القاهرة - د ب ا
يسعى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تفادي أن تشهد التوترات بين العربية السعودية وإيران مزيدا من التصعيد، معتمداً في موقفه هذا على سياسة بلاده الخارجية المتحفظة التي فرضها على بلاده.
لم يترك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شكوكاً حول موقفه: الشرق الأوسط ليس بحاجة إلى مزيد من الاضطرابات. "المنطقة تعاني ما فيه الكفاية من الاضطرابات وليست بحاجة للمزيد منها"، كما أعلن السيسي منتصف الأسبوع المنصرم خلال مؤتمر صحفي في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر.
هذا الإعلان كان موجهاً إلى إيران التي استغلت تفجر الحرب الأهلية في سوريا لتقوية موقعها أيضاً في الدول العربية وتوطيده، فقوات الحرس الثوري المُرسلة من طهران ساهمت في أن يتفوق الرئيس السوري بشار الأسد على قوات المعارضة والسيطرة مجدداً على أجزاء واسعة من البلاد.
مسار توسعي إيراني
إيران لم توطد تأثيرها فقط في سوريا، بل حتى في العراق الذي يسيطر عليه الشيعة سياسياً وتوجد فيه قواتها ودبلوماسيوها بقوة، وكذلك في لبنان حيث تلقى طهران تمثيلاً لها من قبل حزب الله. والوجود الإيراني في لبنان هو الذي يقلق بوجه خاص الرئيس المصري. فلا يفصل مصر عن لبنان سوى جارتها إسرائيل التي تواجه من جانبها تحديات حزب الله.
وفي حال تفجرت المواجهة بين إسرائيل وحزب الله، فإن الاضطرابات المنبعثة من سوريا التي اجتاحت الجزء الأكبر من المنطقة، ستصل مباشرة إلى الحدود المصرية. وهذا التطور بالذات أثاره السيسي في خطابه. "نحن لا نحتاج إلى تعقيدات إضافية تتعلق بإيران وحزب الله"، أضاف الرئيس المصري في تصريحه. وفي الوقت نفسه ظهر متفائلاً في لجم الخطر. وقال السيسي:" أنا ضد الحرب، فالأزمات يمكن حلها من خلال الحوار".
إلى جانب دول الخليج
ولم يدع الرئيس السيسي شكاً في تصريحه حول الطرف الذي سينضم إليه بلده في هذا النزاع. "الأمن في الخليج يشكل خطاً أحمر. نعتقد في مصر أن أي تهديد لدول الخليج يمس أيضاً أمننا القومي". وأن يذكر السيسي حاجة العربية السعودية للأمن ودول خليجية إضافية، فهذا يعبر عن السياسة الخارجية المعقدة التي تنهجها مصر تحت قيادته. فالسيسي، كما يقول خبير الشرق الأوسط شتيفان رول من مؤسسة برلين للعلوم والسياسة، يجتهد منذ مدة لتنويع علاقاته الخارجية. وينتبه الرئيس في ذلك لعدم إقامة اتصالات مع شريك على حساب آخر. ويضيف رول بالقول: "في الحقيقة يتطلع الحكام المصريون إلى دفع العلاقات مع دول الخليج وروسيا والشركاء الغربيين التقليديين إلى توازن يجلب للنظام أكبر مكسب".
فن الدبلوماسية
وتقترب مصر منذ سنوات من إفلاس جهاز الدولة، وبالتالي فإن العلاقات مع دول الخليج من شأنها جلب تبرعات مالية. هذا الحساب جاء طوال مدة بالثمار، إلا أنه منذ انهيار سعر النفط تخلف الداعمون من الخليج. ويمكن لمصر أن تعول على الدعم، لكن ليس بصفة بديهية كما حصل مباشرة بعد تولي السيسي زمام الحكم في 2013.
والمكاسب المصرية هي أيضاً من نوع سياسي: فالسياسة الخارجية المرنة التي تتبعها مصر جلبت للبلاد سمعة وسيط براغماتي ـ كما حصل في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عندما قاد وسطاء مصريون المفاوضات بين حركتي فتح وحماس الفلسطينيتين، ودفعت الطرفين في النهاية إلى التفاهم. وهذا الفن في التفاوض تعتزم البلاد توظيفه على ما يبدو في التوترات بين إيران والعربية السعودية. وهذا الهدف بالتحديد يتبعه هذه الأيام وزير الخارجية المصري سامح شكري الذي يقوم بجولة عبر ست عواصم عربية. إذ يتطلع، حسب تصريحه، إلى تقليص التوترات في المنطقة.
ويتضح هذا بالتحديد فيما يبدو من تهديدات جدية بالنزاع الراهن بين السعودية وإيران، إذ تقدم مصر متطلبات جيدة، كما جاء في ملحق الأهرام الأسبوعي، فمصر باعتبارها قوة رائدة إقليمية سنية مناسبة بشكل خاص لإجراء خوار مع إيران الشيعية.
"مسؤولية تاريخية ضخمة"
كما أن بعض المواقف الممثلة في القاهرة تسهل بكثير الحوار. ومن بين تلك المواقف أن مصر لا تشاطر دول الخليج قلقها من الاتفاق النووي للغرب مع إيران، كما أن مصر لم تتبنى التقييم الذي عبرت عنه الولايات المتحدة الأمريكية بأن إيران تدعم الإرهاب إضافة إلى أن مصر تقوم بدور متحفظ جداً في التحالف الذي تقوده العربية السعودية ضد الحوثيين المتعاطفين مع إيران. "وهذا يتمخض عنه أن القاهرة وطهران تتحملان مسؤولية تاريخية كبيرة لتطوير تعاون إستراتيجي وإدارة الأزمات المدمرة في المنطقة".
فمنذ تفجر الانتفاضة ضد الرئيس المخلوع مبارك ومنذ تولي السيسي زمام الحكم تنهج مصر مساراً متحفظاً جداً في السياسة الخارجية، وهو قد يأتي بمكاسب ليس فقط للبلاد، بل ربما لكافة المنطقة.
سرح الصورة
الرئيس المصري