مختلف مدن وقرى ومخيمات الأراضي الفلسطينية المحتلة أمس، مواجهات ومسيرات شعبية واسعة، احتجاجاً على قرار ترامب، وسقط فيها شهيد في غزة وأصيب المئات بجروح. وأعلن الهلال الأحمر الفلسطيني مساء أمس، أنه تعامل مع 767 إصابة في الضفة والقدس وقطاع غزة. كما تظاهر مئات الآلاف الجمعة في عدد من الدول العربية والإسلامية بعد صلاة الجمعة، لا سيما في عواصم ومدن الأردن، تونس، العراق، اليمن، إيران، تركيا، إندونيسيا، ماليزيا، باكستان، أفغانستان والصومال.
وأعلن شيخ الأزهر أحمد الطيب رفضه «في شكل قاطع» طلباً رسمياً سبق ووافق عليه للقاء نائب الرئيس الأميركي مايك بنس نهاية الشهر الجاري، ودعا الأزهر في بيان إلى «انتفاضة فلسطينية ثالثة».