الأنباط -
المحامي حماده أبو نجمة/ مدير المركز الأردني لحقوق العمل "بيت العمال"
إعلان الحكومة عن أعداد غير مسبوقة لفرص العمل المستحدثة تم تحقيقها في عامي 2022 و2023 متجاوزة بذلك الأرقام المسجلة في السنوات السابقة بشكل ملحوظ، بأنها استطاعت أن تستحدث حوالي (95) ألف فرصة عمل خلال العام 2023، و(89) ألف فرصة عمل خلال العام 2022، أمر يحتاج إلى مزيد من التدقيق والتحليل، خاصة وأنها أرقام جاءت مغايرة للواقع الذي نعيشه على مستوى سوق العمل ومعدلات البطالة، وعلى المستوى الإقتصادي في ظل ضعف النمو الاقتصادي وتراجع العديد من المؤشرات الحيوية.
لم يسبق لسوق العمل الأردني أن شهد مثل هذه الزيادة في أعداد الوظائف الشاغرة، خاصةً في ظل ضعف النمو الاقتصادي الذي يعاني منه الأردن منذ سنوات، فسوق العمل لم يكن يوفر في السنوات الأخيرة في أحسن الأحوال أكثر من 50 ألف فرصة عمل سنويا منها ما يقرب من 9 آلاف في القطاع العام.
هناك علاقة طردية بين عدد فرص العمل ومعدل النمو الاقتصادي، فارتفاع النمو الاقتصادي يؤدي إلى زيادة الطلب على العمالة وبالتالي خلق فرص عمل جديدة، لكن معدل النمو في الأردن كان وما زال منخفضا ومستقرا منذ سنوات على ما بين 2 و2.5 سنويا، وبالتالي فمن غير الممكن أن اقتصادا لم ينمو قد وفر هذا العدد من فرص العمل.
ومن جهة أخرى، فإن الزيادة المفترضة في أعداد العاملين في سوق العمل لم تترافق مع تحسن في مؤشرات الأداء الاقتصادي بشكل عام، فإذا كانت هذه الأعداد من الوظائف قد تم خلقها بالفعل، فمن المفترض أن ينعكس ذلك إيجابًا على الناتج المحلي الإجمالي بما يساهم في زيادة الفعالية الإقتصادية وإحداث نمو اقتصادي ملحوظ، وبعكس ذلك سيطرح التساؤل حول أين ذهبت نتائج المشاركة الإقتصادية لكل هؤلاء.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن تحليل أرقام المشتركين في الضمان الاجتماعي لا يدعم الرواية الحكومية حول زيادة أعداد العاملين في القطاع المنظم على الأقل، فإذا كانت الحكومة قد استحدثت عشرات الآلاف من الوظائف، فمن المفروض أن يرتفع عدد المشتركين في الضمان الاجتماعي بشكل ملحوظ، إلا أن البيانات المتاحة تشير إلى استقرار هذا العدد على نفس المستويات السابقة، فبلغت الزيادة على أعداد المشتركين عام 2023 أقل من تسعة آلاف مشترك، فهل من المعقول أن تكون الأعداد الأخرى من مجموع 95 ألف فرصة عمل قد عملوا جميعهم في أعمال غير منظمة ولا تشملها الحمايات القانونية والتنظيم القانوني؟ فهذا الأمر مستغرب وغير منطقي، لا بل سيكون مقلقا إن كان صحيحا.
إن الأرقام التي أعلنتها الحكومة حول فرص العمل المستحدثة تثير العديد من التساؤلات حول مدى دقتها، ففي ظل غياب التفاصيل الكافية حول طبيعة هذه الوظائف، والقطاعات التي استفادت منها، يصعب تقييم هذه الأرقام بشكل موضوعي، فقد يكون هذا الرقم نتيجة العودة التدريجية لبعض العاملين الذين فقدوا وظائفهم خلال الجائحة، حيث بلغ عدد من فقدوا وظائفهم عام 2020 وحده ما يقرب من 191 ألف شخص، ولكن هذا الإحتمال لا يمكن تأكيده، وقد تكون بعض الوظائف في الإقتصاد غير المنظم لم تكن مرصودة سابقا وتم الوصول إليها مؤخرا، كل هذه الإحتمالات تتطلب المراجعة في ضوء التوضيحات المطلوبة من الحكومة.