الأنباط -
"هروب بشار الأسد إلى روسيا… هل تنجو ثرواته من الملاحقة الدولية؟”
إعداد: محمود أبوزيد – ناشط حقوقي
المقدمة:
بعد سنوات من الصراع الدموي، سقط النظام السوري أخيرًا وهرب الرئيس المخلوع بشار الأسد إلى روسيا، الدولة التي دعمته سياسيًا وعسكريًا طوال فترة حكمه. مع هذا التطور الحاسم، يواجه السوريون اليوم معركة أخرى لا تقل أهمية: ملاحقة واستعادة الثروات الهائلة التي جمعها الأسد وأفراد عائلته عبر عقود من الفساد ونهب موارد البلاد. يهدف هذا التقرير إلى استعراض مسارات ملاحقة هذه الثروات والخطوات القانونية والسياسية الممكنة لاستردادها.
أولاً: تقدير حجم الثروة وأصولها
تشير التقديرات إلى أن بشار الأسد وعائلته جمعوا ثروة تقدر بعشرات المليارات من الدولارات خلال فترة حكمهم التي امتدت لأكثر من خمسة عقود. وتتوزع هذه الثروة على أصول نقدية وعقارية واستثمارات داخل سوريا وخارجها، من بينها:
•عقارات فاخرة في أوروبا وروسيا: مثل القصور والشقق الفارهة المسجلة بأسماء شركات وهمية وأقارب.
•شركات واستثمارات خارجية: في مجالات النفط والاتصالات والبنوك، خاصة في روسيا وقبرص وسويسرا.
•الأموال النقدية والأصول المصرفية: في حسابات سرية بمصارف دولية، لا سيما في روسيا والملاذات الضريبية.
•الذهب والأحجار الكريمة: التي يُعتقد أنها نُقلت إلى الخارج قبيل سقوط النظام.
ثانياً: التحرك القانوني والدولي لملاحقة الثروات
مع هروب الأسد إلى روسيا، تبرز عدة مسارات قانونية لملاحقة ثرواته:
1.التعاون مع المجتمع الدولي:
•يتوجب على الحكومة السورية الانتقالية تقديم طلب رسمي للأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في أصول الأسد.
•الاستفادة من العقوبات الدولية السابقة المفروضة على النظام لتوسيع نطاق ملاحقة أمواله.
2.تجميد الأصول في الخارج:
•إصدار مذكرات دولية لتجميد أصول الأسد وأقاربه في جميع الدول التي تتعامل مع النظام المالي العالمي.
•الضغط على روسيا للكشف عن الأصول التي يحتمل أن تكون محفوظة لديها أو تم تهريبها إلى بنوكها.
3.التحقيق المالي الدولي:
•تشكيل لجنة تحقيق دولية تضم خبراء في الجرائم المالية لتتبع عمليات غسل الأموال والتحويلات المالية المشبوهة التي تمت باسم النظام السوري.
•التنسيق مع المنظمات الدولية المتخصصة في مكافحة الفساد لاسترداد الأصول.
4.رفع الدعاوى القضائية الدولية:
•رفع دعاوى في المحاكم الدولية والإقليمية المختصة بتهم الفساد ونهب الأموال العامة.
•تقديم أدلة من وثائق مسربة أو تقارير استخباراتية تثبت تورط النظام في عمليات سرقة ونهب ممنهج.
ثالثاً: التحديات المتوقعة
رغم سقوط النظام وهروب الأسد، تظل هناك تحديات كبيرة قد تعرقل ملاحقة ثرواته، أبرزها:
•الحماية الروسية:
روسيا قد ترفض التعاون وتعتبر أموال الأسد ورقة ضغط سياسية لمساومات مستقبلية.
•تعقيدات قانونية:
تسجيل الأصول بأسماء وهمية أو شركات خارجية قد يعقد عمليات الاسترداد.
•غياب الوثائق والأدلة:
تدمير الوثائق والمستندات الرسمية التي تثبت ملكية الأصول سيزيد من صعوبة إثبات تورط الأسد وأعوانه.
•الفساد العالمي:
تورط شركات عالمية ومسؤولين أجانب في صفقات مشبوهة قد يمنع بعض الدول من كشف الحقائق.
رابعاً: خارطة الطريق لاستعادة الأموال
يمكن للحكومة السورية الجديدة اتباع الخطوات التالية لضمان استرداد الثروات المنهوبة:
1.إنشاء هيئة وطنية مستقلة لمكافحة الفساد:
تعمل بشفافية وبتفويض قانوني دولي للتحقيق في أصول وأموال النظام السابق.
2.تشكيل فريق دولي لملاحقة الأصول:
يضم محققين ماليين وخبراء قانونيين لمتابعة الأموال المهربة في الخارج.
3.التعاون مع الدول الصديقة:
إقامة شراكات مع دول تدعم القضية السورية وتتعهد بتقديم الدعم المالي والقانوني.
4.إعادة الإعمار بشفافية:
ضمان أن يتم توجيه الأموال المستردة إلى إعادة بناء سوريا بشكل شفاف وعادل، مع إشراف دولي لضمان عدم تكرار الفساد.
الخاتمة:
سقوط النظام السوري وهروب بشار الأسد لا يعني نهاية معاناة الشعب السوري، بل بداية فصل جديد في معركة تحقيق العدالة واسترداد الحقوق. ملاحقة ثرواته وأصوله المسروقة هي قضية وطنية وأخلاقية وقانونية لا يمكن التهاون فيها. إن النجاح في هذه المهمة يتطلب إرادة سياسية قوية، وتعاونًا دوليًا فعالًا، وجهودًا حثيثة لكشف الحقائق وتقديم الجناة للعدالة، لتبقى سوريا حرة ومستقلة، ويبقى حق شعبها في استعادة ما سُلب منه محفوظًا في ضمير العالم.
إعداد: محمود أبوزيد – ناشط حقوقي