سعادة رئيس الجلسة، الأخ الدكتور علي صالح مرسي
القائم بأعمال مندوبية الجمهورية اليمنية الشقيقة،
سعادة السفير
السادة السفراء المندوبين وممثلي الدول العربية
الشقيقة،
نقف اليوم على ناصية المأساة الإنسانية
التي تخلّفها حربٌ غاشمة واعتداءات لا توقفها صرخات الضحايا ولا تستمع لأصوات
الحكمة في العالم، ولا تأبه ماكنة العدوان بقرارات الشرعية الدولية، بل أنها في
مواصلة طغيانها مع صمّ الأذان تتجاهل الإرداة الدولية، وتمعن بالقتل والتشريد،
وتعتدي بكل وضوحٍ صارخ على القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
واليوم، بعد أزيد من عامٍ على حربٍ تحرق
كل شيء وعدوانٍ مشينٍ ومدان، نجد توسّعاً في أزمة اللجوء واستهداف كما هو للإنسان
الفلسطيني استهدافٌ موازٍ وممنهج لمؤسسات الغوث والإعانة والدعم للاجئين، وفي
مقدمتها لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة
وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأنروا"، التي لم تواجه في تاريخها، منذ
تأسيسها بقرارٍ أممي، ما تواجهه اليوم من مخططات اسرائيلية تستهدف ليس دور الأنروا
الإنساني والإغاثي، بل وجودها وكيانها وحصانتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة،
وبما يعني بكل صلافة حرماناً للشعب الفلسطيني من حقوقه الأساسية والخدمات الحيوية
التي تقدمها الوكالة، لا سيما في ظل العدوان
الجائر والمستمر الذي يتعرض له الإنسان الفلسطيني من قوةٍ قائمةٍ بالاحتلال.
إن اجتماعنا
اليوم يأتي في ظل خطوات إسرائيلية تمثّل انتهاكا واضحاً للقانون الدولي وتمس حقوق
الفلسطينيين والخدمات المقدمة لهم، بإصدار كنيست إسرائيل، القوة القائمة
بالاحتلال، مشاريع قوانين تحظر أنشطة وكالة الأنروا في الأراضي الفلسطينية المحتلة
ومنع موظفيها من الحصول على الامتيازات والحصانات الممنوحة لمنظمات الأمم المتحدة
العاملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية.
وإن المملكة الأردنية الهاشمية، التي دعت إلى عقد هذا الاجتماع وتقدمت
بمشروع قرار لمجلسكم الكريم يدعو إلى تحركٍ عربيٍ جماعي، تقود جهداً دبلوماسياً مع
الدول الشقيقة والصديقة بهدف التصدي لهذه المشاريع التي تمثل تهديداً
لقانونية عمل الأونروا، التي تمثّل
إرادةً دوليةً وإنسانيةً جامعة، ما يجعل المساس بها وبحصانتها ودورها يمثّل
اغتيالاً سياسياً لوكالةٍ تحظى بشرعيةٍ أممية.
سعادة الرئيس
الزميلات
والزملاء الأعزاء،
إن
التشكيك بعمل وكالة الأنروا ومحاولة المس بكينونتها واتهامها بالإرهاب والتضيق على
عمل طواقمها والسعي لإغلاق مقراتٍ لها، لا يمكن أن يتم مقابلته بالصمت، ولا يجدي
مع مسؤولية الدول والمجتمع الدولي والمؤسسات الأممية ولا مع مبادىء القانون الدولي
والقانون الدولي الإنساني أن يتم تجاوزه، فوجود الأنروا وعملها هو حق للاجئين،
الذين يتم تعريفهم من قبل الأمم المتحدة لا من قبل قواميس دولة الاحتلال، التي
تخلو من كل ما هو إنساني، وليس في صفحات تاريخها سوى الاعتداءات والحروب والقتل
والتشريد.
إن
المجتمع الدولي يدرك أنّ من يحفظ للاجئين الأطفال في فلسطين حقهم في الغذاء،
والمأوى، والتعليم، والأمل على مدار 70 عاماً من الحرمان، هو الأنروا، وأن من قدّم
التضحيات وفقد ٢٣٧ من موظفيها على يد إسرائيل، القوة
القائمة بالاحتلال، في الحرب على غزّة هي
الأنروا. وعلى الرغم من كل هذه الاعتداءات الإسرائيلية على هذه الوكالة الأممية
إلا أنها لم تتقاعس عن دورها واستضافت ملاجئها كل من فقدوا منازلهم وأحيائهم جراء
العدوان الإسرائيلي الغاشم والمستمر على قطاع غزة.
إن
هذا الاستهداف الإسرائيلي للأنروا، لا يقف عند محاولات تصفية دورها الإنساني ولا
يكتفي بقطع الدعم المالي عنها،
بل إن وراءه سعي لقتل أمل الشعب الفلسطيني في معالجة قضية اللاجئين، لأن الأونروا
مرتبطة بالحق غير القابل للتصرف للاجئين الفلسطينيين المنصوص عليه في القانون
الدولي، وفي قرارات الجمعية العامة، لتحقيق العدالة لهم من خلال تنفيذ قرارات
الأمم المتحدة التي تتحدث عن حقهم في العودة والتعويض.
لقد نبّه حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله
الثاني حفظه الله، في خطابه في الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، من
أن ما يحدث يجعل الأمم المتحدة ومنظماتها ووكالاتها تواجه أزمةً غير مسبوقة تضرب
في صميم شرعيتها، عبر تعرضها لهجوم معنوي وفعلي، "فمنذ قرابة العام، وعلم
الأمم المتحدة الأزرق المرفوع فوق الملاجئ والمدارس في غزة يعجز عن حماية المدنيين
الأبرياء من القصف العسكري الإسرائيلي، وتقف شاحنات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة
بلا حراك، على بعد أميال فقط من فلسطينيين يتضورون جوعا، كما يتم استهداف ومهاجمة
عمال الإغاثة الإنسانية الذين يحملون شعار هذه المؤسسة بكل فخر، ويتم تحدي قرارات
محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، وتجاهل آرائها".
سعادة الرئيس
الأخوات والإخوة
الأعزاء،
إن الأمر الراسخ والممتد على مدار عمر القضية الفسطينية
ومعاناة أهلنا في فلسطين، والتي لازمتها الأنروا ورافقت مأساتهم في مختلف مسيرة
المعاناة والنضال لأجل الحق، أنه لا أحد يمكنه مساعدة الفلسطينيين إنسانياً كما
الدور الذي تقوم به الوكالة، وهو دور لا بديل عنه ولا يمكن لأي جهةٍ أن تقوم به،
ولا يمكن الاستغناء عنه في إيصال المساعدات الإنسانية لأكثر من مليوني فلسطينيي
يواجهون كارثة إنسانية نتيجة العدوان الإسرائيلي على غزة.
إن العالم اليوم أمام أزمة إنسانية وأخلاقية تمس شرعية وكينونة ودور وكالة
أممية أنشأت بإرادة دول العالم، ما يتطلب تعزيز الدعم
المالي والسياسي للوكالة حتى تتمكن من مواصلة تقديم خدماتها الحيوية للاجئين
الفلسطينيين في كافة مناطق عملها.
لقد ترأست المملكة الأردنية الهاشمية
والسويد قبل نحو شهرٍ من اليوم اجتماعاً وزارياً لحشد الدعم لوكالة الأمم المتحدة
لإغاثة وتشغيل اللاجئين، وذلك على هامش أعمال الدورة الـ"79" للجمعية
العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وهو ما يأتي ضمن الدعم الكامل الذي تقدّمه المملكة لوكالة الأونروا
والسعي للحشد الدولي لضمان دعم الوكالة مالياً وسياسياً وبما يعمل على استمراريتها
ودورها الحيوي.
وختاماً، إن
الأردن يؤكد وبكل وضوح، وبالشراكة مع أشقائه العرب، الرفض القاطع
والإدانة لكل ما يصدر من قوانين غير شرعية وغير قانونية من كنيست اسرائيل، القوة
القائمة بالاحتلال، والمستهدفة وجود وكالة الأنروا، وحصاناتها ومقارها وحظر
أنشطتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، ويدعو العالم اجمع لتحركٍ فعلي ودعمٍ حقيقي وخطواتٍ
لتوفير الحماية للشعب الفلسطيني ومنظمات الأمم المتحدة التي تقدّم له الخدمات
الإغاثية والإنسانية، وخصوصاً الأنروا التي تقوم بدور لا يمكن الاستغناء عنه.