صالح سليم الحموري
يمثل الابتكار المحرك الرئيسي لتقدم المجتمعات والأعمال، ويأتي في نوعين رئيسيين يعكسان منهجيات مختلفة لتحقيق التحول والتطوير: النوع الأول يُعرف بـ"أفضل، أسرع، أرخص"، بينما الثاني هو "عالم جديد شجاع"، ويتطلب العمل عليه منهجيات مبتكرة مثل منهجية (10X) كلا النهجين يعكسان رؤى متباينة للإبداع والنمو. هذا التصنيف يستند إلى دراسة من هارفارد بزنس ريفيو، التي توضح كيفية تبني المؤسسات استراتيجيات تهدف إلى تحسين كفاءتها أو إحداث تحول جذري في مجالات عملها.
الابتكار من نوع "أفضل، أسرع، أرخص" يركز على تحسين المنتجات أو العمليات أو الخدمات الحالية بحيث تصبح أفضل في الأداء، أسرع في التنفيذ، وأقل تكلفة. في مجال الخدمات الحكومية، يمكن أن يكون هذا الابتكار موجهًا نحو تسهيل الإجراءات، تقليل زمن تقديم الخدمات، وتحسين تجربة المتعاملين من خلال تبني تقنيات حديثة. على سبيل المثال، تطوير نظام حكومي إلكتروني يُمكّن المواطنين من إتمام معاملاتهم عبر الإنترنت بشكل أسرع، دون الحاجة لزيارة المكاتب الحكومية، مما يساهم في خفض التكاليف وتعزيز الكفاءة.
يهدف هذا النوع من الابتكار إلى تعزيز الكفاءة، تحسين جودة الخدمات، وتقديم تجربة محسنة للمتعاملين دون إحداث تغيير جذري في طبيعة العمل. من نقاط قوته هي الاستفادة من البنية التحتية الحالية، تقليل المخاطر المرتبطة بتطبيق أنظمة جديدة، وتحقيق عائد سريع على الاستثمار. مع ذلك، يبقى الاعتماد عليه وحده محدودًا في قدرته على منافسة الابتكارات الجذرية التي تعيد تشكيل السوق من الأساس.
أما الابتكار من نوع "عالم جديد شجاع"، فهو يهدف إلى خلق منتجات، خدمات، أو أسواق جديدة قد تُغير حياة الناس بشكل جذري. يتطلب هذا الابتكار رؤية جريئة واستعدادًا لتحمل المخاطر العالية، وهو الابتكار الذي يُحدث تغييرًا جوهريًا في السوق. مثال على ذلك هو تطوير تقنيات مثل السيارات ذاتية القيادة أو منصات التواصل الرقمي، والتي غيّرت جذريًا طرق تواصل الناس وعملهم. هذا النوع من الابتكار محفوف بالمخاطر، ولكنه يفتح آفاقًا غير مسبوقة ويتميز بتجاوز الحدود التقليدية، إحداث تأثير كبير، وتغيير قواعد اللعبة.
تعد دبي مثالاً حيًا على الابتكار التحويلي في القطاع الحكومي. كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: "المستقبل سيكون لمن يستطيع تخيله وتصميمه وتنفيذه، المستقبل لا يُنتظر، المستقبل يُمكن تصميمه وبناؤه اليوم". من خلال مبادرات مثل "حكومة بلا ورق"، التي تهدف إلى تحويل جميع المعاملات الحكومية إلى معاملات رقمية بالكامل، أثبتت دبي قدرتها على إحداث تحول جذري في طريقة تقديم الخدمات الحكومية، مما وفر الوقت والجهد وقلل من البيروقراطية بشكل كبير.
وفي مشروع "متحف المستقبل"، تجسد دبي رؤية مبتكرة تجمع بين الطموح والإبداع، وتخلق بيئة تدعم الابتكار وتفتح الأبواب لتحولات جذرية في مختلف جوانب الحياة.
في الختام، يتعين على القادة تحديد السياق المناسب لاختيار نوع الابتكار الملائم لهم. بينما يمكن أن يعزز الابتكار من نوع "أفضل، أسرع، أرخص" الكفاءة الحالية، فإن "عالم جديد شجاع" يمثل استثمارًا في مستقبل غير مسبوق. النجاح في هذا العالم التنافسي يتطلب تحقيق التوازن بين الابتكار التدريجي والتحولي، بما يضمن النمو والاستدامة في بيئة تتغير بوتيرة متسارعة.