الأنباط -
الكاتب والمحلل الأمني د. بشير الدعجه
"القبضة الحديدية: إدارة مكافحة المخدرات تضرب عصابتين مدعومتين من مليشيات إقليمية في ضربة أمنية غير مسبوقة"
في خطوة نوعية وغير مسبوقة، تمكنت إدارة مكافحة المخدرات الأردنية بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والمخابرات العامة من ضبط عصابتين لتهريب المخدرات، مدعومتين من مليشيات إقليمية، وذلك من خلال تطبيق ثلاث استراتيجيات أمنية محكمة لأول مرة... هذه العمليات الأمنية شكلت علامة فارقة في تاريخ مكافحة المخدرات في الأردن، وأظهرت كفاءة عالية في التصدي لهذه الجرائم العابرة للحدود.
الاستراتيجية الأولى : ارخاء الحبل والمتابعة الدقيقة.
لعل الأبرز في هذه العملية هو تبني إدارة مكافحة المخدرات لاستراتيجية "ارخاء الحبل" لأول مرة، حيث سمحت للمهربين المدعومين من مليشيات إقليمية في سوريا بالدخول إلى الأردن عبر الحدود السورية. لم يكن هذا القرار وليد الصدفة، بل جاء بعد دراسة دقيقة وتخطيط محكم يهدف إلى تعقب المهربين لحظة بلحظة على مدار شهرين كاملين وتحت انظار فرق التحقيق والمتابعة..
تمكنت فرق المتابعة من رصد تحركات العصابتين منذ دخولهم الأراضي الأردنية وحتى تخزينهم لكميات كبيرة من المخدرات في مواقع محددة ... هذه المتابعة الحثيثة مكّنت الأجهزة الأمنية من التعرف على أفراد العصابتين بشكل كامل، ما أسهم بشكل كبير في إلقاء القبض عليهم ومعهم الكميات المضبوطة من المخدرات.
الاستراتيجية الثانية: تشكيل خلية متابعة وفرق متخصصة.
أما الاستراتيجية الثانية التي تبنتها إدارة مكافحة المخدرات، فتمثلت في تشكيل خلية متابعة وفرق متخصصة تضم أفراداً من إدارة مكافحة المخدرات والأجهزة الأمنية والمخابرات العامة... هذه الخلية كانت بمثابة غرفة عمليات متكاملة، تجمع بين الخبرات والقدرات المتنوعة لمختلف الأجهزة الأمنية، وتعمل على تنسيق الجهود بشكل غير مسبوق.
على الرغم من أن التنسيق بين جهاز الأمن العام والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية كان دائماً موجوداً ولكن على (استحياء) لا يرتقي الى تشكيل خلايا مشتركة للمتابعة ، فإن هذه العملية شهدت تعاوناً كاملاً وتكاملاً بين جميع الأجهزة المعنية، مما عزز من فعالية الجهود الأمنية ومكن من تحقيق نتائج ملموسة.
الاستراتيجية الثالثة: الاعتماد على العمل الاستخباراتي المتقدم..
الاستراتيجية الثالثة التي اعتمدتها إدارة مكافحة المخدرات تمثلت في التركيز على العمل الاستخباراتي المتقدم... بدلاً من الأسلوب التقليدي في مداهمة أو تطبيق قواعد الاشتباك مع المهربين قبل دخولهم الحدود الأردنية، ارتكزت العملية على جمع المعلومات الاستخباراتية الدقيقة عن تحركات المهربين وتوقيتاتهم وأماكن تواجدهم.
هذه المعلومات مكنت الأجهزة الأمنية من التخطيط المسبق لكل خطوة، وأتاحت لها فرصة القبض على المهربين بالجرم المشهود، وضبط كميات المخدرات دون تعريض حياة العناصر الأمنية أو المدنيين للخطر.
من المهم هنا الإشادة بالدور المحوري الذي لعبته القوات المسلحة الأردنية ودائرة المخابرات العامة وإدارة مكافحة المخدرات في نجاح هذه العملية... التعاون والتنسيق المشترك وتشكيل فريق تحقيق و خلية متابعة بين هذه الجهات كان له الأثر الأكبر في تحقيق هذه النتيجة المبهرة.
لقد أثبتت القوات المسلحة مرة أخرى أنها الدرع الواقي للأردن، القادرة على حماية حدوده وتأمين سلامة مواطنيه... فيما أظهرت دائرة المخابرات العامة كفاءتها العالية في جمع وتحليل المعلومات، وتقديم الدعم اللوجستي والفني اللازمين لإنجاح العملية... أما إدارة مكافحة المخدرات، فقد أظهرت مرونة وتكيفاً كبيرين في التعامل مع هذه التحديات الجديدة، مما يؤكد على احترافيتها وقدرتها على تطوير استراتيجيات فعالة ومبتكرة.
أسفرت هذه العملية عن ضبط كميات كبيرة من المخدرات وإلقاء القبض على جميع أفراد العصابتين، مما يشكل ضربة قوية لشبكات التهريب المدعومة من مليشيات إقليمية... هذه النتائج تعزز من موقف الأردن كدولة قوية قادرة على حماية حدودها والتصدي لكل محاولات التهريب والجريمة المنظمة.
كما ترسل هذه العملية رسالة واضحة إلى كل من تسول له نفسه محاولة تهريب المخدرات إلى الأردن، مفادها أن الأجهزة الأمنية الأردنية قادرة على مواجهة كل التحديات، بفضل تكامل جهودها واستخدامها لأحدث الاستراتيجيات الأمنية والاستخباراتية.
في الختام، يمكن القول أن هذه العملية الأمنية الناجحة تعد نموذجاً يحتذى به في مكافحة الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات... فهي لم تكتفِ بالاعتماد على الأساليب التقليدية، بل تبنت استراتيجيات جديدة ومتقدمة أثبتت فعاليتها... بفضل هذه الجهود، يبقى الأردن واحةً للأمان والاستقرار في منطقة تعج بالتحديات والصراعات... وللحديث بقية..